الأقباط متحدون - بما لا يخالف شرع الغابة!
أخر تحديث ٠١:٢٥ | الاربعاء ٣١ اكتوبر ٢٠١٢ | ٢٠ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٣٠ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

"بما لا يخالف شرع الغابة!"

بقلم: منير بشاى
 لعدة عقود، كان يحكم غابتنا أسد عجوز اسمه الملك المبروك.  اتسم حكم ذلك الملك بالفساد والتسيب ونهب المال العام وتدنى المستوى المعيشى نتيجة انهيار الاقتصاد وارتفاع معدل البطالة وانتشار الفقر.  تزايد ضجر سكان الغابة من الملك المبروك، وفى يوم من الايام تجمع فى الميدان الكبير الملايين من سكان الغابة الغير راضيين، وارتفع صراخهم واستمر لعدة أيام "ارحل ارحل ارحل". وأمام تهديد المتظاهرين ان يزحفوا يوم الجمعة الى قصره لاخراجه هو واسرته بالقوة، اضطر الاسد، الذى اصابه المرض والوهن بعد تقدمه فى السن، أن يتنحى تاركا السلطة فى يد بعض أعوانه المقربين.
 
 لم يكن من استلموا الحكم لهم دراية كافية بالسياسة والحكم، وكانوا يعلمون أن أيامهم فى السلطة قليلة، فأرادوا ان يتقربوا لأقوى الفصائل فى الغابة وأشدها ضراوة وهم فصيل الذئاب عسى ان يكسبوا رضاهم اذا ما وصلوا الى الحكم.  فتركوا لهم العنان ليزوّروا فى عملية اختيار ملك الغابة الجديد وينجحوا في ان ينصّبوا واحدا منهم ملكا.  ولأول مرة يحكم الغابة الآن ذئب وليس أسد، ولذلك فسكان الغابة لا يشعرون بهيبة الملك الجديد لأنهم يعرفون أنه ليس أسد، حتى وان كان من وقت لآخر يطلق زئيرا، ولكن الزئير كان يخرج منه خافتا ضعيفا لا يخيف أحد.
 
 تغيير ملك الغابة القديم لم يحسّن من أحوال الغابة بل زادها سؤا.  استغلت الذئاب فرصة وصول ذئب مثلهم للحكم بان يعيثوا فى أرض الغابة فسادا.  وأصبح سكان الغابة من الحملان هدفا لترويعهم.  فكم من الحملان قتلوا، أو جرحوا، أو خطفوا، أو نهبوا، أو فرضوا عليهم ألأتاوات.  هذا بينما الذئب الحاكم ينظر الى الناحية الأخرى ويتظاهر كأنه لا يرى شيئا.
 
 وبعد كثير من المعاناة اضطرت الحملان، على غير عادتهم، ان يثوروا ويعلنوا عن مظاهرة فى ميدانهم الخاص. وهنا انزعج الذئاب وأرادوا أن يعلموا الحملان درسا لا ينسوه.  وفى اليوم المحدد لمظاهرة الحملان كانت الذئاب فى انتظارهم وبعد وصولهم للميدان اغلقوا مخارج الميدان، ثم دهسوهم بالعربات فسحقوا من سحقوا وجرحوا من جرحوا وألقوا بعض الجثث فى النهر محاولين اخفاء معالم الجريمة.  ولكى تكتمل المؤامرة أعلنوا من ميكروفونات الغابة بصوت نسائى يشهق ويجهش بالبكاء ان الحملان قد استأسدوا وهم الآن يذبحون الذئاب (الغلابة)، والضحايا من الذئلب وصلت حتى الآن أكثر من عشرين، وان الاعتداء مستمر. وتستغيث بسكان الغابة ان يهرعوا الى الميدان لانقاذ الذئاب المساكين من بطش الحملان المفترين "الحقووونا الحقووونا الحقوووووونا  قبل الحملان المتوحشين ما يخلصوا علينا!"
 
 ولكن لم يمر وقت طويل حتى انكشفت المؤامرة وعرفت الحقيقة ومع ذلك لم ينصف القضاء الحملان، إما لأنه متعاطف مع الذئاب أو لأنه كان يخشى بطشهم.
 و ما حدث للحملان لم يثنيهم عن المطالبة بحقوقهم فاستمروا فى مظاهراتهم ، واستمر أخوتهم خارج الغابة فى تأييدهم فى كل مكان من المسكونة.  وهنا اضطرت الذئاب ان يغيروا من منهجهم وان يتوددوا للحملان محاولين ان يقنعوهم ان الحل قادم فى الطريق وهو الذى سيضمن سلامتهم وذلك باعادة صياغة قانون الغابة واضافة مواد تضمن لهم المعاملة العادلة الكريمة.
 
 فرح الحملان بهذه المبادرة وصدقوا الذئاب واجتمعوا معا لصياغة القانون الجديد.  وبعد وقت طويل ومجهود مضنى، ومناورات كثيرة، وضغوط وتهديدات متنوعة، وصلوا أخيرا الى ما كانوا يعتقدون انه ليس كل ما يريدوا ولكنه أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه.
 اتفق الجميع ان يتغير قانون الغابة لينص على مايلى: "سكان الغابة متساوون أمام القانون فى جميع الحقوق والواجبات.  وسواء كانو مستأنسين أم متوحشين لا فرق بينهم فى المواطنة ويتمتعوا بنفس القيمة والكرامة.  من الآن فصاعدا لا يحق لفصيل فى الغابة ان يفترس فصيلا آخرا أو يطرده من مسكنه أو يستولى على ممتلكاته، أو يقيد حريته، أو يعتدى على مقدساته، أو يظلمه ويحد من حقه فى الفرص المتكافئة."
 
 ارسل هذا الاتفاق الى لجنة الصياغة، وفرح الحملان عندما جاءتهم الأخبار ان اللجنة قبلت الصيغة دون تغيير. ولكن عند ظهور مسودة القانون تبين انه قد حدثت اضافة لعبارة صغيرة، كتبت بالبنط الصغير، بحيث لا يكاد يراها أحد وتقول "بما لا يخالف شرع الغابة". حاول الذئاب طمأنة الحملان ان هذا اجراء روتينى لا يغير من القانون شيئا. ولكن العارفين بدلالة هذا التغيير أدركوا ان العبارة الصغيرة ليست بهذه البراءة فهى ستفرغ المادة الجديدة تماما من مضمونها وستلغى كل حقوق الحملان وتضمن تفوق الذئاب فى كل شىء.
 
 والان عادت غابتنا الى ما كانت عليه.  كل شىء عادى، الذئاب تأكل الحملان، وتروعها، والحملان ليس لها من يحميها أو يضمن حقوقها، فالكل يخشى الذئاب ويعمل لها ألف حساب. 
وسيستمر الوضع على ما هو عليه الى ان يفيض الكيل بسكان الغابة فيثوروا ويتخلصوا من الذئاب، كما ثاروا من قبل وتخلصوا من الأسود.  وفى هذا الوقت لعلهم لا ينسوا الدرس المستفاد، فلا يتخلصوا من الذئاب ليسمحوا للنمور ان تقفز على الثورة وتنفرد بحكم الغابة وتعود الغابة لعادتها المعتادة.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter