طارق الشناوي
لأول مرة يلهم فيلم عددًا من كبار الفنانين التشكيليين لافتتاح معرض لوحاته مستوحاة من ومضاته الساحرة، حقق المعرض كثافة إقبال استثنائية، تؤكد أن سعاد حسنى لا تزال نجمة الشباك الأولى.
(زوزو) مر على إنتاجه نصف قرن، فقرر مهرجان (البحر الأحمر الدولى)، الشهر الماضى، ألا تفوته هذه المناسبة، وتم ترميم النسخة، حتى تستطيع مقاومة الزمن.
هل نجرؤ الآن على تقديم فيلم (خلى بالك من زوزو)؟، قبل أن تقول (وفيها إيه؟) تذكر فقط أن الفتاة المصرية لا تستطيع أن تذهب الآن للجامعة وهى ترتدى فستانا (تحت الركبة).
سعاد حسنى فى الفيلم حظيت بلقب الفتاة المثالية، رغم أنها تقطن فى شارع (محمد على) وأمها (نعيمة ألماظية) تحية كاريوكا، راقصة متقاعدة، مما يدفعها إلى إنقاذ الموقف وترقص هى، لم تكن رسالة الفيلم التى وجهها المخرج الكبير حسن الإمام تحمل مثلا دعوة لفتيات الجامعة لاحتراف الرقص، ولكن قالها بخفة ظل وإبداع (لا يهمنى اسمك ولا لونك ولا مهنة أمك) ولكن فقط الإنسان، وهكذا قهرت (زينب) كل الظروف المعاكسة.
كانت زوزو على الشاشة هى الشخصية الأشهر لسعاد حسنى، أعلنت أكثر من مرة أن النجاح الجماهيرى الطاغى لم تعرفه إلا بعد زوزو.
حسين فهمى صار بعد هذا الفيلم أحد أهم نجوم الشاشة الفضية الذين يتم الرهان عليهم، ومن يومها حمل لقبه الأثير (الواد التقيل)، أما (مخرج الروائع) حسن الإمام فإنك بين 90 فيلماً أخرجها لو اخترت الفيلم الذى من الممكن أن تلمح فيه خلاصة فكره السينمائى فلا شك أنه «خلى بالك من زوزو»، الذى يجمع بين الموسيقى والغناء والرقص والمسحة الميلودرامية مع فيض من النزعة الأخلاقية. الإمام يحترم الرقص الشرقى كفن، ولكنه فى نفس الوقت يؤكد أن الالتزام الأخلاقى قضية لا نقاش فيها، ولهذا تجد أكثر من مشهد يبث فيه تلك القيمة، وهى أن الرقص فضلوه عن الفن، والأخلاق فضلوها عن الرقص، الرقص فن محترم ولكن الراقصة ينبغى أن يكون لها موقف ثابت فهى لا تبيع جسدها.
الشاشة عند الإمام تملك فيضا من الجاذبية، كما أن حضور المرأة كأنثى فى «الكادر» أحد أهم الملامح المميزة للتكوين الدرامى.
هذا الفيلم دخل الموسوعة القياسية فى السينما المصرية، فهو واحد من أكثر عشرة أفلام فى تاريخنا تحقيقاً للإيرادات، عُرض فى 72 واستمر حتى 6 أكتوبر 73، ولولا أن الحرب العظيمة كانت قد بدأت شرارتها الأولى فلقد كان مقدراً له أن يستمر حتى 74 فى دور العرض، إلا أنه كان من المستحيل أدبيًا، وقبل ذلك وطنياً، أن يعرض الفيلم فى نفس الوقت الذى يقف فيه المقاتلون وهم يعبرون القناة ويحررون الأرض السليبة بدمائهم وأرواحهم ونحن نغنى فى الداخل (زوزو النوزو كونوزو).
الفيلم ثرى بصرياً وسمعياً، حسن الإمام يدرك أن الفن أساسا متعة، ولم يكتف أن لديه سعاد حسنى بتلك الإمكانيات الاستثنائية، التى يحتويها كل هذا الحضور، وعليك أن ترى انصهار تلك البوتقة الإبداعية داخلها، أعظم توظيف فنى فى تاريخ سعاد لسعاد.
وهكذا أضاف الإمام تفاعل الغناء والرقص والأداء الدرامى، ناهيك عن خفة الظل مع هذا الجمال الذى تصالحه الكاميرا، وجاءت النتيجة على الشاشة متجاوزة جماهيرياً ليس فقط كل النجاحات ولكن كل التوقعات أيضا.
على «التترات» ستجد اسم حسن الإمام متصدراً الجميع ككاتب للقصة السينمائية، ولديك محمد عثمان المعالجة الدرامية، وفى الأغلب من الممكن أن تقول إن السيناريست محمد عثمان كتب السيناريو النهائى، فهو كاتب مخضرم وله باع طويل، الإمام استعان بصلاح جاهين لإضافة مذاق غنائى، وتغيير البوصلة، حيث إن الشريط يقف على مشارف الفيلم الاستعراضى، كان دخول الموهوب جاهين إلى تلك الأجواء ليضع بصمته كمحترف فى هذا اللون. علينا أيضاً أن نرصد المسحة الكوميدية التى يبثها حوار صلاح جاهين، موسيقى وألحان كمال الطويل وسيد مكاوى وتنفيذ راقصات كمال نعيم وديكور ماهر عبد النور وكاميرا عبد الحليم نصر، كان حسن الإمام هو المايسترو الذى يقود باقتدار كل هؤلاء الموهوبين.
القصة استوحاها الإمام من حياة الكاتبة الصحفية بجريدة «الأهرام» بهيرة مختار. وكانت الكاتبة الراحلة صحفية معروفة فى جيلها، بهيرة هى ابنة الراقصة نبوية مصطفى، وبطل مصر والعالم فى رفع الأثقال مختار حسين، الذى كان يشارك فى المجاميع، عندما توجد عصابة يستعان به لضخامة جسده.
ما استوقف حسن الإمام أن ابنة راقصة أو (عالمة) من شارع «محمد على» تصل إلى أن تصبح فى نهاية الستينيات صحفية فى أعرق الصحف المصرية، وفى عهد الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل.
حسن الإمام ومعه صلاح جاهين يستشعران شخصية المتزمت دينياً بالجامعة، ولم نكن قد وصلنا إلى ما نعايشه الآن من حضور مكثف لهذا التيار داخل أسوار الجامعة، إلا أن صلاح لم يخترع بالتأكيد تلك الشخصية، حيث إنها شكلت ولا شك بذور بداية التطرف، وجسدها محيى إسماعيل، ونلمح مجلتين على الحائط، واحدة تُعبر عن روح الطلبة المليئة بالمرح وحب الحياة، والإيمان بحرية الإنسان فى الاختيار، ولا تفرق بين رجل وامرأة، وعلى الجانب الآخر مجلة حائط أخرى عنوانها «الصراط المستقيم» تعبر عن التزمت الذى كان يُطل بوجهه وعلى استحياء بين الطلبة.
إنه حقاً فيلم استثنائى، صعد إلى القمة، كواحد من معالم السينما المصرية طوال تاريخها، عندما نبحث عن أكثر الأفلام جماهيرية وحميمية عبر الزمن، يصعد «زوزو» إلى القمة، إنه الفيلم الذى يحرك ويشاغب، كل ما هو ساكن اجتماعياً، ثورى بامتياز، ولو كره المتشددون!!.
آخر سؤال هل نجرؤ الآن على السماح بتداول أفيش (خلى بالك من زوزو)؟، أنا وأنت نعرف الإجابة: «المستحيلات أربعة الغول والعنقاء والصديق الوفى وأفيش (خلى بالك من زوزو)»!!.
نقلا عن المصرى اليوم