بقلم أمجد سمير شفيق حنا
إن الكنيسة القبطية كنيسة الشهداء .فقد رويت بدمائهم الذكية التي سفكت على مر العصور فحرصت الكنيسة على أن تزدان حوائطها وكل أركانها من خلال رسومات الفريسكو (fresco) وأيقوناتهم وتذكرهم فى صلاتها وتقيم لهم الاحتفالات والأعياد لذكرى استشهادهم والموالد ( حيث يولدوا بعد الانطلاق من هذا العالم فى العالم الآخر) فهيا عزيزي القارئ لنعرف أكثر عن مكانة آبائنا الشهداء ونتأمل فى بعض أيقوناتهم :-
 
1- ماذا قال العلماء عن تصوير الكنيسة لأيقونات الشهداء؟
* يقول بتلر ( يبدو أن الأقباط هم المسيحيون الوحيدون الذين لم يسروا بتصوير آلام القديسين على الأرض أو عذابات الخطاة في الجحيم )
* ترى مدام بوتشر (أن شهداء الكنيسة القبطية يبتسمون فى هدوء من خلال حوائطها كأن عذاباتهم قد نسيت منذ زمن بعيد)
* يقول واسل (أن الفنان القبطى إذ يصور قديسين رجالاً يستخدم هذا الاتجاه إلى الصلاة فيظهرون رافعين أياديهم للصلاة لله كأنهم يعلنون أن الصلاة هي سر قداستهم)
 
* يقول العلامة ترتليان( ينظرون الشهداء إلى فوق بأيد منبسطة مفتوحة ورأس مكشوفة)
* يقول القمص يوساب السرياني (تتميز الكنيسة القبطية بروح الغلبة فهي لا تصور الشياطين وأن صورتهم عند الضرورة يظهرون فى أحجام صغيرة مطروحين تحت أقدام الرب أو رؤساء الملائكة أو الشهداء)
 
2- صلاة من أجل صورة الشهيد
وجدت هذه الصلاة فى طقس البابا غبريال الخامس (88) (1427-1409م) وفيها يقول الأسقف ( السيد الرب الضابط الكل أبا ربنا وألهنا ومخلصنا يسوع المسيح الله الذى من قبل عبده موسى أعطانا الناموس من البدء لكي ينزل في قبة الشهادة مثال الشاروبيم والسارافيم الذين يظللوا بأجنحتهم على المذبح ومنحت الحكمة لسليمان من قبل البيت الذى بناه لك فى أورشليم وظهرت لرسلك المختارين بتجسد أبنك الوحيد الجنس يسوع المسيح ربنا لكي يبنوا لك كنائس وديارات على اسم قديسيك الشهداء فلهذا نسأل ونطلب إليك يا محب البشر أرسل روحك القدوس على هذه الصورة التي للقديس أو الشهيد (فلان) لكي يكون صورة خلاص وصورة قوة لكي كل من يتقدم إليها بأمانة يكون شفيع إلى الله بسببهم من أجل مغفرة خطاياهم لأن اسمك القدوس مبارك ومملوء مجداً أيها الأب والابن والروح القدس المحيى المساوي لك الآن وكل أوان.....)
 
3- صلاة على أجساد الشهداء
وجدت هذه الصلاة فى كتاب ترتيب طقس البابا غبريال الخامس (88) (1409 – 1427م) وفيها يقول الأسقف : (يا إلهنا ملك الدهور الذى وهب لنا هذه النعمة العظيمة والعجيبة المملوءة مجداً الذين هم أجساد القديسين الشهداء الأبرار ( وأن كان هو شهيد واحد يقول الذى هو جسد القديس الشهيد) الذين جاهدوا حسناً على اسمك المبارك وطردوا كل قوات العدو وحملوا صليبهم الطاهر فى السمائيات فى المساكن المعطية الحياة وصارت أجسادهم المقدسة على الأرض ممجدة فى هذا المسكن الكريم هؤلاء الذين نسجد لهم وأنعمت عليهم يا رب بينابيع الشفاء من قبلك . يشفى كل مرض فى الشعب ويطرد الأرواح النجسة والآن يا ملكنا محب البشر الصالح نسأل ونتضرع . إليك بأوجاع القديسين الشهداء الذين قبلوها على اسمك المبارك أجعل السبب فى أجسادهم المقدسة أن تنعم لنا يا مخلصنا وكل من يسجد لهم الخلاص وأعطيهم وإيانا . جميع ما نسأله من الصلاح أنعم علينا بغفران زلاتنا وشفاء أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا وأعطينا خلاصنا. نمجدك أيها المسيح إلهنا مع أبيك الصالح والروح القدس المحيى المساوي لك الآن وكل ...... )
 
4- الأسس التي يعتمد عليها الفنان عند تصوير أيقونة الشهيد
* الكتاب المقدس :- يرسم لنا القديس بولس صورة لجهادنا ضد الشيطان فيقول (ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايل إبليس .... فأثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذى به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذى هو كلمة الله )  " أفسس 6 : 11 – 17"
 
* سير الشهداء :- إن الله سخر القديس يوليوس الأقفهصى ومعه 300 رجلاً لكتابة سير الشهداء والاهتمام بأجسادهم وكانت هذه الفكرة هى النواة الأولى للسنكسار القبطى ومن خلال سير الشهداء يقوم الفنان القبطى بترجمة قصة الشهيد من خلال الأيقونة وإظهار الشىء المميز للشهيد فى قصته أو شىء مرتبط بمعجزة من معجزات الشهيد .
 
5- قراءة فى بعض أيقونات الشهداء 
1- أيقونة أمير الشهداء مارجرجس :-
* يصوره الفنان القبطى وهو ممتطىء جواد أبيض ويطعن تنين لونه أخضر (رمز للشر) وهو يرمز للشيطان وأمامه عروسه عذراء حسب القصة التى أنقذها فيها القديس من التنين وهى ترمز للكنيسة .وهناك البعض يرجع هذا التصوير إلى الفن المصرى القديم من خلال الصراع بين حورس وست. ولكن هذا غير مقبول وإنما انتصار القديس على الشيطان ونجد الشهيد مارجرجس يحمل خلفه الساحر أثناسيوس الذى آمن به .
 
* وهناك أيقونة للشهيد بدير سانت كاترين وهو ممتطىء جواده وتحته رجل يحمل على كتفه جوالاً ويمسك فى يده شمعداناً ورسم بجواره كنيسة كتب على الأيقونة (اليهودى الذى سرق الآنية) وهى تصور معجزة القديس . ونفس هذه الصورة موجودة على جدار الكنيسة الأثرية بدير الأنبا أنطونيوس .
2- أيقونة الشهيد مارمينا العجايبى :-
يوجد نموذجان لصورة القديس مينا فى الفن القبطى القديم :
* (النموذج الأول)  يصور القديس شاباً واقفاً ورافعاً يديه فى وضع الصلاة بجواره جملان واحد عن يمينه والآخر عن يساره وقد يظهر فى الصورة اسم القديس وكذلك صليبان وتظهر هذه الصورة أن القديس استشهد شاباً (23 سنة) 
* (الجملان) ارتباطهم بقصة نقل جسده / أنه عاش معه جمال فى البرية/  أو الحيوانات البحرية التى تشبه الجمل 
* القديس رجل صلاة فيظهر فى وضع الصلاة رافعاً يديه .
* (النموذج الثانى)  يصور القديس كقائد ممتطى جواده وهى عادة ترسم على الجدران وممكن أن تظهر صورة الكنيسة بين أرجل الحصان . ويوجد بالمتحف القبطى (أيقونة رقم 3368) مكتوب أعلاها (صورت مارى مينا العجايبى) وأسفل الصورة وبين ساقى الفرس رسمت كنيسة وصورة شخص كتب فوق أحدهما (اليهودى) وبجوارها كتبت عبارة (اليهودى يحلف النصرانى على بيعت مارى مينا – حلف النصرانى باطل) وهى تخص معجزة للشهيد.
* وبعض الأيقونات تظهره متقدم فى السن ذو لحية بيضاء وهو تأثير يونانى حيث تؤمن الكنيسة اليونانية انه استشهد وعمره يتجاوز الخمسين
*هناك أيقونة تظهر على رأسه ثلاثة أكاليل(البتولية- فضائله- استشهاده)
 
3- أيقونة الشهيد مرقوريوس (فيلوباتير – أبو سيفين )
القديس ممتطى حصان أسود وأمامه الأسقف ديسقورس وأسفله يوليانوس الجاحد والقديس ممسكاً بسيفين واحد خاص به والسيف الآخر هو الذى أعطاه الملاك له .
* هناك أيقونة بدير الأنبا أنطونيوس تتميز بوجود سيف واحد فقط فى يد القديس وهو الذى أعطاه له الملاك .أما سيفه الخاص فهو فى غمده- إشارة إلى أن سيف العالم لا يرتفع مع سيف الرب لأن الأخير فيه الكفاية وأسفل الحصان يوليانوس الجاحد ساقطاً والقديس باسيليوس أمامه وأثنين من أكلى لحوم البشر لهما وجهين مثل الحيوانات يصارعان والد القديس .
 
4- أيقونة الأمير تادرس الشطبى 
* الصورة المشهورة للأمير تادرس هى التى يظهر فيها بهيئة كبير قواد بالملابس العسكرية الرومانية وفى وسطه السيف وفى يده رمح طويل وراكباً على صهوة جواد والجواد يرفع رجليه الأمامتين وسن الحربة فى رأس التنين الواقع تحت رجليه صريعاً وابن الأرملة الثانى راكباً وراءه على الحصان وأمام التنين نجد طفل الأرملة الأول مربوطاً فى شجرة من أشجار اللبخ العالية وأمام الجواد تقف الأرملة التى خلص ولديها رافعة يديها تستنجد بالشهيد .
* ويوجد إلى جانب هذه الصورة صورة أخرى للأمير تادرس تصوره فى حالة مطاردته للشيطان المتشبه بالزنجى والذى ظهر له بعدما قتل التنين ولكنها ليست هى الصورة التقليدية المعروفة كما انه لا يوجد منها أيقونات أثرية .
* أقدم صورة موجودة للشهيد هى صورة جدارية (فرسكو) بقية الكنيسة الأثرية بدير الأنبا أنطونيوس ترجع إلى القرن الرابع وتصور الشهيد بملامح أكبر سناً قليلاً من الأيقونات الأخرى ويمتطى جواداً أبيض .
* ويوجد بدير الأمير تادرس أيقونة ترجع لسنة (1238م) لا تظهر فيها الأرملة ولا أولادها .
* وتوجد أيقونة بالمتحف القبطى تحت رقم 3446 والقديس يطعن تنين وأمامه صورة امرأة ترفع يديها وقديسة أخرى داخل المقصورة ترفع أحدى يديها وكتب على الأيقونة اسم القديس باللغة العربية .
 
5- أيقونة القديس الشهيد ابسخيرون القلينى 
* يصوره الفنان القبطى وهو ممتطى جواداً وأسفله الكنيسة التى نقله من بلدته إلى البيهو بالمنيا ويصور العرسان والمركب والجمال ويركب خلفه الساحر ألكسندر .
 
6- أيقونة الشهيد بقطر ابن رومانيوس - 
* * يصوره الفنان القبطى وهو ممتطى جواداً أحمر يجذب لجامه بيمناه ويمسك بيده عصا مائله على جسمه نهايتها العليا على شكل صليب وأخت القديس تطل عليه من شرفه قصرها (أيقونة رقم 3413 بالمتحف القبطى)
 
وأخـيـــراً
على الرغم أن هناك بعض الشهداء لم يكونوا محاربين وإنما صورهم الفنان القبطى محاربين لأنهم فى جيش الرب يسوع مثل أيقونة الشهيد أبانوب النهيسى وبيفام ويوحنا الهرقلى.
فرسالة الفنان القبطى أن يفتح عيوننا نحو الأبدية مصوراً ضأحداث الكنيسة برسالة مفرحة مظهراً مكانة الشهداء فى الكنيسة ودائماً نقول لكنيستنا القبطية كل عام وأنت بخير(يا أم الشهداء يا عظيمة)