صابتني حالة من الضحك المتواصل حين قرأت تقريرا اعده احد الزملاء في قسم الفن بمصراوي يؤكد فيه بالارقام ان فيلم عبده موته واحد من افلام العشوائيات (الوصف للعبد الفقير الى الله) قد حقق اعلى ايراد يومي فى تاريخ السينما المصرية كلها؛ حيث بلغت إيرادات عرضه فى اليوم الأول لعيد الأضحى مليونان ونصف مليون جنيه وهو ما لم يحققه أي فيلم في تاريخ السينما بمصر. ولا عزاء للمبدعين امثال يسري نصر الله ومحمد خان !!
ما اضحكني هو المقارنة التي عقدت تلقائيا في ذهني بين الاخوة في تيار الاسلام السياسي الذين يعتبرون انفسهم في حالة حرب مقدسة دفاعا عن هوية مصر - الاسلامية طوال قرون- وعن شريعة الله تعالى التي يجب ان تطبق وبين شعب غالبيته منفصل تماما عن هؤلاء لا يعنيهم ما يقولون على وجه الاطلاق.
تحمر الاعين والانوف ويعلو الصوت وتنتفخ الاوداج حماسا وحمية لكلمة هنا او حرف (واو) هناك في احد النصوص الدستورية انتصارا لدستور اسلامي (لا اعلم اين كانوا من دستور مبارك!!) فيما الراقصة تتمايل يمنة ويسرة على انغام اغاني العشوائيات ومشاهد ضرب الانفاس وشرب البيرة تتوالى ليشاهد الفيلم مئات الالاف من الشباب الذين يوضع من اجلهم هذا الدستور!
يطالب الاخ عادل عفيفي رئيس حزب الأصالة وضابط الشرطة المتقاعد ''الشعب المصري'' بالنزول إلى الشارع لرفض مواد الدستور الجديد، قائلا للمواطنين في مقال عبر صفحة الحزب الرسمية على فيس بوك: انصروا الله وارفضوا الدستور وأن من يوافق على الدستور بنعم يرتكب إثمًا ومرتد عن الإسلام، مضيفًا أن الموافقة على دستور يُهدر شريعة الله تعالى حرام شرعًا وإثم مبين وردة عن الإسلام تُلقي بصاحبها في نار جهنم.
هذا فيما يقرر المنتج أحمد السبكي منع الفنان محمد رمضان من النزول لمنطقة وسط البلد لحضور حفلات فيلمه الجديد ''عبده موته'' نظرا للإقبال الجماهيري الكبير على الفيلم بداية من يوم عرضه وحتى الآن.
الشاهد ان تيار الاسلام السياسي الذي يعمل على ارض مصر منذ عشرات العقود لم يفلح في تغيير سلوكيات الناس وانما اهتم بتقديم بعض الخدمات للارامل والمعوزين اقتصاديا اضافة الى بعض المظاهر السطحية كانتشار الحجاب ليصبح موضة وعرفا اكثر منه التزاما وتدينا (ارجع الى كتاب الدكتور احمد عكاشة - تشريح الشخصية المصرية) بما صب في النهاية سواء عن عمد او بدون قصد في نجاحات كبيرة على ساحة العمل السياسي.
واليوم يضع حفنة من الاشخاص دستورا لمصر لا يعبر الا عن اغلبية برلمانية وسياسية ويتناقشون ويتجادلون جدلا بيزنطيا عن مصر التي ستضيع وهويتها التي ستتحول، ولا اعلم حقيقة كيف يعتزمون تطبيق هذا الدستور في بلاد حالتها الاقتصادية تتردى يوميا وعصا الامن الغليظة تسترد فيه عافيتها فيما شباب هذه البلاد المعنيون بهذا الدستور ينفقون ما في جيوبهم لمشاهدة مثل تلك الافلام.
اتمنى الا تكون الوسيلة الوحيدة لتطبيق هذا الدستور في بلادنا انشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبيقا للمقولة التي يحلو لهم ذكرها في مثل هذه المواقف فقط: ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن!