بدأ الأجانب يتقاطرون على غرفة انتظار في مبنى الوزارة منذ الصباح. وكانوا يحملون ملفات من الأوراق التي بدت معاملات رسمية. وكان غالبيتهم بصحبة مواطن تونسي، رجل أو امرأة. وبعد 90 دقيقة، أُدخلت مجموعة الأجانب في قاعة جدرانها مرصوفة بالبلاط وأرضها مفروشة بالسجاد. وجلس وراء مكتب رجل مظهره المتواضع لا ينم عن لقبه الرفيع. انه مفتي تونس.
يُسلمون ليتزوجوا
ولكنه في ذلك الصباح كان يشرف رسميًا على اعتناق ستة أجانب الإسلام، غالبيتهم كي يتسنى لهم الزواج من تونسي أو تونسية. وكان الرجال يرتدون ملابس بسيطة والنساء غير محجبات.
استقبل المفتي عثمان بطيخ بجلبابه الأبيض وعمامته الحمراء والبيضاء الزوار بصوت خافت فيما كان رجل على يساره يترجم كلماته إلى الفرنسية وآخر يترجمها إلى الايطالية. وأوضح الشيخ بطيخ أن الإسلام دين السلام والمحبة، وأنه يحترم سائر الديانات الأخرى ويدعو إلى الحوار ولا يمارس الإكراه في نشر عقيدته.
ماذا عن المتطرفين؟
وأنهى المفتي كلمته مستفسرًا إن كانت لدى المهتدين إلى الدين الإسلامي أي اسئلة. سأل دنماركي اصله من بنين بالفرنسية "ماذا عن المتطرفين؟ ما العمل بشأنهم؟ كان سؤالا في محله. فقبل عشرة ايام اقتحم محتجون تونسيون مبنى السفارة الاميركية في ضواحي العاصمة وسط موجة الغضب التي اجتاحت دولًا إسلامية على فيلم "براءة المسلمين" المسيء للاسلام ونبيه.
وأضرم المتظاهرون النار في عشرات السيارات ورفعوا راية الاسلام السوداء فوق السفارة بدلا من العلم الاميركي. ثم توجه جمع من الغوغاء نحو المدرسة الاميركية في المدينة حيث احرقوا مباني وحافلات وخربوا الصفوف وسرقوا نحو 300 كومبيوتر وعشرات الآلات الموسيقية.
وقال مدير المدرسة الن بريدي لصحيفة واشنطن بوست إن قوى الأمن التونسية تأخرت في التحرك وعندما وصلت لم تفعل شيئا يُذكر. وفي النهاية تسلحت مجموعة تضم زهاء 20 من العاملين في المدرسة بمضارب البيسبول و"استعادوا المبنى" من خمسين أو نحو ذلك كانوا آخر من شاركوا في نهب المدرسة، بحسب المدير بريدي.
هز المفتي بطيخ رأسه وردّ أن لا داعي للقلق بشأن المتطرفين فهم أقلية ضئيلة بسيطة ضالة. وقال المفتي بطيخ "إن المجانين وحدهم الذين يصوتون للسلفيين". ورغم أن كثيرًا من التونسيين الليبراليين لا يشاركون المفتي ثقته فان الدنماركي رحّب بكلام الشيخ بطيخ مبديًا اقتناعه بما سمعه.
"بناتنا متحررات"
وتابع الشيخ بطيخ "أو لا ترون؟ بناتنا متحررات، غير محجبات وها هنّ يهدين الآخرين إلى الإسلام". انتهت المراسم بمحاولة كل أجنبي اعتنق الاسلام حديثًا أن يقول الشهادة من الذاكرة. وتصاعدت القهقهات وارتسمت الابتسامات على الوجوه.
بعد ذلك تصافح الرجال بسعادة وطالب المترجم إلى الايطالية غاضبا بأن يمحو مصور واشنطن بوست ما التقطه من صور يظهر فيها المترجم أو من كان يترجم لهم قائلا بصوت متهدج انهم مدراء شركات وقد يتكبدون خسائر إذا ذاع نبأ اعتناقهم الاسلام. اكتفى المفتي، الذي بدا مدركًا لمشكلة التصوير في فقه الاسلام، بهز كتفه.