زهير دعيم
طالبتني وهي بعد في الخامسة من عمرها بأن اقتنيَ لها جوّالًا...
وأتردّد كثيرًا رغم الحاحِهِا، بل وأكاد أقول أنّني أرفض رغم محبتي الضّافية لها ، علمًا بأنّني لا أحرمها من أيّ شيء.
فالقضيّة ليست عاطفيّة ، وليست حنانًا وتحنانًا ، وليست بخلًا ، بل ترتبط وتتعلّق بالجدوى من هذا الجهاز وفي هذا العمر بالذات ، بل وفي عمر أكبر منها بسنوات.
لا أنكر أنّ لكلّ عُملة وجهين ، وكذا الأمر مع التقنيّة الحديثة برمّتها والتي حسناتها تفوق كثيرًا ضررها ومساوئها بالنسبة للكبار لا للصغار ..وخاصّة هذا الذي يُسمّى "بلفون" أو "جوّال" وقد جال هذا الجوّال وصال يسرق عقول الصغار والكبار على حدّ سواء ، فترى أحدنا " هون ومش هون" ، يسوق سيارته وعيناه على الجوّال وفكره هناك ايضًا ،وتلاحظ وتلمس أنّ التواصل الأسريّ تفكّك وانقطع حتى لدى الكبار ، فكيف بك لدى الأطفال ؟!!
وأعود مضطرًا الى حفيدتي التي تُصمّم احيانًا على استعمال جهازي في اللّعِب فتنكمش في الكنبة وتغرق في الجوّال بعد عودتها من روضتها فلا تريد أن تأكل : "شبعانة " " شبعانة " تقول وهي تشيح بوجهها ، ثمّ تروح تناديها فلا تسمع ولا تجيب ، إنّها تغوص حتى أذنيْها في هذا الجهاز. فأضطر الى اخذه منها عنوةً رغم دموعها.
والامر يستشري ويصعب حين يتعلّق الأمر بأطفال في سن الثامنة أو التاسعة ، سنّ فيه تتطلّب المسؤولية أن يدرس هذا الطالب ويحضِّر ويطالع ويُبدع ، فتراه يتراخىويتكاسل ويفتر ويتراجع ، كيف لا والوقت أضحى لديه ضيّقًا بعد أن هدره جُزافًا على الجوّال، ناهيك عن المخاطر الاخرى التي تتعلّق بإضعاف النظر واخرى أشدّ وأمر قد تأتي من أناسٍ أشرار يتربّصون بالنفوس الصغيرة البريئة فيجرّونها الى ما لا تُحمد عُقباه.
حقًّا للعملة وجهان ...وكذا للجوّال ، فالوجه " البشع" السلبيّ ، المُقلِق أكبر مساحة للأطفال منه للكبار ..هؤلاء الكبار الذين يتواصلون من خلاله بالحياة والمجتمع والحضارة بثواني معدودات وبقروش قليلة.
حفيدتي ستبقى تلحّ ، وسأبقى أنا أماطل محاولًا اقناعها بأنّ القضيّة ليست بخلًا ولا مالًا ، وانمّا الثمن الباهظ الذي ستدفعه هي من جرّاء هذا الجوّال .. ولن تُجديها حينذاك دموعها نفعًا ، فحفيدتي لديّ أغلى من كلّ شيء.