د. وسيم السيسي
وُلدت فى قولة فى مقدونيا باليونان سنة 1769، وغادرت عالمكم 1849، فى مدينة الإسكندرية، عن عمر 80 سنة. حضرت إلى مصر 1798 فى كتيبة ألبانية لتحريرها من الاحتلال الفرنسى. خرج الفرنسيون، وجدت نفسى بين ثلاث قوى: 1- المماليك. 2- العثمانيين. 3- الشعب المصرى، فكرت، انحزت للشعب بقيادة عمر مكرم، قضيت على 350 مملوكًا 1804، كما قضيت على 470 مملوكًا سنة 1811، المعروفة باسم مذبحة القلعة.
كانت مصر فى حال يُرثى لها،شعب لا يعرف عظمة بلاده، خورشيد باشا الظالم، الذى حاصره الشعب فى قلعة صلاح الدين، المعروفة باسمى الآن، ضرائب باهظة، حتى إن النساء خرجت تهتف: إيش تاخد من تفليسى يا برديسى، كانت معاملة كتيبتى للشعب راقية جدًّا، لا سلب ولا نهب، لذلك لأول مرة منذ تاريخ مصر القديمة يفرض الشعب رأيه على الخلافة، ويختارنى حاكمًا لمصر، فصدر فرمان 1805، وفيه: بناء على رأى العلماء والرعية.. إلخ.
خرج الشعب فرحًا يهتف: يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى. بدأت فى الإصلاح: التعليم، البعثات، ثورة زراعية، 38 ترعة، 48 قنطرة، منها القناطر الخيرية، أدخلت زراعة القطن، ومن دخله كوّنت جيشًا زلزل الأرض تحت أقدام أوروبا، فرضت التجنيد الإجبارى 1822، كوّنت أسطولًا بحريًّا، دخلت 71 معركة بقيادة أبنائى، وأعظمهم إبراهيم باشا، الذى أرسل يعاتبنى لأنى أمرته بالتوقف وعدم دخول قواتنا إلى الأستانة.
فقال: خذلتنى يا أبى وجعلتنا فى موقف ضعف، ولو كنتَ تركتنى أطبق خطتى، وكان الطريق مفتوحًا أمامى، لكان التفاوض سيصبح من اسطنبول.. مات ابنى إبراهيم باشا قبلى، وليتنى كنت قبله، مات حزنًا وكمدًا لنهايتنا المأساوية 1840، وهو الذى ضم الشام إلى مصر، وقضى على الثورة الوهابية (الدرعية) والثورة اليونانية (المورة)،
مات 1848.
توليت الحكم، وكانت الخزانة خاوية والجهاز الإدارى منهارًا، استعنت بالأكفأ: نوبار باشا (من أرمينيا) رئيسًا للوزراء، كولونيل سيف (سليمان باشا الفرنساوى)، وأيضًا كلوت بك، مؤسِّس كلية طب قصر العينى، وكان فرمان تنصيبه: «كلوت بك، فخر الملة المسيحية، عمدة الطائفة العيساوية، حكيمباشى الجهادية، عيّنّاك مفتشًا عامًّا للشؤون الصحية الخاصة بعساكرنا المجاهدين فى القوات البرية والبحرية، ومشرفًا عامًّا على الشؤون الطبية والصيدلية.
أدخلت المطبعة (بولاق) 1822، جريدة الوقائع 1828، صار الشعب ضدى حين أمرت بالتجنيد الإجبارى، ولكنى كنت أقول للملتزم: مَن يزرع اتركه، ومَن لا يزرع يدخل الجيش، ولأول مرة أُكوِّن جيشًا من الجنود المصريين، بعد احتلال استمر 2500 سنة، كنت آمر بالرز المفلفل واللحم مرتين فى الأسبوع، احترم الناس الجندية، وأصبحوا لا يهربون منها، كما كانوا يفعلون.
اتفقت أوروبا على ما يسمونه »توازن القوى»، المساواة فى المكاسب أو المساواة فى الحرمان إذا لم تكن هناك مكاسب!.
أصبحت مصر فى عصرى قوة يُعمل لها 1000 حساب، ارتعدت أوصال الخليفة العثمانى منى، وقد كان فى ذلك الوقت رجل أوروبا المريض، أراد التحالف الأوروبى (إنجلترا- فرنسا- روسيا- النمسا) تقليم أظافرى، فرضوا علىَّ حصارًا 1839، وكانت اتفاقية لندن 1840 أن أتنازل عن الشام، وأن جيشى- الذى كان تعداد قواته البرية 260 ألفًا وقواته البحرية ثمانية آلاف- يكون 18 ألفًا فقط، فقدت عقلى.
وحين وافتنى المنية كنت أسأل عن إبراهيم ابنى. تذكروا دائمًا مفتاح ما يحدث حولكم فى الماضى والحاضر، توازن القوى، محمد على؟، لا، إسماعيل باشا؟، لا، جمال عبدالناصر؟، لا، روسيا؟، لا، وألف لا، ليس كالتاريخ عبرة ودرس.
نقلا عن المصرى اليوم