سحر الجعارة
تبدو ««تل شبورة» وكأنها على فوهة بركان، فى لحظة تتعانق البدايات بالنهايات، تتطاير فيها جثث ضحايا «الهجرة غير الشرعية»، وتنحنى نظرة انكسار فى عيون ضحية «ختان»، وتتابع مشاهد التحرش والقرصنة الإلكترونية وابتزار البنات مع قرصنة أموال الفقراء فى توظيف الأموال الجديد «ظاهرة المستريحين».. ثم يعلو صوت الضمير وترفع المرأة هامتها: هنا تقف «حضرة العمدة» وحيدة إلا من ألمها وعلمها وحلمها وقدرتها على التغيير.. هنا تتصدى «الأنثى» لكل المظالم التى غالباً ما تسدد ثمنها وحدها.. هنا لعنة «زواج القاصرات» والاستيلاء على ميراث البنات.. وأوهام السلطة والجبروت التى تتحطم على صخرة صمود صفية «النجمة روبى».- الله انتى اللى راسمة دى يا حبيبتى.. آه.
- شاطرة اسمك إيه بقى؟
- ميرى بيشوى حنا.
- ميرى بيشوى!.. وإيه اللى ملبسك الطرحة؟
- ماما.. ليه؟
- عشان أستاذ حافظ قال لى لو ما لبستيش الطرحة هيزعق لأبويا.
مشهد عبقرى للكاتب «إبراهيم عيسى» مؤلف مسلسل «حضرة العمدة»، يلخص صراع الإخوان والسلفيين على نشر فكرهم وتركيع العباد بالوصاية على الشرف والفضيلة بـ«الختان والحجاب».. هكذا يتم احتلال أدمغة البشر، إنه «المسكوت عنه» فى اجتياح المجتمعات وسلفنتها وأخونتها.
هذا المشهد قد يبدأ بلجان إلكترونية تشوه العمدة «رمز الدولة» ويتصاعد لمحاولة إحراق أحد المنازل التى يصلى فيها مجموعة ليلة عيد المسيحيين.. يُحاصر المتطرفون هذا المنزل استعداداً للاقتحام، وتهديديهم بالقتل، ولا تملك «روبى» إلا التصدى لهم بـ«دروع بشرية» من أهل القرية الطيبين، ثم تقول لقائدهم: «تعالى اتفضل معانا نهنئ عم باسيلى بالعيد»، ليرد عليها بقوله: «عيد إيه يا دكتورة!!.. إحنا منعرفش غير عيد رمضان وعيد الضحية.. غير كده منعرفش عيد.. عاوزاهم يقلبوا البيت كنيسة ونسكت.. يبقى كده مالناش لأزمة بقى».. خليهم يصلوا فى كنيسة خارج القرية «الناس غيرانة على دينها»، هذا ما يحدث على أرض الواقع وتغذيه السوشيال ميديا، هذا ما يحرض عليه «دعاة اليوتيوب»: (تحريض على الفتنة وتكدير للسلم العام وتجمهر).
فى «تل شبورة» يتغذى البعض على دماء الفقراء، «شلباية - وفاء عامر» تنافس «حضرة العمدة» بحكم الناس من الباطن من خلال الاستيلاء على أموالهم «توظيف أموال».. تستبيح كل الجرائم لتقتص لشبابها من الفقر.
هنا كل شىء مباح «تحت الأرض» من تجارة حبوب الهلوسة «الفنان أحمد بدير» إلى البحث عن آثار فى فناء مدرسة «الفنان محمد محمود عبدالعزيز».. لا أحد يعطى إلا نادراً، وفى مقابل كل هذا الفاسد يتصدى الحب بالفن والجمال: جمال أى «محمود عبدالمغنى» يقطف الموهوبين من حقول القرية ليغنى الشباب ويبدعوا فى فن الفخار والغناء والرقص الشعبى.الزحام الذى تصطخب به «تل شبورة» يحرض على التوقف عند القضايا الاجتماعية، ولكن يُحسب لهذا العمل أنه أعاد النجمة القديرة «سميحة أيوب» إلى الشاشة من جديد.. وقدم النجمة «بسمة» فى شخصية جديدة عليها تماماً «كابر».. أما النجم «أحمد رزق» فكأنه يعيد اكتشاف نفسه من جديد ويفرض موهبته بمهارة تتجاوز كل ما قدمه من قبل.ما بين غيبوبة مؤقتة وإفاقة لعم نهرو «صلاح عبدالله» تجاهد «حضرة العمدة» لتصحيح أوضاع الزواج العرفى ومنع زواج القاصرات.. وكأن العمل مكتوب فى لحظة مخاض عسير تولد فيه القرية من جديد وهى تتطهر من أوزارها وتتغير بوعى امرأة.. لحظة سجلها ووثقها بجدارة المخرج «عادل أديب».«حضرة العمدة» يثبت أن الفن أداة ترفيه وتغيير وإصلاح.
نقلا عن الوطن