محمود العلايلي
لا يستطيع منصف أن ينكر المجهودات الهائلة التي بذلت في التخطيط وتنفيذ إنشاء وتوسيعات الطرق والمحاور المستجدة داخل المدن وخارجها، كما لا يستطيع منصف أن ينكر تأثير ذلك على انسيابية المرور وتسهيل حركة المركبات على هذه الطرق إلى حد كبير، والحقيقة أنه لا يمكننى تجاوز الجملة السابقة دون التوقف عند عبارة «إلى حد كبير»، لأن التخطيط لإنشاء هذه الطرق وتربيطها ببعضها يجب ألا يقتصر على ميكانيكية الحركة المرورية دون أن يتضمن تأثير العامل البشرى الذي يتعامل على هذه الطرق والمحاور.
إن سبب عدم سيولة المرور لا يعود كله لضيق الطرق أو لازدحامها، ولكن يعود أيضا لأسباب متراكمة من تصرفات قائدى السيارات، مثل الركن في الممنوع، أو الانتظار صفا ثانيا أو ثالثا، ووقوف سيارات الأجرة والميكروباص في نهر الطريق لتنزيل أو تحميل الركاب، بالإضافة إلى خلق المواقف العشوائية في المكان الذي يلائم قائدى الميكروباص، سواء في عرض الطريق، أو على مطالع أو منازل الكبارى.
وبالطبع لا يمكننا أن نغفل مركبات التوك توك وسيرها بأساليب عشوائية، سواء مع اتجاه المرور أو عكسه، بينما زاد من ابتلال الطين سائقو التطبيقات الحديثة لاستدعاء خدمة التوصيل، حيث يفتقر أغلبهم لقواعد القيادة ومهارتها، لأن أغلبهم التحق بهذه المهنة حديثا، كما أنهم يفتقرون إلى المعرفة العمومية بالطرق والعناوين، فتجدهم مهتمين بالنظر في هواتفهم أكثر من اهتمامهم بالطريق.
مما يؤدى إلى مشاكل بالضرورة، وخاصة عندما تجد السائق منهم يصف سيارته صفا ثانيا، منتظرا راكبه، والطريق معطل بينما هو مركز كل انتباهه في هاتفه مثل النعامة وكأن لا أحد يراه أو يصب عليه لعنته طالما أنه لا يرى أحدا.
بالتأكيد لم أقصد من العبارة السابقة استعراض أنواع المخالفات التي تؤدى إلى تعطل المرور ومنع انسيابه، ولكننى أردت أن أركز الانتباه إلى أمرين، أولهما أن هذه المخالفات لا تجرى في غرفة مغلقة، ولكنها تجرى في العلن أمام الجميع دون مانع أو رادع.
وثانيا أنه إذا أصبح محور 26 يوليو عشر حارات، وصار الدائرى عشرين حارة، وتم عمل مطالع ومنازل مبتكرة لكوبرى 15 مايو في ظل هذه المخالفات فإن شيئا لن يتغير، وسوف تظل المشكلة قائمة، بل ويزاد عليها هدر الموارد والمجهودات في التخطيط والتمويل والتنفيذ.
إن أغلب هذه الممارسات لا يمكن تداركها إلا بالمخالفة الفورية، كما أن القيادة الخاطئة ليس عليها حساب، بالإضافة أن قوانين المرور المتوالية بتشديد العقوبات وتحديد المخالفات لم تنجح في ردع هؤلاء السائقين، وخاصة مع تراكم الشعور بعدم المحاسبة والردع، فصارت تلك الأمور من الحقوق المكتسبة مع الزمن ولم تعد تثير استهجان البعض الكثير بحكم الاعتياد، وتمادى السائقون في انتهاك الأصول بحكم السطوة والتهديد للسائقين الأخيرين الذين لا يمكننا أن نعتبرهم من المنضبطين بالضرورة.
إن انضباط الشارع انعكاس لانضباط مؤسسات الدولة ككل، وإذا لم يكن للانضباط المرورى وظيفة في ذاته، فإن وظيفته السياسية أدق عملا وأقوى تأثيرا، لأنه يعكس آلة الدولة للردع، كما يقرر قدرة الدولة على تطبيق القانون وإنفاذه، بالإضافة إلى أهم النقاط، وهى تمرير الشعور بقدرة الدولة على التنظيم وإحكامه بالدرجة التي ينصاع إليها الجميع دون مجاملة أو تهاون، مما يضفى شعورا بالعدل والمساواة.
كما نجد في أغلب الدول المتقدمة التي لا تتعامل مع المسألة المرورية بمنطق الوقوف مع الضوء الأحمر والمرور مع الضوء الأخضر، وإنما بصفة المرور منظومة عمومية للانضباط والعدل والنظام.
نقلا عن المصرى اليوم