خالد منتصر
عندما نطالب بتجديد الفكر الدينى ونهاجم الفكر الداعشى المتطرف، يطالبنا الكثيرون بالحديث عن الاقتصاد والتكنولوجيا والتركيز على مشكلات الصناعة والبحث العلمى بدلا من الحديث عن الفكر الدينى والخطاب الديني..الخ، وينسى أو يتناسى هؤلاء أن الفكر المتطرف الداعشى والأصولية السلفية الجهادية التكفيرية وكل الأفكار التى تعتمد على حرفية النصوص وترفض التأويل ومرونة الفهم واحترام تغير العصر والزمن ووضع الأحكام فى السياق وتغليب المصلحة ...الخ، كل تلك الأفكار هى سبب من الأسباب الرئيسية لانهيار الاقتصاد وتعطل التقدم التكنولوجى والصناعة والعلم، وأن المتطرف لايمكن أن يخترع «موبايل» نتيجة هذا الفكر وليس لنقص إمكانات أو مواد التصنيع، وأن الداعشى مستحيل أن يبدع تطورا فى مجال العلاج بالخلايا الجذعية أو الهندسة الوراثية، أو يكتشف نظرية علمية جديدة...الخ بسبب تكلس فكره وانغلاقه وليس لقلة معلوماته، لكن ماهى العلاقة بين تطرف الفكر الدينى والتأخر العلمى والاقتصادي؟
باختصار المجتمع المتطرف دينيا لا يستطيع أن يتقدم اقتصاديا، من يفكر بطريقة قبلية ولا يعترف بالصناعة بل يعترف بأن الرزق فى التجارة فقط لن يتقدم اقتصاديا، الذى مازال يفكر بمفهوم الغنيمة سيظل «محلك سر»، المجتمع المؤمن بأن «العيل بييجى برزقه» وأن التكاثر والتناسل بركة وانتصار هو مجتمع ينتحر ويأكل لحمه الحى مهما أنجز، من يكفر الآخر المختلف فى الدين ويحقر المرأة فهو يعطل نصف قوته العاملة، المجتمع المريض بوسوسة هداية السائح وإنقاذه من الضلال ليس مجتمعا سياحيا وان امتلك أعظم الإمكانات السياحية، والمجتمع ذو المزاج السلفى المتزمت المنغلق على نفسه المتشرنق فى ماضيه لن يفرز علما، لماذا؟ لأن العلم هو شك مزمن،وسؤال متحفز، وعلامات استفهام مستفزة لا تنتهى ولا سقف لها، العلم يراهن على المستقبل، ويأخذ من الماضى منصة انطلاق لا قفص سجن، هو فى حلم دائم بالغد، وليس فى اجترار دائم للأمس، لذلك كما قلنا لن يخترع الداعشى «موبايل»، لماذا؟ لأن الموبايل ليس مجرد موصلات كهربية وسيليكون وبلاستيك وكربون وميكروفون وكاميرا.. الخ ولكنه قبل هذا وذاك فكر يقف خلف هذه التركيبة، جسارة الفكر وتحليقه بلا سقف وعدم وضع العقل فى تابوت تراث متحنط، هو الذى جعل ستيف جوبز يخترع الآيفون وقبله يفكر فى أبل، وهو نفسه الذى جعل مسام عقله وروحه تتسع لتقبل أفكار البوذية برحابة والهندوسية دون عدوانية، دون أن يُتهم بالردة أو ينشغل من حوله بإقناعه بالعودة لطريق الحق أو يدعون له بالثبات. لم ينشغل أحد بأنه على صواب دينيا أم لا، ولكنهم انشغلوا بخياله المتجاوز للسائد وفتحه آفاقا جديدة فى التواصل الإنسانى من خلال
التكنولوجيا الثورية الجديدة، كل ما صنعت به الموبايلات من مواد موجودة أمام الجميع، لكن من هو صاحب العين والرؤية والعقل الفذ الذى فطن لتحويل هذه المواد الى موبايل، إنه صاحب الفكر الذى تجاوز الخطوط الحمراء ولم يقدس شخصا ويعتبره محتكر الحقيقة، ولم يقدس ماضيا ويعتبره مخزن الحقيقة، لكن الحقيقة كانت عنده التجربة، معيارها قابليتها للتطبيق فى الواقع ومناقشتها ملموسة ومشاهدة ومسموعة، لا منقولة بالعنعنات، الداعشى لن يخترع أى موبايل ولا أى شىء، لأنه مؤمن بأن كل شيء قد حسم منذ زمن بعيد، وأن الخير فى الماضى والماضى فقط، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وأن البدعة ضلالة، وصاحبها لأنه قدم إبداعا وابتدع فهو فى جهنم، وأن دوره هو إرغام العالم على الانضواء تحت لوائه، وأنه هو الناجى ابن الفرقة الناجية، وأن الغرب الكافر مسخر لخدمته، لذلك فدوره الوحيد هو انتظار هذا الخدام الغربى ليخترع له الموبايل، ليتحدث به الى عصابته محرضا، ويشارك الرسائل فى جروب عليه مع أصدقائه شاتما ولاعنا ومهاجما لمن اخترعوه!.
الداعشى لن يخترع الموبايل لأن الموبايل سؤال قبل أن يكون إجابة، وهو يكره السؤال لأنه يفتح باب الشك وهو عبد اليقين الذى لا جدال فيه، الداعشى لن يخترع الموبايل لأنه يخاف من الجديد،لأن الجديد دائما شيطان، لكنه بعد أن يأتى إليه من الفرنجة يستخدم إشارته عن بعد لتفجير خصومه!، ذلك لأنه لا يعرف إلا الخصومة لأنها تمنحه الوجود والحيثية والبقاء، لم يكن ليكتشف أول مريض إيدز، لأنهم علموه أن كل المعلومات قد انتهت وحسمت من ألف سنة، وأن هذا المريض الذى أمامه يعانى مرضا مكتوبا ومعروفا، وما عليه إلا أن يمد يده إلى الرف الذى عليه نصه ومرجعه الذى لا يخطئ ولا ينقص، ليجد المرض، لم يتعلم أنه من الممكن أن يكون هناك جديد، مرض جديد، فيروس جديد، لذلك يحتاج الى علاج جديد وتعامل فكرى جديد، كذلك من يحمل فكرا داعشيا لم يكن ليعالج الكورونا، لماذا؟ لأنه كان يعتبرها عقابا ربانيا على خطايا الفاسقين !! لأنه قد شكل سماء قاسية مثل قلبه القاسى وروحه المتصحرة الجافة، لذلك المصل عنده ضد قدر الرب، واللقاح بالنسبة له هروب من المصير المحتوم واعتراض على المشيئة!. الداعشية فكرة قبل أن تكون قنبلة.
نقلا عن الاهرام