الأقباط متحدون - المواطن.. والدبلوماسى.. والثورة
أخر تحديث ٢٢:٣٨ | الاثنين ٢٩ اكتوبر ٢٠١٢ | ١٨ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٢٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

المواطن.. والدبلوماسى.. والثورة

«اعمل معروف يا سيادة السفير، فَهِم مواطنيكم إن الثورة قامت عندكم، وليس عندنا».
 
كان هذا أول ما قاله المسئول للسفير المصرى الذى قصده طالبا الإفراج عن عمال مصريين ألقى القبض عليهم لتجمهرهم احتجاجا على عدم تلبية مطالب عمالية لديهم.

وتظهر هذه الواقعة، جزءا مما تواجهه البعثات المصرية، سفارات كانت أو قنصليات، من إشكالية مستجدة، حيث جاء نجاح ثورة يناير ليرفع سقف التوقعات لدى المواطن المصرى فى الخارج، وهو محق ومخطئ فى توقعه هذا فى آن واحد.

هو محق لأن من حقه، قبل وبعد الثورة، أن يجد المساندة الكاملة والاستقبال الحسن والمعاملة الكريمة من بعثة بلاده.

لكن ليس من حقه أن يفترض أن نجاح الثورة فى مصر يعنى تغيير جميع دول العالم لقوانينها لإعطاء المصريين لديها معاملة تفضيلية أو مختلفة عن غيرهم، فإذا كان حق التظاهر والاعتصام والإضراب بات مكفولا داخل مصر فإن ممارسة هذا الحق فى دولة لا تبيحه لمواطنيها أنفسهم سيضع المواطن المصرى تحت طائلة القانون، ولن يكون فى مقدور البعثة المصرية سوى بذل مساع حميدة يظل نجاحها مرهونا بتجاوب السلطات الأجنبية وتغاضيها عما تعتبره فعلا مجرما.

 أعترف أنه ما زال هناك مجال كبير لتحسين الخدمات والرعاية التى تقدمها البعثات المصرية، بل وأعترف بأن المواطن يلمس أحيانا تقصيرا من جانب موظف أو مسئول فى البعثة، فجميع من يعملون فى بعثاتنا فى الخارج مصريون، وهم شريحة من المجتمع المصرى، بكل ما فيه من مزايا وعيوب، وربما يصادف المواطن من لا يبذل جهدا كافيا لحل مشكلته، لكن غيره يصادف بكل تأكيد من سيبذل قصارى جهده لمساعدته.

إذن أين يخطئ المواطن المصرى؟ أزعم أنه يخطئ عندما يفترض أن لدى البعثة المصرية عصا سحرية لتلبية جميع طلباته بغض النظر عن مشروعيتها، وأنه مادام تقدم للبعثة فإن عليها إصدار التعليمات للجهات الأجنبية لحل مشكلته على الفور، وكثيرا ما يذهب المواطن إلى البعثة شاكيا ويظهر فحص أوراقه أنه غير محق فى شكواه ويعرض عليه موظفو البعثة التدخل لتسوية قضيته وديا لمحاولة الحصول على أفضل ما يمكنه الحصول عليه، لكنه لا يتقبل العرض ويسير فى إجراءات التقاضى حتى يخسرها الواحدة تلو الأخرى فيسارع إلى اتهام البعثة بالتخاذل عن نصرته، مرددا العبارة الشهيرة «لجأت إلى السفارة ولم تفعل شيئا»، واتصالا بهذه الجزئية، أود الإشارة إلى أننا إذا كنا فى مصر ننتفض لأقل شبهة تدخل من جانب السفارات الأجنبية فى أعمال القضاء المصرى، ونحن محقون فى هذا، فحرى بنا ألا نطالب بعثاتنا فى الخارج بالتدخل فى أعمال القضاء الأجنبى لصالح مواطن مصرى اتهم فى قضية ما.

 وقد يطلب المواطن ما يخالف القانون المصرى ذاته، وأذكر، إبان عملى مسئولا قنصليا فى الصين قبل نحو 20 عاما، أنى استقبلت مواطنا مصريا مسلما رغب فى الزواج من سيدة بوذية، فشرحت له أن المسلم لا يتزوج سوى مسلمة أو كتابية، وأن عليه اصطحاب خطيبته إلى أقرب مسجد أو كنيسة أو معبد لتدخل فى ديانة سماوية ثم يعود لنعقد القران مع تمنياتنا بالرفاء والبنين، فما كان منه إلا أن أرسل إلى وزير الخارجية شكوى تتهمنى بأننى رهنت إبرام عقد الزواج بدخول خطيبته فى الإسلام.

ويخطئ المواطن أيضا عندما يفترض أن تأخير معاملاته فى السفارة أو القنصلية المصرية يرجع دائما إلى تقصير موظفى البعثة، الذين هم مجرد وكلاء فى الخارج عن الأجهزة المصرية فى الداخل، فإذا تقدم مواطن للحصول على مستند مصرى، على سبيل المثال، فإن القنصلية ليست هى من يحدد الأوراق والرسوم المطلوبة، بل ليست من سيصدر المستند المطلوب ابتداء، حيث إن غالبية المستندات التى تسلمها البعثة للمواطن تصدر عن الأجهزة المصرية المعنية فى القاهرة، ويقتصر دور البعثة على تسلم الأوراق والرسوم من المواطن، وإرسال الأولى للجهة المعنية والثانية إلى خزينة الدولة، ولدى ورود المستند المطلوب من القاهرة تقوم البعثة بتسليمه للمواطن. وبطبيعة الحال فإن المواطن يقيم عمل البعثة المصرية استنادا إلى تجربته معها وسرعة انقضاء مصالحه لديها، وهو محق فى هذا، شريطة ــ كما أسلفت ــ أن تتفق مطالبه مع القانونين المصرى والأجنبى، وهناك حالات عديدة يخرج فيها المواطن إلى الإعلام ليتهم بعثة مصرية بالتقصير فى حقه، بينما لا نستطيع كوزارة مكلفة برعاية المواطن فى الخارج نشر جميع الحقائق التى لدينا حتى لا نزيد الوضع القانونى المواطن نفسه سوءا.

 ولا يدرك المواطن ضآلة الإمكانيات المتاحة للبعثات أو اللوائح التى تحكم عملها، فتجده يشكو من عدم قيامها بسداد تكلفة علاجه أو دراسته، غير عالم بأن ما لدى البعثة من متحصلات قنصلية هو مال عام يورد إلى خزينة الدولة وأن قيام أى موظف بالإنفاق منه، ولو لنجدة مواطن مغترب، يضعه على الفور تحت طائلة القانون. وهو وضع سيستمر إلى حين إصدار قانون إنشاء هيئة رعاية المصريين فى الخارج وتوفير الموارد المالية اللازمة لعملها.

أود ختاما الإشارة إلى نقطتين هامتين، الأولى هى دور البعثات المصرية فى تمكين المواطن المصرى المغترب من المشاركة فى الحياة السياسية فى بلاده لأول مره خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرتين، رغم أننا تلقينا التكليف بتنظيم الأولى قبل يومين فقط من انطلاقها، ولم نكلف الدولة جنيها واحدا، بل كنا الموظفين الوحيدين فى الدولة المصرية الذين عملوا فى الانتخابات دون تلقى أو طلب مكافآت.

والثانية هى أننا فى خضم محاسبة بعثات مصر فى الخارج لا يجب أن نغفل ما يتعرض له الدبلوماسيون من مخاطر وظيفية ومعيشية جمة فى مناطق الاضطرابات والصراعات، فقد سقط منا شهداء فى الصومال وباكستان والعراق، وليست محاولة تفجير سيارة دبلوماسى مصرى مؤخرا الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، وما يفتقدونه وأسرهم من استقرار اجتماعى ودراسى، لكنهم يقومون، رغما عن هذا كله، بدورهم فى رعاية المواطن المصرى فى جميع أنحاء العالم، سواء كان عاملا فى ليبيا أو معتمرا فى السعودية أو صيادا فى تونس أو بحارا فى المحيط الهندى أو متسللا عبر حدود دولتين فى أمريكا اللاتينية، ويكفى تماما الإشارة لما تظهره إحصائيات الأسابيع القليلة الماضية وحدها من نجاح البعثات المصرية فى جدة وطرابلس ودمشق وتونس فى مساعدة وإطلاق سراح وتسفير وتسوية أوضاع وعقود أكثر من خمسة آلاف مواطن مصرى، هذا بالطبع إلى جانب ما تقوم به جميع البعثات من مهام يومية معتادة لصيانة العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية بين مصر والدول الأجنبية واجتذاب الاستثمارات ورءوس الأموال للبلاد.

نقلاً عن الشروق


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter