إعداد/ ماجد كامل
يعتبر القديس جيروم واحدا من أهم آباء الكنيسة اللاتينية ؛فهو يمثل مع القديسين ( أمبروسيوس وأوغسطينوس و البابا غريغوريوس الكبير؛ أئمة الفكر واللاهوت في الكنيسة اللاتينية ( وذلك في مرحلة ما قبل الانشقاق المسكوني في 451م ) . أما عن القديس جيروم نفسه ؛فتاريخ مولده غير معروف علي وجه الدقة ؛والأرجح فبما بين عامي 347 أو 348 ؛ولقد ولد في أحدي المدن بالمجر (ستريدون ) . ولكنه أنتقل للعيش في مدينة روما حوالي عام 360م ؛ حيث درس علوم البلاغة ؛ وخلال سنوات قليلة أصبح واحدا من أشهر أساتذة اللغة اللاتينية ومن أشد الناس اطلاعا علي آدابها . ثم دخل سلك الحياة المدنية ؛حيث عمل موظفا في الدولة ؛وخلال تلك الفترة قرأ كتاب " حياة أنطونيوس " للقديس أثناسيوس الرسولي ؛فتاثر بها جدا حتي أنه استقال من وظيفته ؛وترهب في أحد الأديرة ثم توجه الي انطاكية ؛ حيث أتقن اللغة اليونانية واللغة العبرية . وخلال الفترة ما بين عامي 379 أو 380 توجه جيروم الي القسطنطينية وهناك تعرف علي القديس غريغوريوس النزينزي ( 329- 390 ) والقديس غرغوريوس النيصي ( 335- 394 ) . وهناك قام بهمة شاقة كان لها شأنها في تاريخ الأدب المسيحي كله ؛ وهو أنه نقل إلي اللاتينية عظات وكتابات أوريجانوس ( 185- 254 م تقريبا ) . ولقد مكث حوالي ثلاث سنوات في القسطنطينية ؛ثم توجه بعدها الي روما ؛حيث أستدعاه البابا داماسيوس ( 366- 384 م ) ليكون سكرتيره الخاص ومستشاره . ثم طلب منه مهمة خطيرة جدا ؛ إلا وهي إعادة ترجمة الكتاب المقدس في ترجمة شعبية مبسطة ( وهي التي عرفت بترجمة الفولجاتا فيما بعد) ولقد تجمع مجموعة من النساء الفاضلات حول القديس جيروم يطلبن المعرفة والكمال .وفي خلال عام 385 ؛توجه جيروم الي الشرق ؛ ومكث ثلاين يوما في الاسكندرية ؛ تقابل خلالها مع القديس ديديموس الضرير ( 313- 398 ) . ثم أنتقل بعدها إلي مدينة بيت لحم ؛ليستقر فيها حوالي 34 سنة ( 386- 420 ) وهناك انصرف كلية الي حياة الرهبنة والتقشف وهناك تفرغ تمام لإنجاز مشروعه الكبير في ترجمة الفولجاتا التي كان قد بدأها مع البابا داماسوس . كما قام بترجمة كتاب "في الروح القدس " للقديس ديديموس الضرير إلي اللغة اللاتينية ؛وبعض المشاريع الأخري (سوف نعود إليها بالتفصيل عندما نعرض قائمة كتاباته ) . ولقد أستمر جيروم في الكتابة والوعظ والترجمة حتي تنيح بسلام في 30 سبتمبر 420 م تقريبا . (لمزيد من التفصيل عن حياته :- كيرلس سليم بسترس وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛ منشورات المكتبة البوليسية ؛ الطبعة الأولي ؛2001 ؛ الصفحات من 715-726 ) .
ولقد اثري القديس جيروم المكتبة المسيحية والفلسفية بالعديد والعديد من الكتب والمراجع القيمة ؛ فلقد قال عنه جون لوريمر في كتاب "تاريخ الكنيسة :- عصر الآباء من القرن الأول وحتي السادس " " كان جيروم بحق أديب عصره وعالم علماء زمانه ؛ فبالإضافة إلي طوفان رسائله (مجموعة صفحاتها ألف وسيعمائة صفحة حسب لوريمر ) ترك لنا كتبا في التفسير والرسائل والتاريخ و الإرشاد وقواعد اللغة " . ولقد حاول المطران كيرلس سليم بسترس حصر قائمة كتاباته علي النحو التالي :-
أولا :- تفاسير الكتاب المقدس وتشمل :-
+ترجمة الفولجاتا " أنظر مقالنا عنه بالتفصيل علي صفحتي الشخصية "
+ ترجمة وتفسير جميع الأنبياء ولا سيما أشعياء ؛ حزقيال ؛ المزامير ؛ الجامعة ؛ إنجيل القديس متي ؛ رسائل القديس بولس الرسول ؛ كما ترجم أيضا قاموس الأعلام الكتابية للفيلسوف اليهودي فيلون ؛ وقاموس أسماء الأماكن ليوسابيوس القيصري .
ثانيا :- الكتابات اللاهوتية :- وتشمل :-
+ ترجمة كتاب المباديء لأوريجانوس .
+ ترجمة كتاب الروح القدس للقديس ديديموس الضرير .
+ ترجمة كتاب النظم الرهبانية للقديس باخومويس .
ثالثا :- الكتابات التاريخية وتشمل :-
+ ترجمة القسم الثاني من كتاب يوسابيوس القيصري عن تاريخ الكنيسة .
+ كتاب مشاهير الرجال De Viris Illustribus( سوف يكون لنا معه وقفة خاصة بعد الانتهاء من عرض قائمة كتاباته ) .
ثالثا :- بعض الكتابات الدفاعبة الخاصة بمشاكل عصره مثل ( البتولية - تكريم القديسين – إعادة معمودية الهراطقة ... الخ ) .
رابعا - الرسائل :-
وهي لها قيمة تاريخية وأدبية كما ذكرنا سابقا ؛ ومجموع هذه الرسائل يتكون من 150 رقما ؛منها 117 رسالة موجهة منه و26 رسالة موجهة إليه . وهي تشكل مجموعة رائعة من حيث المعني والمبني ؛ومعظمها رسائل شخصية ؛ او نسكية ؛ أو دفاعية ؛ وتعليمية وتفسيرية ( نذكر منها الرسائل المتادلة بين القديسن هيرونيموس وأوغسطينوس ) ولقد ترجمها العربية سعيد سميح جحا ؛ ونشرت في دار المشرق ؛بيروت . كما ترجم الأستاذ يوسف حبيب رسالة للشباب خلال عام 1966 ) . ( لمزيد من التفصيل راجع :- المطران كيرلس سليم بسترس ؛ الكتاب السابق ذكره الصفحات من 722 – 724 ) .
ويبقي لنا في نهاية المقالة وقفة تفصيلية مع كتابه " مشاهير الرجال ؛ ولقد كتب عنه الدكتور نصحي عبد الشهيد في كتابه الصغير الحجم الكبير القيمة " مدخل إلي علم الباترولوجي " فقال عنه " ولكن يعتبر ايرونيموس هو أول من كتب تاريخا للأدب المسيحي اللاهوتي .وذلك في كتابه مشاهير الرجال De Vir . ILL . ويقصد جيروم في كتابه هذا أن يردوا علي أولئك الكتاب الوثنيين الذين اعتادوا أن يتهموا المسيحين بقلة الذكاء – ولهذا السبب فإن جيروم يعدد في كتابه أسماء الكتاب الذين يعتز بهم الأدب المسيحي في 135 فصلا ؛ ويقدم في كل فصل عرضا لسيرة الكاتب وتقييما لكتاباته . هذا الكتاب كتبه جيروم في بيت لحم سنة 392 م . بناء علي طلب صديقه الوالي ديكستر (Dexeter) ) .
كما كتب عنه المؤرخ العالمي الشهير هاري المر بارنز Hary Elmer Barnes ( 1889- 1968 ) ( راجع مقالتي عنه وعن كتاباته علي صفحة الأقباط متحدون بتاريخ يوم الثلاثاء 25 أغسطس 2020 ) في موسوعته الخالدة " تاريخ الكتابة التاريخية ؛ الجزء الأول " حيث قال عنه " كان أول تجميع رسمي للسير المسيحية كانت في كتاب مشاهير الرجال الذي كتبه جيروم في بيت لحم سنة 392م .... فلقد سرد جيروم قائمة الذين أعتقد أنهم كتاب مسيحيون . من سيمون بيتر حتي وصل الي سرد أسمه هو ووصفهم في صورة غير منسقة ويبدو أنه أخذ أكثر من نصف القائمة التي سردها عن ايزبيوس ؛ وحتي يجعل عرضه مؤثرا علي قدر الإمكان ؛ وومتعا أيضا ؛ أضاف أيضا أسماء بعض الكتاب والهراطقة والغير مسيحين مثل يوسيفوس وفيلو ؛ ولكنه في القدر الذي خصصه لكل كاتب ؛ واللهجة التي عالج بها الموضوع ؛ أعتمد بصفة أساسية علي إحساسه الشخصي تجاه كل كاتب " . ( راجع الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 79 و80 ) .
ولقد كتب عنه الأب إسطافانوس دانيال ؛ وذلك في مقالة بعنوان " إطلالة تاريخية للمصادر التاريخية لتدوين التاريخ الكنسي ؛ حيث قال عنه " كتاب مشاهير الرجال للقديس جيروم وهو تأريخ لسير وأعمال الكتاب الكنسيين ؛ وقد سطر في مقدمته هذا النص " سأكتب اولا عن هؤلاء الرجال المشاهير ورسائلهم إلي الأمم وعن كل الذين لهم مؤلفات وتأملات عن الإنجيل المقدس بداية من آلام مخلصنا الصالح يسوع المسيح حتي السنة الرابعة عشر من عهد الإمبراطور ثيئدوسيوس " .( المرجع السابق ذكره ) .
ولقد صدرت ترجمة عربية لكتاب القديس جيروم " مشاهير الرجال " نقلها إلي اللغة العربية وقدم لها وعلق عليها ووضع فهارسها الأب جوزيف كميل جبارة .
ولقد أهتم القديس جيروم – مثل معظم اللاهوتيين الذين عاشوا في ذلك العصر- بقضية العلاقة بين العلم الديني المسيحي والعلم الوثني ؛ وفي هذا الصدد كتب رسالة إلي أحد أصدقائه يلومه فيها هذا الصديق علي كثرة استخدامه لنصوص من الفلاسفة الوثنيين ؛ فرد عليه القديس جيروم بقوله " أما ما تسألني عنه في نهاية رسالتك ؛لماذا أحيانا ما أذكر في كتبي المؤلفين الدنيوين ؛فليس لدي ما اقوله لك من الذي لا يعرف أنه يوجد فعلا في كتب موسي ؛وفي كتب الانبياء بضعة امور قد استعيرت من الكتب الوثنية ....... وأن الفيلسوف اريستديس قدم الي الامير ذاته ] هادريانوس [ دفاعا عن المسيحين مليئا بمقاطع من الفلاسفة الوثنيين ؛وحذا حذوه يوستينوس ؛فقدم الي الامبراطور انطونيوس بيوس كتابا مناهضا للأمم الوثنيين ؛ وتري ماذا اقول عن مليتون اسقف ساردينيا وماذا اقول عن أبولويناريوس أسقف كنيسة هيرابوليس ؛وغيرهم كثير الذين كتبوا في كتبهم مصدر شتي الهرطقات وأشاروا إلي الفلاسفة الذين أنشقووا عنهم ؛وأن بانتينوس فيلسوف الشيعة الرواقية ؛كان قد ارسل الي الهند ؛نظرا لوفرة علومه العميقة ؛ من قبل ديمتريوس أسقف الاسكندرية لكي يبشر بالمسيح حكماء هذه الاقطار وفلاسفتها .وقام كليمان من الاسكندرية وهو في رأيي أوفر الناس تبحرا في العلم ؛بتأليف ثمانية كتب عن المتفرقات Stromates . وثلاثة كتب عن المربي ؛فما الذي يتواجد في هذه المؤلفات ولا يكون مفعما بالتبحر العلومي ؛وزاخرا بكل ما تقدمه الفلسفة من الأمور المنشودة أكثر من غيرها ؟ وعلي غراره الف أوريجانوس عشرة مؤلفاات من الشذرات حيث يقارن بمذهب الفلاسفة ؛ثم يؤكد فيها علي عقائد ديننا استنادا الي سلطة أفلاطون وأرسطو " " لمزيد من التفصيل راجع :- جورج مينوا :- الكنيسة والعلم ؛ تاريخ الصراع بين العقل الديني والعقل العلمي ؛ترجمة موريس جلال ؛مراجعة جمال شحيد ؛الاهالي للطبع والنشر ؛ دمشق ؛ الطبعة الأولي ؛ 2005 ؛ لصفحات من 132 - 136 "
والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة قد حددت يوم 30 سبتمبر من كل عام هو اليوم العالمي للترجمة ؛ كما أعتبرت القديس جيروم هو شفيع المترجمين .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- كيرلس سليم بسترس وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛منشورات المكتبة البوليسية ؛ الطبعة الأولي 2001 ؛ الصفحات من (715- 726 ) .
2- جون لوريمر :- تاريخ الكنيسة ؛ عصر الآباء من القرن الأول وحتي السادس ؛ دار الثقافة ؛ 2013 ؛ الصفحات من ( 317- 323 ) .
3- القمص اثناسيوس فهمي جورج :- كتاب مدخل في علم الآبائيات :- القديس جيروم ( ايرونيوس ) سيرة – تعاليم – اقوال ) .
4- القديس جيروم – المعرفة .
5- نصحي عبد الشهيد :- مدخل إلي علم الآباء (باترولوجيا Patrologia ) .
6- هاري إلمر بارنز :- تاريخ الكتابة التاريخية ؛ الجزء الاول ؛ترجمة محمد عبد الرحمن برج ؛ مراجعة سعيد عبد الفتاح عاشور ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ 1948 ؛ صفحة 79 و 80 .
7- الأب إسطفانوس دنيال جرجس :- إطلالة تاريخية للمصادر التاريخية لتدوين التاريخ الكنسي ؛ كنيسة الاسكندرية للاقباط الكاثوليك ؛ بتاريخ 1 يناير 2013 ؛ موقع علي شبكة الانترنت .
8- St . Jerom / Christian scholar / Britannica
9- St . Jerom – Saints and Angeles – Catholic On line
10- Catholic Encyclopedia; St . Jerome – New Advent
11- History of St . Jerome – St Jerome Catholic Church
12- Saint Jerome – Franciscan Media
13- Saint Jerome – New World Encyclopedia
14- جورج مينوا :- الكنيسة والعلم ؛تاريخ الصراع بين العقل الديني والعقل العلمي ؛ترجمة موريس جلال ؛مراجعة جمال شحيد ؛ الأهالي للطبع والنشر ؛دمشق ؛ الطبعة الاولي 2005 ؛ الصفحات من (132- 136 ) .