استقبل الأنبا مرقس، الأسقف البارز بالمجمع المقدس والملقب بوزير إعلام الكنيسة الأرثوذكسية، "بوابة الأهرام" بحفاوة، حيث حاورته "البوابة" على مدى ساعة ونصف الساعة في أمور عديدة، من بينها: ماذا يريد الأقباط من البابا الجديد؟.. فأشار إلى أن البابا الجديد ستكون أمامه مأمورية صعبة، لأنه سيكون دائما موضع مقارنة بالبابا شنودة الثالث المتنحي في أبريل الماضي.
وسألت "بوابة الأهرام" الأنبا مرقس عن تغيير اللائحة الداخلية لاختيار البابا، فقال إن البابا شنودة رفض تغيير اللائحة حرصا على عدم القول إنه عمد لتفصيل اللائحة على أحد الأشخاص ليكون البابا الذي سيأتي بعده.
وكشف مرقس أن وجهة نظره أن تغيير اللائحة أمر ضروري، بما فيها القرعة الهيكلية، موضحا أن 10 باباوات من إجمالي 117 بابا جلسوا على كرسي الوزارة المرقوسية تم اختيارهم بالقرعة الهيكلية.
وتناول الحوار النقاش حول تعداد الأقباط في مصر، حيث قال مرقس : "الكنيسة ليست جهة اختصاص لتحديد عدد الأقباط في مصر، وما لديها أرقام تقريبية"، مشيرا إلى أنه في إحدى المرات ذهب لتجديد جواز سفره، فوجد أمام خانة الديانة الخاصة به على أجهزة السجل المدني أنه "مسلم".
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته "بوابة الأهرام" مع الأنبا مرقس بمقر المطرانية بشبرا الخيمة:
** تشهد الكنيسة مخاض اختيار بابا جديد.. في رأيك ماذا يحتاج الأقباط من البابا القادم؟
-كان الله في عون البابا القادم، كل الناس سيقارنون بينه وبين البابا شنودة الذي كان أسقفا للتعليم ثم بابا لمدة 40 عاما، وكان البابا لديه كاريزما وعنده حكمة وبعد نظر وذكاء وإمكانيات يصعب وجودها في إنسان في مثل هذا الوقت.
عموما نريد البابا القادم إنسانا روحيا وإداريا ، يتعامل مع الجميع بروح واحدة ، يمد يده إلى الجميع، إلى من انتخبوه ومن لم ينتخبوه، إلى من أحبوه ومن لم يحبوه، للمسيحي ولغير المسيحي.
**كيف كانت علاقتك بالبابا شنودة ؟
-عرفت البابا شنودة حينما كان سكرتيرا للبابا كيرلس، وأحببته لشخصه وأسلوبه وتضحياته، وازددت تعلقا به بعد أن تم رسمه أسقفا، واستكملت معه الرسالة وهو بابا، وعرفت وتعلمت منه الكثير من الأشياء، كيف يتعامل مع المسئولين والفقراء والمرضى والمساكين والضعفاء وغير المتعلمين والمثقفين والأجانب.
** واجهت مصر العديد من الأزمات الطائفية، كانت معظمها "مستكبر النار من مستصغر الشرر". كان البابا شنودة يصمت أحيانا ويتحدث أحيانا. ما الذي كان يدور بينك وبينه عندما تشتعل أزمة؟
-من أشهر الأزمات التي أوفدني لها "أحداث الكشح"، وعدت من هناك متألما لأنني رأيت بعيني 21 شخصا ميتا، منهم طفلان بالرصاص، وعدت لأتحدث معه بأسلوب ممزوج بالألم، وكتبت تقريرا مع نيافة الأنبا صرابامون، وكانت تخرج من كلمات التقرير الشدة، وكان واضحا من التقرير انفعالي الشديد، وكان البابا على موعد مع مسئولين، واعتذرت له مقدما لو تحدثت بأسلوب منفعل، فتركني وقال لي: كن كما تشاء.
وظل الانفعال معي فترة طويلة، لأنني كلما تحدثت كان في وجهي الضحايا الميتون، وفي النهاية قال هو: إن لم يكن هناك استئناف على الأرض، فهناك استئناف في السماء، وستأخذ حقها لهؤلاء الذين ماتوا غدرا.
** هناك العديد من الأمور ما زالت عالقة بين الدولة والكنيسة، من بينها قانون دور العبادة الموحد..، فلماذا لم ير النور حتى الآن؟
-هذا السؤال موجه إلى الحكومة، ونريد أن نسأل الدولة لماذا لا تصدر قانونا يهدئ الجو، هل تريد الدولة حدوث المشكلات دائما بين الأقباط والمسلمين وهي في يديها الماء الذي تسكبه على النار؟!
** ننتقل إلى أحد الملفات الشائكة، وهو "أوقاف الكنيسة"، فكيف ترى مطالبة البعض بالرقابة عليها؟
-الأوقاف معروف أنها خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، لكن المطالبة بالمراقبة تستهدف أموال الكنيسة، يعني "واحد جه يدي عشرة جنيه للكنيسة عشان تروح للفقرا، الدولة عاوزة تعرف أنا إدتها لمين؟!". لدينا آية في الكتاب تقول ما معناه "اللي تفعله الشمال متعرفش بيه اليمين"، لذلك فإن العمل السري أولى.
** لكن هناك من يؤكد التداخل بين أموال الكنيسة والأوقاف الكنسية ؟
-أموال الكنيسة منفصلة تماما عن الأموال التابعة لهيئة الأوقاف، والتي يشرف عليها الجهاز المركزي للمحاسبات، وليس كل الكنائس لديها أوقاف.
**من وجهة نظرك.. لماذا الحديث الآن عن مراقبة أموال الكنيسة؟
-هم يريدون مراقبة أموال جماعة الإخوان المسلمون، والإخوان ليسوا كنيسة ولا جمعية، وعليهم أن يبحثوا عن مصادر تمويلهم بعيدا عن أموال الكنيسة، فهم بحثا عن مراقبة الإخوان يسعون إلى مراقبة أموال الكنيسة.
** شهدت الأسابيع الأخيرة جدلا حول عدد الأقباط في مصر، وتتجه معلوماتي إلى وجود سجلات لديكم بأكثر الأعداد دقة للأقباط؟
-لست مطالبا بعمل إحصائيات للمواطنين، لأن هذا ممنوع وضد القانون، وما لدينا إحصائيات تقريبية، لأنه ليس جميع الأقباط يمرون على الكنيسة، والرقم التقريبي لدينا هو 18 مليونًا، ويمكن للدولة أن تحدد تعداد الأقباط من خلال السجل المدني، وقد كانت المفارقة أنني ذهبت في يوم لاستخراج جواز سفر فوجدت الديانة مسلم، وسألتهم وقتها: كيف لأسقف بالمجمع المقدس أن يكون مسلما؟!
** كان هناك حديث قبل الثورة عن تدخل جهاز أمن الدولة في العلاقة بين الكنيسة و النظام؟
-طبعا جهاز أمن الدولة كانت يتدخل في شئون كثيرة، منها الوساطة لحل المشاكل التي تنشأ بين المسلمين والمسيحيين، لكن في أحيان أخرى كان لهم اتجاهات أخرى.
**مثل؟
-على سبيل المثال يكونون على علم بأن هناك مواطنين ذاهبين لهدم الكنيسة، فيتركونهم ليتدخلوا هم بعد ذلك بالحل.
** وماذا عن حادثة كنيسة القديسين؟
-قلت فور الحادث إن وزارة الداخلية هي المسئول الأول عما حدث، والشرطة غادرت قبل انتهاء الصلاة.
** هل تؤمن الكنيسة بفصل الدين عن السياسة؟
-بالطبع، فالسياسة متغير والدين ثابت، وربط الدين بالسياسة من أخطر ما يمكن، الدين له ثباته وقوته، أما السياسة فكل يوم تتغير، فأي دين لو تم ربطه بالسياسة يهتز.
**كيف أصبحت العلاقة بين الكنيسة وتيارات الإسلام السياسي، خصوصًا بعد وصولهم إلى الحكم؟
-الكنيسة تمد يدها بالحب لكل إنسان مهما كانت اتجاهاته الدينية أو السياسية أو الحزبية، ومن سيمد يده لنا سنتعاون معه بالحب.
** وقت الانتخابات الرئاسية.. هل حاول "الإخوان" التواصل مع الكنيسة للحصول على أصوات الأقباط؟
-إطلاقا، "ما حاولوش يهوبوا ناحية الكنيسة نهائيا، واسالوهم".
** ولو كانوا أتوا، فما رد فعلكم؟
- كنا سنسألهم: ما هي اتجاهاتكم، وهل الدولة ستكون دينية أم مدنية؟
** ألا ترى أن عدد المتقدمين للمنصب الباباوي كان كثيرا؟
-بالطبع ، لأن عدد الأساقفة كثير، فكانت هناك إمكانية كبيرة لترشح معظمهم.
** يؤكد البعض أن عدد المرشحين الكبير سيؤدي إلى خلق جبهات داخل الكنيسة بعد انتخاب البابا؟
-لا يوجد شيء اسمه جبهات داخل الكنيسة، البابا الذي يأتي، نعرفه أو لا نعرفه، هو أبونا، ونحن أولاده.
** هناك مطالب عديدة من الأقباط بتغيير اللائحة الداخلية لاختيار البابا؟
-ستتغير إن شاء الله عندما يأتي البابا الجديد، فقد أصر البابا شنودة على أن يكون تغيير اللائحة من اختصاص البابا القادم، كي لا يقال إنه قام بتفصيلها على شخص معين.
** وماذا عن رأي قداستكم في تغيير اللائحة؟
-بالطبع يجب أن تتغير اللائحة، لأن بها أخطاء في طريقة الترشيح والانتخاب، وأشياء كثيرة لابد من مراجعتها بها، ووضع تفاصيل كافية للمرشح.
** هل من الممكن أن يكون من تغييرات اللائحة إلغاء القرعة الهيكلية؟
-بالطبع، فالقرعة الهيكلية أجريت عند اختيار 10 بابوات فقط من الـ117 بابا، والباقون لم يجتازوا القرعة الهيكلية.
** في نهاية الحوار.. ماذا تقول لجناحي الأمة المسلمين والمسيحيين؟
-اتحدوا من أجل مصر لنبنيها سويا، ونفكر: كيف نبنيها؟ واتركوا العبادة لدور العبادة.