الأقباط متحدون - ازدراء الاديان أم ازدراء الانسان
أخر تحديث ٠٥:٤٤ | الاثنين ٢٩ اكتوبر ٢٠١٢ | ١٨ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٢٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ازدراء الاديان أم ازدراء الانسان


بقلم شكري بسطوروس – لوس انجيلوس
اخبار المحاكمات المتتابعة لأقباط بتهمة ازدراء الاسلام مزعجة للغاية. ليس فقط بسبب الاحكام المنفلتة التي تصدر بحق هؤلاء الأقباط بل بسبب ملابسات هذه المحاكمات التي تقطع بلا ادنى شك بعدم نزاهتها حتى ان منظمة هيومان رايتس فيرست صرحت بأن قانون ازدراء الأديان يُستغل في استهداف الأقليات الدينية بمصر.
تميزت هذه المحاكمات بمجموعة خصائص نطرحها موثقة بالادلة والاثباتات المستمدة من وقائع احداثها لعلنا كاقباط في المهجر يكون لنا وقفة ازاء ما آلت إليه الامور من مصر.
من تحليلنا لهذه المحاكمات لاحظنا أن:
1.   كل اتهامات وقضايا ازدراء الاديان ضد اقباط وقعت بعد صعود نجم الاسلاميين ووصولهم للحكم. وان جميعها تقريباً بسبب ادعاءات بتدوينات على الفيسبوك وكأن الفيسبوك ختم النسر الذي يجب ان تختم به هذه الاتهامات. كما انها محاكمات تمييزية موجهة ضد المسيحيين فقط من دون المسلمين!
2.   ان هذه الاتهامات متزايدة لدرجة ان هناك ثلاثة قضايا في سبتمبر 2012 واثنتين في شهر اكتوبر الذي لم ينتهي بعد. وعموما فقد رصدنا 11 حالة ضد اقباط من شهر اكتوبر 2011 إلى اكتوبر 2012، ولكننا لا ندعي انها كل الحالات.
3.   أن غالبية هذه الاتهامات سواء وصلت إلى المحاكم او تم حلها من خلال جلسات عرفية تستهدف الاقباط الشباب والمتعلمين في الصعيد. فقد رصدنا ان 10 حالات تقع بين سن 17 و49، و 8 حالات من بين 11 يسكنون في الصعيد. و 7 حالات على الاقل حاصلين على تعليم عالي او مازالوا في مرحلة التعليم العالي.
ماذا يعني هذا؟  يعني ان الهدف هو اسكات الصوت القبطي الذي يطالب بالمساواة والحرية وتكافؤ الفرص بعد ثورة 25 يناير التي فيها خرج الاقباط من عباءة الكنيسة إلى الشارع المصري. فالهدف ضرب ابناء الطبقة المتوسطة والتي هي القوة المحركة والمنتجة والمؤثرة في اي مجتمع خصوصاً الشباب، لكي يعود الاقباط إلى انكماشهم ويتقبلوا ما سيُفرض عليهم من سياسيات تمييزية في الدولة الاسلامية. أما استهداف الصعيد بمثل هذه القضايا فيعود إلى الكثافة العددية للاقباط هناك والتي تعطيهم بعض القوة.
لضيق لمقام سنذكر فقط بعض حالات ضحايا هذه الاتهامات:
في 29 ديسمبر 2011، اتهم الطالب جمال مسعود عبده - 17 سنة - بمدرسة منقباد الثانوية بأسيوط – بنشر رسوم مسيئة للإسلام على الفيسبوك. قد خصص خطباء المساجد فى اسيوط خطبة 30 ديسمبر - اليوم التالي - للتحريض ضد المسيء للرسول مما ادى لشن سلسلة من الهجمات على اقباط 4 قرى نتج عنها اصابة عشرات الاقباط وحرق منازلهم وممتلكاتهم ونفوق ماشيتهم جراء عمليات الحرق. ثم عقدت جلسة صلح  في 31 ديسمبر 2011، برعاية مسئولين ورجال دين، وقرر المشاركون تهجير الطالب جمال عبده مسعود وأسرته من قرية العدر، وكذلك أسرة زميل له يدعى مينا بشاي من قرية سلام. وبتاريخ 4 ابريل 2012 حكمت المحكمة على جمال بالسجن ثلاث سنوت بسبب نفس الاتهام الذي لم يثبت إذ ان جمال ليس له حساب على الفيسبوك!! العجيب انه لم يتم القبض على اياً من الجناة في احداث الاعتداء على الاقباط او حرق وتدمير ممتلكاتهم في القري الاربعة او القبض على خطباء المساجد المحرضين الذين يمكن معاقبتهم بنفس مواد قانون العقوبات التي عوقب بها جمال بالسجن لمدة 3 سنوات! بل ان شيوخاً كوجدي غنيم وياسر برهامي وغيرهما يسبون المسيحية ليل نهار على الفضائيات واليوتيوب ولم يتم القبض على أحد. الاغرب هو ما تقوم به جمعية اهلية مصرية مرخصة من الدولة تسمى "جمعية سخاء الخيرية" والتي تنظم دورات تدريبية "لنقد المسيحية"، في مختلف محافظات الجمهورية، بلا اي قيود من الدولة!
في 29 فبراير 2012 حكمت محكمة أبنوب الجزئية بأسيوط في القضية رقم 1579 لسنة 2012 جنح أبنوب على الاستاذ مكارم دياب سعيد - 49 سنة – بالسجن 6 سنوات بتهمة ازدراء الاسلام. وأصل الموضوع ان مدرساً سلفياً يدعى عبد الحميد كان قد نُقل حديثاً إلى مدرسة الدير الجبراوى الإعدادية بمركز أبنوب اسيوط، وصار يتهم المسيحيين بالكفر وتحريف الكتاب المقدس وانهم نجسين لأن المشركين نجس و..و..و... فما كان من الاستاذ مكارم الذي يعمل سكرتيراً للمدرسة منذ 25 سنة أن سأله: "هو النبي اتجوز كام؟" فانقلبت الدنيا عليه راساً على عقب، وعوقب على كل كلمة من السؤال بسنة ونصف سجن، في حين ان بقي المدرس السلفي حر طليق دون اي اتهام وكأنه لم يقل شيئا، بل كأنه لم يقل  إلا الحق! أيدت محكمة استئناف أسيوط بتاريخ 4 ابريل 2012 الحكم الصادر من محكمة أبنوب الجزئية بالسجن 6 سنوات رغم انه حكم مضاعف لأقصى عقوبة ينص عليها القانون.
هذا دفع  د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع للقول بأن "قانون ازدراء الأديان لا يُطبق إلا على الأقباط فقط".
في 30 سبتمبر 2012 تم القبض على الاستاذة نيفين نادى جاد السيد – 28 سنة - مدرسة الدراسات الاجتماعية بمدرسة نزلة عبدلله الإعدادية بمركز منفلوط أسيوط، إثر قيام الطالب محمد مصطفي احمد هاشم بتوجيه تهمة ازدراء الأديان لها، عقب شرحها درس "نشأة الرسول" المقرر على الصف الثاني الاعدادي. وذلك لأنها لم تقول "صلى الله عليه وسلم" عند ذكرها للرسول. ثم تقدم والد الطالب المذكور ببلاغ إلى قسم شرطة ثان أسيوط، يتهمها بازدراء الدين الإسلامى أثناء شرحها لحياة الرسول. وعقب القبض عليها تم تهديد اسرة نيفين بأنه سيتم حرقهم في بيتهم، مما اضطرهم لمغادرته والإقامة عند أقاربهم خارج أسيوط.
إلا أن النيابة بعد القبض على نيفين واحتجازها فى زنزانة حبس انفرادى بالقسم اكتشفت فيما بعد من سجلات الحضور والغياب فى المدرسة، أن الطالب صاحب البلاغ كان متغيبا فى اليوم الذى ذكر فى البلاغ أنها أسأت فيه للدين الاسلامى، وتم الافراج عن نيفين لاحقاً على ذمة القضية لأنها حامل في الشهر الاخير. فهل يُعقل ان شرح مدرسة لأحد دروس مادتها ينقلها من الفصل إلي قسم الشرطة؟ إن إستحداث تهمة إزدراء الدين الإسلامي واتهام الآخرين بها بمثل هذه السهولة أمر مدهش ومزعج بآن واحد ويوضح ان وراء هذه التهم والقضايا اهداف سياسية واجتماعية خسيسة.
في 2 اكتوبر 2012 اتهمت النيابة العامة ببني سويف الطفلين نبيل ناجي رزق - 10 أعوام - ومينا نادي فرج - 9 أعوام – واللذين يعيشان في عزبة ماركو" التابعة لمركز الفشن بتهمة ازدراء الاسلام! واصدرت النيابة قراراً بحبسهما لمدة أسبوع على ذمة التحقيق حيث تم إيداعهما داراً لاحتجاز الأحداث. جاء ذلك بعد ان أتهمهما احد جيرانهما مرة بالتبول علنا على نسخة من المصحف، ومرة بتمزيقه!! ولم يشفع لهما ان  كلاهما لا يعرف القراءة او الكتابة. ثم بعد احتجاز زاد عن يومين أصدر النائب العام المصري في 4 اكتوبر 2012 قراراً بالإفراج عن الطفلين إعمالا لقانون حقوق الطفل الذي يمنع احتجاز الأطفال عقب ما يقال انه تدخل رئيس الجمهورية! وذلك بعد اخذ التعهد اللازم على والدي الطفلين باحضارهما لاستكمال التحقيق في المكان والزمان التي تقررهما النيابة.
بقى ان نذكر ان المحاكمات في هذه القضايا متعجلة ومريبة، وتصدر عنها احكام قاسية تتعدى الحد الاقصى للعقوبة المقررة في القانون. فضلاً عن أن هذه المحاكمات تتم وسط تجاوزات خطيرة تهدد العدالة مثل محاصرة مباني المحكمة بمظاهرات صاخبة وعنيفة، ومحاولات إقتحام قاعة المحاكمة للفتك بالمتهم، ومحاولة التاثير المباشر على القاضي، وتهديد محاميي المتهم بالقتل في حال قبول الترافع عنه، ومنع محاميي المتهم من الوصول للمحكمة. هذه النقاط سنتناولها بالادلة في المقال القادم ان احيانا الرب وعشنا.
 
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع