محمود العلايلي
صرح الدكتورمحمد معيط وزير المالية، يوم الإثنين الماضى، خلال لقائه مع مدير عام شركة أمازون مصر وبعض قيادات الشركة- التصريح التالى: إننا نمتلك بيئة محفزة للاستثمار، ومقومات استيعاب التوسعات الاستثمارية فى مختلف القطاعات، ومبادرات داعمة للإنتاج المحلى وجاذبة للقطاع الخاص على نحو يسهم فى تمكينه من أداء دور أكبر فى عملية التنمية، بما يساعد فى تحقيق النمو الاقتصادى وتوفير المزيد من فرص العمل. وأضاف الوزير أيضا: إننا حريصون على تذليل أى عقبات ضريبية أو جمركية، والتيسير على مجتمع الأعمال، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعظيم قدراتنا الإنتاجية.
وحقيقة الأمر أن كل كلمة من كلام الوزير مدعومة بمجهودات فعلية لدفع عجلة الاستثمارات، ولكن للأسف أن هذا الكلام يمثل وجها واحدا لعملة موضوع جذب الاستثمارات وتشجيع الاستثمار الأجنبى والمحلى المباشر، وهذا الوجه المعلن يجعلنا نستشعر عند سماع الكلام أن الوزير يتحدث نيابة عن حكومة سنغافورة أو هولندا، حيث النجاح الباهر فى جذب الاستثمارات وقيم الصناعات القائمة على التصدير بأرقام تتجاوز مئات المليارات من الدولارات.
ولذلك فإن المسألة تحتاج بعض التحليلات البسيطة لمثل هذا النوع من التصريحات، أولها إن كانت هذه التصريحات كافية لجذب وتطمين أى مستثمر يبحث عن فرص للاستثمار أم أن هناك عناصر أخرى يدرسها صاحب رأس المال قبل أن يقرر شراء أسهم لشركة ما، أو قبل أن يفكر فى دراسة تأسيس مشروع صناعى أو تجارى فى بلد ما؟. والسؤال الآخر: لماذا لا تأتى رؤوس الأموال للاستثمار المباشر فى ظل وجود كل هذه العناصر المبشرة التى ذكرها الدكتور الوزير؟.
أما النقطة الثالثة فهى تختص بالأساس الأيديولوجى للاستثمار حتى لا يجرى العمل الإيجابى فى اتجاه بينما على الجانب الآخر هناك من يقوم بتجريف ذلك العمل، بحسب فهمه للموضوع وإدراكه لفلسفة الاستثمار، والسؤال هو: هل ندرك- دون أى خلط- أن الأولوية لدى أى مستثمر هى تحقيق المكاسب وتعظيم ثروته نتيجة مخاطرته، وليس من أولوياته أبدا المكسب الذى يعود على الدولة، كما تنص بعض الأدبيات الماضوية التى تدفع بهذه الأوهام فى العقول، بينما الواقع أن المكاسب التى ستعود على الدولة ستستوفى تلقائيا على المدى المتوسط بشكل مباشر على هيئة ضرائب ورسوم، وبشكل غير مباشر على هيئة توظيف وتحفيز سلاسل الإمداد من الصناعات والمنتجات المختلفة؟.
إن رأس المال إن كان يقدر بالآلاف أو المليارات لن يجازف نظرا لتصريح هنا أو وعد هناك، ولكن الشىء الوحيد الذى يغرى رأس المال بالاستثمار هو العوائد الاستثمارية، وسهولة بيئة الأعمال، وبالتالى أى محاولات للإيهام بالدوافع الرومانسية من حب البلد أو المساندة السياسية أو الدوافع الأخلاقية كلها من قبيل الخيالات التى لن تغازل خيال مستثمر أو تجذب دولارا يبحث عن فرصة.
إن العالم كله يعانى من تداعيات سنوات الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية، ولكن ليس معنى هذا أن نتصور أن مشاكلنا مقتصرة على هذين العنصرين، لأن المسألة بالمنطق أننا لم نكن فى أحسن حال من الاستثمار المباشر، ولا من قيمة الصادرات السنوية قبل تلك المشكلتين ثم حدث الانهيار، ولذلك علينا بدلا من إهدار المجهودات فى البحث الذى لا ينتهى عن طرق جذب الاستثمار أن نتأكد من القضاء على أسباب إحجام المستثمرين، لأنه طالما تواجد ذلك الوجه السلبى من العملة فلن يكون هناك جدوى للوجه الإيجابى من الأساس.
نقلا عن المصري اليوم