محمود العلايلى
باختصار: منذ حوالى أربع سنوات، وُجد طفل رضيع فى إحدى الكنائس، وتبناه زوجان محرومان من الإنجاب، وأطلقا عليه اسم «شنودة»، ومنذ حوالى أسبوعين، تقدم أحدهم ببلاغ ضد الزوجين اللذين أصبحا أبوين للطفل بالتبنى، فتم تفعيل القانون، وانتُزع الولد من أبويه لإيداعه إحدى دُور الرعاية، وبحكم القانون أيضًا تم تغيير دينه لأنه مولود مسلم على دين الفطرة بحكم الشرع.
وللبدء، فأنا لن أتدخل فى الدين ولن أناقش أمور الشرع ولن أشتبك فى جدل فقهى، كما أننى لن أتورط فى أى نوع من النقاش الدستورى أو القانونى، ولكن سيقتصر كلامى على المستوى الإنسانى وما يستتبع ذلك من مشاعر وما يُغلفه من عاطفة، وهذه من المرات القليلة التى سأتخلى فيها طوعًا عن تحفظى وأكون قاسيًا فى وضوح لأن كلامى قد يجرح مشاعر المحرومين، وقد يُجدد آلام المعذَّبين الذين سأذكرهم، ولكن أحيانًا يكون فتح الجروح وكشفها ضروريًّا للبعض، الذى يدخل على الخط دون أن يعرف مقدار العذاب أو كم الألم.
هل صادف أحدكم الذهاب إلى أحد مراكز التلقيح الصناعى وسمع من أى زوجين عن رغبتهما العارمة فى الإنجاب؟، وهل رأيتم منهم مَن قام بالتجربة مرة ومرات وكم أنفق من المال والجهد وكم احترقت أعصابه وشَتَّ عقله، وهل شاهد أحدكم هؤلاء المتطلعين إلى الإنجاب بعد اليأس من الطب وهم يلوذون ببيوت أولياء الله والكنائس يتذرعون ويشفعون ليبلغوا أملهم.
وهل رأيتم هؤلاء عندما يتعلقون بالأمل البعيد عند المشعوذين وبعض الدجالين وكم يدفعون ثمنًا لقرابين أملًا فى رؤية طفل يومًا ما يملأ على كل زوجين منهم حياتهما؟، هل يمكن لعاقل رحيم أن يقلل من هذه الرغبة الإنسانية الطبيعية الجارفة، وخاصة إذا شاهد نظرات زوجين محرومين وملاطفتهما للأطفال واللعب معهم، فى محاولة ولو على عجل للعب الدور المفقود، وماذا إذا سمعتَ بقصة إحدى المحرومات أنها تلقم حلمة صدرها الجاف فى فم أحد أطفال العائلة الرضع لتستشعر ما تشعر به الأم من حب وأحاسيس دافئة!.
وعلى الجانب الآخر هل عاصر أحدكم فقدان أحد أطفال العائلة أو المدرسة لأحد والديه أو كليهما، وهل فهمتم نظرة انعدام الأمان فى عينى طفل لفقدان الأب، ونظراته الزائغة وتصرفاته العصبية لفقدانه مشاعر الحنان والعطف نظرًا لموت أمه، هل يمكن أن ينسى أحدكم ذلك المشهد الذى تتندر به أغلب الأسر عندما يتركون أولادهم أول أيام الدراسة وكيف يتحول الفصل إلى مندبة بسبب الأطفال الذين ينتابهم الفزع لترْك آبائهم لهم، فما بالك بإحساس الفقد والحرمان، وهل ينسى أحد منّا نظرة الانكسار فى أعين الأطفال الأيتام عند أى مناسبة يتواجد فيها آباء الأطفال الآخرين مثل التجمعات العائلية أو المناسبات المدرسية؟.
أما السؤال المباشر بعيدًا عن الأمثلة، وهل وضع أحد منّا نفسه مكان أحد الأبوين وقلبه ينخلع وهو يشاهد ابنه يُساق من الحب والدفء والحماية إلى قسوة المجهول؟، وهل تصور أحد منّا أحد أبنائه أو أحفاده مكان شنودة وهو يُنتزع من أحضان أبويه، وهل سمع أحد منكم بكاءه أو شاهد الرعب فى عينيه مستنجدًا بأبويه، اللذين لا يملكان نجدته؟.
لقد أردت أن أطرح الموضوع من مشاعرى كإنسان بعيدًا عن الكلام عن مواد الدستور ولا تطبيقات القانون لأننى أتصور أن للمناط الإنسانى أولوية عن أشياء عديدة لأن شنودة ليس وحده فى تلك المعاناة، ولكن يعيشها معه بطرق مختلفة حسين ومايكل وعبدالله وآخرون يتم قتلهم أحياء بمشنقة القانون، بينما يوجد بالتأكيد حل إنسانى يوازن بين القانون وبين فرض اليتم على طفل وجد أبوين، وعليه فإن إجابة السؤال القادم يعول عليها حل الفزورة: كيف رأى المسؤول الذى أصدر الأمر والمسؤول الذى نفذه أن فى ذلك مصلحة «شنودة» وصالح أبويه وصالح المجتمع؟.
نقلا عن المصرى اليوم