وحين تسألينني بخفوت:" من أنتَ؟". أقول لك بملء القلب:" أنتِ"، وتديرين وجهك بحيرة وألم إلى ناحية أخرى، أقول لك:" أنت"، وتجرح قلبي بحة صوتي إلى لا أحد، وأراك شجرة فتية واحدة في الكون، وأجلس مستندا إلى جذعكِ بظهري وحياتي وقلبي. أتطلع إلى أعلى حيث فاكهتك، حيث عينيك الجميلتين، أحدق بهما، لعلني أراني وأنا أراك. وأنا جالس في ظلك، يغمرني زمانكِ، الفجر منكِ، والمساء منكِ، فيغمرني مكانكِ، البيوت أنتِ، والغابات أنتِ، وإذا طالت جلستي وأمطرت السماء على كتفي أعرف أن المطر أنت. تتقطر الأزمنة والأمكنة من شعرك المرسل، وتنزلق تغمرني. المجرات التي تدور، الجبال العالية والسفوح.
يا قلبي الذي هناك وقلبك الذي هنا، ألـيس الحب أن تكون بـيننا مئات الأميال وتتنفـسين هـناك فـتنفتح رئتاي هـنا؟ تـتجولين في المدن البعيدة فتكل قدماي هنا؟ تغمضين عينيك فيسرقني النعاس؟ أليس الحب ألا يبقى مني شيء ليس أنتِ؟. أستند بعمري إليك. أطوق عودك الأخضر. أحدق بعينيك المشعتين الشاردتين لعلني أتذكر من أنا؟ أومن كنت قبل أن ألقاك؟ لكنك تنظرين إلى شيء بعيد، وتجرح قلبي بحة صوتي إلى لا أحد.
أراك تهبطين من بيتك فتخرج الشمس تنير الطريق لأجلك وحدك، تتلفتين حولك، تعبرين، تتوقفين عند بابي. تساوين شعرك. تنصتين إلى دقات قلبي العالية وراء الباب. أفتحه بيد مرتجفة، وأقف مأخوذا بجمالك الذي يتجدد كل لحظة. أضغط يديك بين يدي. كل شيء معد لكي تكوني معي، الأقداح وقطع الخبز الصغيرة، والكلمات التي سنتبادلها بارتباك ثم بحيوية، كل شيء حتى الصمت المشبع بعشقي ونظرتي المتيمة، الصمت القلق من نظرتك المشعة الحائرة مثل غزالة مطاردة. يدور قلبي في جمالك، وأعلم أنني سأحبك بكل قوة حضوري في الدنيا وأنا حي، وكل قوة غيابي حينما أغيب، أعلم ذلك، وتجرح قلبي بحة صوتي إلى لا أحد.
أدرت ظهرك، ورحنا نفترق، ببطء، وصعوبة، كما تفارق الوردة غضنها فيبقى فيها دمه ويبقى فيه عطرها. ألتقط شظايا القلب المكسور من الأرض، أقول لنفسي كل كسرة منها قلب صغير قادر على أن ينهض ويحب، أضعها على كفي وأنفخ فيها، فلا أرى سواك في أفق يرتجف من النور والحنان. ويغمرني الحزن، وأنت تذبحين ما بيننا بعذوبة العشق نفسها، بالرقة نفسها، وفي صمت. لا أحزن على على كل ما قلته لك، لكن على ما لن أقوله، وعلى بحة صوتي تجرح في الفضاء قلبي .. إلى لا أحد.
كنت من قبل أعرف المعادن التي خلق منها الحب. العشق من ياقوت القلب. الشوق من فضة الخيال. القبلة من ذهب مشتعل. قلق الانتظار من النحاس. ولم أكن أدري مما خلق الصمت بين المحبين؟ حتى هبط الصقيع وتجمدت الأغاني في حلوق الطير فعرفت أن الصمت خلق من الحديد. كم خمشته يداي ونزفت فوقه وبقى موحشا ثقيلا، يفوح الزهر من تحته بآخر وأجمل أنفاسه خافتة تحوم حتى يشبع الهواء منها، وأنا أواصل سيري أبحث عنك حتى تجرح قلبي بحة صوتي في الفضاء.. ياقلبي الذي هناك وقلبك الذي هنا.. إلى متى تبقى عيناك حلالا على خيالي، حراما على حياتي؟