بقلم: محمد حسين يونس
إذا قال أحدهم أنه يفضل إستخدام الحنطور أو العربة الكارو في تنقلاته عوضا عن السيارة أو وسائل النقل الاخرى فستبتسم إبتسامة خفيفة لا تصل الي حد الضحك من ثرثرة شخص خفيف الظل يتندر علي أزمة المواصلات وزحمة الشوارع .
فإذا ما تطور الموقف فإشترى حنطورا وفرسا وبدأ في إستخدامها لتنقلاته فستعجب لطرافة ما فعله أحد غريبي الاطوار وما أكثرهم .
أما إذا بدأ بعد ذلك في تربية الخيل وصناعة الحناطير، فستتوقف قليلا مفكرا و قد تندهش، ثم تنسي الموضوع، فرجال الاعمال يربون النعام و الضفادع والكلاب ولهم حيلهم وأساليبهم في الكسب .
ثم عندما يسعي ليصبح عمدة القرية أو رئيسا لمدينة وينجح فتكون أول قراراته منع حركة كل المواتيرداخل حدود قريته ويأمر باستبدالها بالحناطير والكارو والبغال ،فستمتعض لما تفعله السلطة بأهلها من شذوذ و تتندر بما حدث .
فلو ذهب هذا الشخص الي محفل دولي جليل ماشيا علي قدميه تحيطه جموع المريدين والهتيفه ووقف هناك يمسح عرقه من الاجهاد داعيا إلي نظريته منددا بأصحاب المواتير والعجلات داعيا للعودة الي الطبيعة وأساليب السلف الصالح في التنقل،فسنقول كل منا -في ظل- الديموقراطية حر في إختياره .
أما في حالة ما إذا سعي سيادته لتكوين تنظيم عالمي تخريبي مهمته تدمير كل وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة التي يصنعها الكفارفإنضم إليه العديد من المناصرين والمريدين والزاعقين يرهب بهم البشرحوله مانعا إياهم من إستخدام السيارة ،المترو،القطار،الطائرة وحتي الدراجة فسنفيق ونندم علي الموقف السالب الذى إتخذناه من هذه الانحرافات الفكرية ،لقد أصبح الامر جد خطير، فألاحاديث تحولت الي إنفجارات نسمع أصواتها قادمه من أرض الواقع تؤدى الي قتلي وخسائر ولم تعد كلمات نبتسم لغرابتها ونربط بينها وبين عبث- لامعقول- خمسينات القرن الماضي عندما كان يقدم علي المسرح أبطال تعادى واقع الحياة المعاشة ويتناقض ما يتداولونه من أحاديث، حتي خلال نفس المشهد، في كوميديات سوداء تؤدى الي التأمل والابتسام.
الدعاة الجدد،(في مصر) جاءت أقوالهم،في الغالب،متناقضة الخطاب مفككة العبارة،تحتاج لدراسة متأنية قبل أن تتحول( بسبب عدم أخذها بجدية) الي أعمال-خطيرة- تقنن العودة بمسار المجتمع لعدة قرون مضت.
أحد رموز هذا التياروقد كان مرشحا لرئاسة مصر عندما حاور الصحفيين أعطي لكل مستمع ما يريد بغض النظر عن تضارب المعاني في جمل الحديث الواحد:
- قال أنه يريد إقامة دولة الخط الفاصل فيها بين الحلال و الحرام واضح، بمعنى بناء( دولة ديمقراطية حديثة مكفول بها الحريات مثل دول أوروبا بل أفضل) بشرط (ألا ترتكب فيها محرمات) حيث أن أهل مصر يخافون ربهم (ولا يريدون أن يحاربوه.!!)
- وقال أنه( لن يمنع السياحة في مصر) فهي مصدر أساسي للدخل. ولكنه( لن يسمح بشرب السياح للخمر في الأماكن العامة)، وسيقوم بتطبيق القانون علي المخالف منهم ومحاسبته. ويجب على أجهزة الدولة صياغة الضوابط التي تجعل السائح يحترم المجتمع وأعرافه، (فالسائحات اللاتى ترتدين المايوهات علي الشواطئ العامة والسياح الذين يلعبون القمار في صالات الفنادق)، في حال فوزه بالرئاسة، سيقوم (بإصدار القوانين التي تحظر عليهم إتيان ذلك في المرافق العامة وتقديم المخالفين للمسائلة) ،لكن لا بأس أن يفعلوه في أماكن خاصة.
- أكد وجوب( تعديل بعض القوانين المنظمة لعمل البنوك المعتمدة على الربا المحرم) لأنها لم تحدث أى تنمية في الماضى بل زادت من حدة التضخم ونادى ( بالاقتصاد الاسلامي الذي سيشعر المواطن المودع بأرباح حقيقية وكبيرة).
- أما منع السفورفهي تخوفات (لم تطرح ومحض خيال لم يتكلم به أحد)؛ ورغم كون الحجاب فريضة على كل مسلمة إلا أنه لن يفرضه بالقوة علي من لا ترتديه من( المتبرجات). و أنه عند تربية النشء تربية إسلامية صحيحة سيجد الناس من تلقاء أنفسهم أنهم يميلون لذلك وكشف أنه سيقوم إذا أصبح رئيسا( بتقديم طلبات للجهات التشريعية على نحو تدريجى وعلى حسب طاقة تقبل الناس لإصدار قوانين تضع حدا لأزياء النساء الفاضحة والمثيرة) وتضع المخالفات منهن ( تحت طائلة القانون) حتى لا ينتشر العرى.
- (أكدعلى الحاجة لعمل المرأة بشدة) في المدرسة والجامعة والمستشفى وغيرها إذ لا يمكن الاستغناء عن ذلك ولكنه سيسعى مستقبلا (ألا يكون هناك عملا تشارك فيه المرأة الرجل في مكان واحد) بحيث تقضى فيه معظم اليوم أكثر مما تقضيه في بيتها مع زوجها.
أحاديث الاستاذ المرشح- ومن يسيرون علي دربه و يستظلون بفسطاطه- بإصدار التصريح ونفيه في نهاية الجملة أسلوب يتطابق مع ما قدمه أدباء مثل بيكت ،يونسكو ،اداموف،جونيه من أعمال أطلق عليها النقاد (مسرح العبث أواللامعقول)حيث جاءت نصوصها خارج المألوف ، ينادي أبطالها بأن كل شيء في هذه الحياة عبث،وتعبر عن معاناتهم وحياتهم المملة الرتيبة بأساليب جنونية، غير منطقية وغير معقولة شبيهه بالكوابيس التي نراها في المنام،أو بعنبر العقلاء الذى وجد إسماعيل ياسين نفسه فيه في فيلمه الشهير.
فوضي الانتفاضة السلمية التي حدثت علي مسارح منتصف القرن الماضي الاوروبي تتكرر،دموية، اليوم علي أرض واقع بلادنا من أشخاص مفترض أنهم متعلمون ومع ذلك يؤيد كل منهم الارهاب وأهدافه ويدافع عن حرية نفي الاخر ثم يصدرون أوامرهم لمريديهم بدعم ورفع صور أعضاء تنظيم إسلوبه هوالقتل و التفجيرات في نشر مبادئه ،بحيث لو كان الاستاذ توفيق الحكيم لازال يعيش بيننا لما إضطر الي إقتباس أغنية الاطفال ((يا طالع الشجرة ))ليقدم منها عرضا مسرحيا لا معقولا إذ كان يكفيه تقديم أعمال وأقوال سيادتهم دون حتي ترتيب درامي .