بقلم: تريزة سمير
يوم الأحد، التاسع من اكتوبر، ستنطلق مسيرة من شبرا إلى "مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"، فبعد أحداث قرية المريناب بأسوان، وبعد استخدام العنف والبلطجة على المتظاهرين الأقباط، يوم الثلاثاء الماضي، كان هناك ضرورة أن نخرج في يوم تحت اسم "يوم الغضب القبطي"، وكان شعاره "نحن مواطنون"، نعم هذا هو شعارنا، وسيشارك معنا "المسلمون والمسيحيون " فنحن مواطنون مصريون، ومن حقنا الصلاة بداخل الكنيسة، وعدم هدمها، من حقنا كمسيحيين مصريين أن نصلي في كنائسنا، ولا نشعر بأن هناك خطرًا يتهددنا، أويهدد وجود الكنيسة من الأساس.
مسيرة سلمية سنحمل أعلامنا المصرية، سنحمل صليبنا، سنذهب ونطالب بحقوقنا في دولتنا الغالية "مصر".
هذا باختصار كان مطلبنا، وكانت الدفعة الأولى لخروجنا، لم ندرك أو نعرف أن هناك خطرًا يلاحقنا ، لم نكن على علم بأن هناك دبابات تترقب وصولنا، ورصاص يُعد خصيصًا؛ ليواجه قوتنا "السلمية".
سأكتب لكم اليوم تفاصيل ما رأيته وعشته يوم "مذبحة أقباط مصر":
"بداية لم يسعدني الحظ أن أكون من بين المنضمين للمسيرة من شبرا، فبعدما قررت أن أشارك في اليوم شعرت، بتعب شديد، وقررت أن أنام قليلًا ثم أذهب لهم عند ماسبيرو مباشرة، كنت قد وعدت أصدقائي، من المسلمين والمسيحيين، أن نذهب سويًّا، اعتذرت لهم عن تأخيري في الوصول، وقلت لهم سأنتظركم عند ماسبيرو.
استيقظت من النوم على تليفون من أخي يطمئن عليَّ أن كنتُ مع المسيرة أم لا ؟ قلتُ له "أنا لسة هاروح.. قالي مينفعش فيه اعتداءات على المتظاهرين"..
أغلقتُ معه سريعًا واتصلت بأصدقائي، الذين أبلغوني بالحادث، وأكدوا لي اعتداءات الجيش على الأقباط، وأكد لي الصديق "ياسر الشال"، المسلم أيضًا، أنه شاهد ما لم يشاهده في التظاهرات ضد مبارك، ونصحني بعد الذهاب، وأثناء حديثي معه، تابعت ما يُبث على قنوات التلفاز، حيث أكدوا أن المتظاهرون الأقباط اعتدوا على "جيشنا الباسل الحر"، الجيش الاعزل المسكين!! "ياه هو إحنا أقوياء لتلك الدرجة!!! ياااه".. نحن نملك القوة والغباء معًا، ونعتدي على الجيش، الذي يملك الدبابات والأسلحة، وكل الأدوات التي تمكنه من "سحقنا"؟!! ما هذه السخافات؟!!
اتصال هاتفي اخر مع صديق من المتظاهرين، قال سنتجه إلى التحرير؛ اعتراضًا على ما حدث في ماسبيرو, فخرجت مسرعة، واستقليتُ المترو، وأنا في حالة من الانهيار، خاصة بعدما شاهدتُ صورًا من بين الشهداء على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك".
الناس في المترو يتحدثون عن الأقباط وكأنهم ذئاب، قتلوا قوات جيشنا، لم أستطيع الصمت، وقلت لهم اذهبوا معي، حتى تشاهدوا الحقيقية، لا تصدقوا وسائل الإعلام، تذكروا أن أيام مبارك كان التلفزيون المصري يضع كاميراته على كوبري قصر النيل، ويؤكد أنه فارغ تمامًا من المتظاهرين، وأن الثوار عددهم قليل! تذكروا كل كذب التلفزيون، وتعالوا شاهدوا الحقيقية "وسألتهم منذ متى يعتدي مصري على أفراد من الجيش؟ منذ متى يستخدم الأقباط العنف؟ فالتسامح والمحبة هي مبادئنا، لم يرد أحد، وكأنهم فقدوا النطق، والغريب أن عربة المترو بالكامل سمعت ما أقول؛ لأن صوتي كان عاليًّا وحادًّا"..
ما رأيته في ميدان التحرير
"خرجتُ من المترو في محطة "السادات"، تلقيتُ نصائح من كثيرين لا أعرفهم بعدم الخروج إلى الميدان، ولكنني استمريت في السير نحو الخارج دون أن أسمع نصائحهم، وبمجرد الخروج، سمعت طلقات النيران، واشتميتُ رائحة القنابل المسيلة للدموع، التي كانت تملأ أنحاء الميدان، أصوات، وصرخات، قطع من الطوب تملأ أرجاء الميدان، عدد من يسير من البشر قليل جدًّا!!
سيدة تقول "المسيحيين خلاص استقووا علينا وبيضربوا الجيش، الجيش اللي حامينا"!! وقبل أن اتحدث معها وأعنفها، رأيت فتاة محجة تقترب إليَّ وتربت على كتفي "معلش .. اعذريها مشافتش حاجة.. جائني تليفون من أحد الأصدقاء "تريزة.. إنتي فين؟ أنا في ميدان التحرير، طيب بسرعة روحي اتبرعي بالدم في المستشفى القبطي الناس هناك بتموت".. حاضر.. سلام!
سألت الفتاة المحجبة التي لا أعرفها "الناس بتموت في المستشفى القبطي"، تيجي تروحي معايا نتبرع بالدم، قالت طبعًا، ويالا نجمع شباب، ونروح، وبالفعل انطلقنا سويًّا، وجاء معنا اثنان شباب، وفتاة، وامرأة مسلمون ومسلمات، يتصارعون في الوصول إلى المستشفى.
وفي الطريق إلى المستشفى القبطي، تجمعات من الشباب الغاضب، والمتعاطف مع "الجيش"، ويتوعدون بأخذ ثأر الجيش من الأقباط، يحملون سنجًا وأسلحة، كنت أشعر عندئذٍ بأن مصر تحترق احتراقا طائفيًّا، لم يحدث من قبل، كما كنت أشعر بأنه من الصعوبة الوصول إلى المستشفى القبطي، دون بذل بعض من دمائي، كانت الفتيات والسيدة المسلمات يشجعونني على الصمت، وعدم الرد على أي أحد؛ حتى نصل بسلام؛ وحتى نصل دون التعرض لأي عنف، خاصة وأن البلطجية حينها كانوا يدعمون من الجيش والشرطة على الأقباط، هذا ما تأكدتُ منه عندما اقترتبُ من المستشفى القبطي!!!
على شباك المشرحة...
نواح.. صراخ..أنين.. حرقة.. واحتراق.. ذبح..
أسمع هذا كله، ولم أستطع مشاهدة أي شيء، تحدثتُ مع المتواجدين بالداخل من ثقب صغير بالشباك، "سألتُهم عن عدد الإصابات والشهداء، أجابوني أنهم لا يعرفون بالدقة تلك الأعداد، ولكن تمتليء المشرحة بالجثث، أعطيتهم موبيلي؛ ليلتقطوا صورًا؛ حتى يكون عندي دلائل للعالم المغيب في الخارج الذي يدعي أن الاقباط هما...!!!