الأقباط متحدون - البابا تواضروس الثاني .. وتحديات المرحلة القادمة
أخر تحديث ٠٩:٤٣ | الاربعاء ٧ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢٧ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٣٧ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

البابا تواضروس الثاني .. وتحديات المرحلة القادمة


 بتأييد السماء اختارت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة ليكون البطريرك (118)، خلفًا لقداسة البابا شنودة الثالث (117)، الذي قاد الكنيسة لمدة 40 عامًا بحكمة واقتدار، وتنيح "توفي" في 17 مارس/آذار بعد نحو عام من ثورة 25 يناير 2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وبذلك أسدل الستار على عملية انتخاب واختيار البابا الجديد، والتي استغرقت أكثر من 6 أشهر، حيث بدأت في 25 من أبريل/ نيسان الماضي بفتح باب الترشح للانتخابات، أي بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث بـ 40 يومًا، وانتهت بالقرعة الهيكلية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي حُسم من خلالها تسمية البابا الجديد، والذي يحمل رقم (118) في سلسلة تعداد بطاركة الكرازة المرقسية، حيث يُعد القديس مارمرقس الرسول هو البطريرك الأول (61 - 68 م).
 
يُشارإلى أن الأنبا تواضروس - بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية - قد حل في المركز الثاني في الانتخابات التي جرت قبل إجراء القرعة الهيكلية بأسبوع لاختيار ثلاثة مرشحين يُشاركون في "القرعة الهيكلية" لإختيار البابا منهم، إذ حصل على 1623 صوتا، بينما حل الأنبا رافائيل في المركز الأول وحصل على 1980 صوتا، وحل في المركز الثالث القمص رافائيل آفامينا وحصل على 1530 صوتا.
 
يأتى البابا الجديد بعد عملية انتخاب واختيار أدارتها الكنيسة بشفافية ورقي وتحضر، شعر من خلالها شعب مصر بفخر واعتزاز شديدين، بفضل جهود أبناء الكنيسة ولراعيها خلال الفترة الماضية القائمقام باخوميوس - مطران البحيرة ومطروح والخمس مُدن الغربية - بدأت بترشح 17 أسقفًا وراهبًا، تم استبعاد 12 منهم، ثم أجريت الانتخابات على الـ 5 التي تم الموافقة عليهم من قبل لجنة الترشيحات والمجمع المقدس، بعدها أجريت القرعة الهيكلية الثلاثة الذين صعدوا بأعلى الأصوات وهم [الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط البلد والأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة والقمص رافائيل آفامينا].
 
واختير البابا الجديد وفقا للائحة 1957 التي لا تزال سارية، والتي يُطالب عدد كبير من الأقباط بتعديلها، ويعتبر فوز البابا تواضروس الثاني بمنصب البابا رقم 118 في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية نقطة تحول رئيسية في تاريخ الكنيسة، فهو يأتي في بداية عهد جديد في مصر بعد انتفاضة أطاحت بالنظام الفاسد السابق، كما يأتي في بداية عهد رئيس جديد للبلاد هو الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني لمصر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أنه يخلف البابا الراحل شنودة الثالث الذي حظى بحب المصريين جميعًا واشتهر باسم "بابا مصر والعرب".
 
وبقدوم الأنبا تواضروس الثاني "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية" تنتظر مصر من البابا الجديد دورًا روحيًا ومُجتمعيًا يتبنى الديمقراطية ويُدافع عن مضامينها، تنتظر خطابًا دينيًا عصريًا يتسق مع الحقوق والحريات وتشجيعاً لقيم المواطنة.
 
يُصبح الأنبا تواضروس "الثاني" لأنه الثاني في تعداد الباباوات المُسمى باسم "تواضروس"، حيث حمل البابا (45) في القرن الثامن الميلادي اسم "ثيؤذوروس الأول" وهو مُرادف لاسم "تواضروس" وهي كلمة لاتينية معناها "قربان الله" أو "عطية الله"، وللاسم مُرادفات أخرى وهي"تادرس/ثيؤدوروس/ثيؤذوروس/سيداروس".
 
وسط تهليل الحضور وتصفيقهم وقعت القرعة على الأنبا تواضروس ليصير البابا الـ (118) للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، في مراسم استغرقت ساعات في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة، وتوجها الطفل "بيشوي مسعد جرجس" بسحب اسمه من إناء زجاجي وهو معصوب العينين، ليُعلن نيافة الأنبا باخوميوس اسم البابا الجديد وسط جو من الفرح عم أجواء الكاتدرائية من داخلها وخارجها عبر الساحات المُكتظة بالشعب، ووسط مشاعر مختلطة بين الفرح وعدم التصديق، ثم قام الأنبا باخوميوس بعد ذلك بفتح الكرتين البلاستيكيتين الآخريين وعرض أمام الحضور والكاميرات الورقتين اللتين كانتا بداخلهما، وتحملان اسمي الأنبا رفائيل والقمص رفائيل أفامينا ليتأكد الجميع أن أسماء المرشحين الثلاثة كانت مُشاركة بالفعل في القرعة.
ومن المقرر أن تقيم الكنيسة حفل تجليس "تنصيب" للأنبا تواضروس الثاني بطريركًا للأقباط الأرثوذكس والكرازة المرقسية في مصر يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في مقر الكاتدرائية المرقسية سيُشارك فيه كل طوائف الشعب داخل وخارج مصر، ويحضره عدد كبير من المسئولين المصريين والأجانب، فهو حدث له أهمية عالمية وله صدى في دول العالم.
 
وبينما يتطلع كثير من الأقباط إلى البابا الجديد ليملأ فراغ سلفه، الذي رأس الكنيسة 40 سنة والذي عمقت وفاته شعورًا بعدم الأمان لدى كثيرين لم يعرفوا بابا غيره في حياتهم، يأمل آخرون في أن يُدشن مرحلة جديدة يكون فيها البطريرك رئيسًا للكنيسة القبطية، ولكن ليس بالضرورة زعيمًا سياسيًا لها.
 
التصريحات الأولية للبابا:
"البابا إنسان خادم في المجتمع المصري يحمل مسئولية الحُب والسلام لكل فرد على أرض مصر .. مصر وأرضها أرض مُقدسة.. وزيارة العائلة المُقدسة باركت أرض مصر".. هذه هي الكلمات الأولى للبابا تواضروس بعد أن اختارته القرعة، والتي جاءت مُطمئنة للشعب وتحمل معها معاني الحُب لمصر وشعبها ومسئولية الراعي والأب الروحي .. ومُضيفًا: "أرجو صلواتكم لكي تسندنا في هذه المسئولية الكبيرة... قلبي مفتوح لكل إنسان على أرض مصر".
وأكد البابا تواضروس الثاني، أنه سيكون خادمًا للشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه، وأن أولوياته في المرحلة المُقبلة تتمثل في ترتيب البيت من الداخل في تعاون ومحبة مع الجميع، وأنه يشعر بثقل المسئولية ويُصلي من أجل أن يوفقه الله في تحملها.
وأوضح فى تصريحات أدلى بها الأحد خلال زيارته لدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، عقب فوزه بمنصب البابا، أن الكنيسة أثبتت خلال الفترة الماضية أنها كيان مؤسسي يتعاون في إدارتها كل من المجمع المقدس والمجلس الملي والهيئة القبطية للأوقاف وكل الكهنة والخدام بالكنيسة، وأن دوره يكمن في تنظيم هذا العمل لتقوم الكنيسة بدورها في الخلاص وخدمة المجتمع.
 
 
الأنبا تواضروس

الأنبا تواضروس هو الأسقف العام لمحافظة البحيرة .. ومعروف عنه علاقته الطيبة بكل أبناء المحافظة مسيحيين ومسلمين، ودائمًا ما يفتخر فى حديثه بالخلفية المصرية، وعبر عن ذلك بأن المصريين فى الخارج متميزون ومسيحية مصر مُتميزة وواضحة، وأبرز تصريحاته ما قاله عن البابا شنودة: كنت أحب الاسم الذى كان يُطلق عن البابا شنودة بأنه "صمام آمان للبلد".
 
على الرغم من عدم تمتع البابا الجديد بشعبية عامة بين أبناء الشعب القبطي، إلا أنه يتمتع بشعبية بين الأساقفة ودعم الأنبا باخوميوس له؛ إذ يرونه أنه "حازم وقادر على قيادة الكنيسة في ظل هذه المرحلة، وأن الجميع يرضى باختيار الرب له، وكانت الأنظار مُتجهة إلى أسقف كنائس وسط البلد، الأنبا روفائيل، أو الراهب القمص روفائيل أفامينا... وقد بدأ البابا الجديد عهده بتصريحات إعلامية تتسم بالتواضع، قال فيها إن "مُنافسيه الأنبا رافائيل والقمص أفامينا كانا أحق منه بالكرسي البابوي، وأنه تربطه صلة قوية بالأنبا روفائيل "ملاك الكنيسة".
 
ولد الأنبا تواضروس باسم "وجيه صبحي باقي سليمان" في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1952 بالمنصورة لأسرة مكونة منه وأخ وشقيقتين، ووالده كان يعمل مهندس مساحة، وتنقلت الأسرة في المعيشة ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهور والإسكندرية.
 
حصل "وجيه صبحي" على بكالوريوس الصيدلة جامعة الإسكندرية في يونيو/حزيران 1975، ثم زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا في يونيو/حزيران 1985، وعمل مُديرًا لمصنع أدوية بدمنهور تابع لوزارة الصحة قبل الرهبنة، كما حصل على بكالوريوس الكلية الإكليركية في نوفمبر/تشرين الثاني 1983.
ذهب الأنبا تواضروس إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في 20 أغسطس/آب 1986، وترهبن في 31 يوليو/تموز 1988، تمت رسامته قسًا في 23 ديسمبر/كانون الأول 1989، ثم انتقل للخدمة بمحافظة البحيرة في 15 فبراير/شباط 1990، ثم نال درجة الأسقفية في 15 يونيو/حزيران 1997.
وقد حصل الأنبا تواضروس على تزكيات من الأنبا دميان أسقف ألمانيا، والأنبا سوريال أسقف ملبورن، والأنبا مكاريوس رئيس دير السريان، والأنبا باخوم أسقف سوهاج، والأنبا انداروس أسقف عام البحيرة.
 
ويحظى الأنبا تواضروس بتأييد الأنبا باخوميوس الذي شغل موقع قائم مقام البطريرك منذ وفاة البابا شنوده الثالث مارس/آذار الماضي فهو تلميذه وعمل معه في أسقفية البحيرة لفترة طويلة.
 
من خادم بدمنهور إلى كرسي مارمرقس
نشأ البابا تواضروس في منزل بسيط بشارع "الموازين" بدمنهور، حيث استقرت عائلة المهندس صبحي باقي سليمان، والذي انتقل من محل مولده بالمنصورة للعمل في مديرية المساحة بدمنهور، لكنه سُرعان ما رحل عن الدنيا.
وجد الطفل وجيه في "كنيسة الملاك "الصدر الحنون الذي عوضه عن رحيل الأب، وظل يتردد عليها منذ صغره برفقة والداته، حتي أصبح خادمًا بها، وبعد سنوات من العمل الكنسي ومحبة الجميع اختارته القرعة الهيكلية ليكون البابا رقم 118 ويعتلي رئاسة المقر البابوي.
عن ذلك يقول الأب "بولس نعمة الله" راعي كنيسة الملاك "كثيرًا ما كنا نلعب معًا ونحن أطفال في حوش كنيسة الملاك، لكن وجيه أو "البابا تواضروس" كان مشغوفًا بالقراءة، ويفضل الهدوء والجلوس داخل مكتبة الكنيسة والإطلاع علي ما فيها من كتب في شتي المجالات، وهو ما كان يجعلنا نشعر بالانبهار من ثقافتة العالية".
ويُضيف أن تواضروس كان معروفًا بين أصدقائه بسرعة البديهة والذكاء، فضلاً عن التواضع الجم وحبه للأطفال والشباب، حتى أنه عمل مُقررًا للجنة الطفولة في المجمع المقدس، مؤكدًا على أن البابا تواضروس كان مُوفقًا طوال حياته، يُذاكر في دأب ويجتهد في تحصيل الدروس، وهو ما جعله يلتحق بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية في عام 1975.
يقول بولس إنه في أثناء انتقاله إلي دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون لقضاء فترة قدرها حوالي 40 يومًا للرهبنة خلال الثمانيات، لم يأخذ كفايته من الملابس الثقيلة للوقاية من برد الشتاء، وفوجئ في اليوم التالي لقدومه إلي الدير بصديق تواضروس يقدم إلية لفافة من الملابس الثقيلة لحمايته من البرد.
أما "القمص ميخائيل جرجس" راعي كنيسة الملاك بدمنهور، فيوضح أن البابا تواضروس كان منذ صغر سنه في حركة دءوبة ونشاط دائم داخل الكنيسة، وظل يحضر مدارس الأحد ويقول: "كنت أب اعترافه - أي مرشده روحي - وطوال تلك الفترة كان نابغًا في دراسته وظل يخدم في مدارس الأحد، حتي أصبح أمين الخدمة وأمين الشباب، ثم درس في المعهد الإكليريكي بالإسكندرية.
وأكد أن أحد كبار الصيادلة في دمنهور في ذلك الوقت ويُدعي "الدكتور كمال مسعد"، عرض عليه العمل داخل صيدليته خلال فترة المساء وتقاضي أي مبلغ، إلا أنه رفض لاهتمامه بالتربية الكنسية للأطفال داخل الكنيسة وحتى يجد الوقت الكافي لها.
أما الدكتور "بشارة عبدالملك" عضو المجلس الملي، أشار إلي أن البابا تواضروس كان معروفًا بين زملائه بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، بقدرته علي تسجيل المحاضرات التي يلقيها الأساتذة حرفيًا وبكل دقة نقلاً عن المحاضر في تنسيق وخط جميل للغاية، ولهذا كان يستعين بدفتر مُذاكرته التي يُسجل فيها المحاضرات، وعبر "بشارة" عن فرحة الشعب القبطي كافة، باختيار البابا تواضروس، قائلاً "يكفي أنه تربية وتلميذ الأنبا باخوميوس الذى تزامن يوم اختياره كبابا بيوم مولده، كما أنه أخذ من الأنبا باخوميوس الحكمة والتواضع وحُبه للشباب والأطفال مُؤكدًا أن ذلك اختيار الله.
 
دلالات .. ومُفارقات
 
ويُعد "الكرسي المرقسي" أعظم هدية منحته السماء للأنبا تواضروس - أسقف البحيرة - في يوم ميلاده الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم الذي أجريت فيه القرعة الهيكلية، ليكون على رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية راعيًا وأبًا، بل يُعد هذا اليوم تكريمًا لنيافة الأنبا باخوميوس القائمقام البطريرك - مطران البحيرة ومطروح والخمس مُدن الغربية - الذي تتلمذ على يديه الأنبا تواضروس على مدار 42 عامًا، والذي يُعد بمثابة أعظم هدية قدمه نيافة المطران الأنبا باخوميوس لشعب مصر كبطريرك للكرازة المرقسية، وخليفة للقديس مارمرقس الرسول "كاروز الديار المصرية" مؤسس الكرسي المرقسي في القرن الأول الميلادي.
وأيضًا لاسم "تواضروس" معنى، فهي كلمة لاتينية معناها "قربان الله" أو "عطية الله"، وقد أبدت جموع الأقباط ارتياحًا لاختيار العناية الإلهية للأنبا تواضروس لمنصب بطريرك الكنيسة القبطية ليكون هو هدية أو عطية الله، خاصة أنه علي مدار أكثر من 15 عامًا كأسقف لم يختلف مع أحد أو يدخل في خصومة مع أي إنسان.
ومن المُفارقات العجيبة أن دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون الذي وضع فيه جثمان قداسة البابا شنودة الثالث - حسب وصيته والذي ارتبط به قداسته منذ بداية باباويته - هو نفس الدير الذي ترهبن وتتلمذ فيه نيافة الأنبا تواضروس، فذهب البابا شنودة إلى هناك ليُرسل لنا خليفته من نفس الدير.
ومن اللافت أنه عندما ظهرت نتيجة القرعة الهيكلية مُعلنة أن الأنبا شنودة - البابا شنودة الثالث - هو البطريرك القادم، كان قداسته مُعتكفًا هناك بالدير، وهذا نفس ما حدث مع نيافة الأنبا تواضروس حينما كان مُعتكفًا في نفس الدير في الفترة ما بعد الانتخابات وحتى إجراء القرعة الهيكلية، ليتلقى خبر فوزه بمنصب البابوية وهو داخل دير الأنبا بيشوي، وهو يُعتبر من الأديرة التي نالت اهتمام البابا شنودة الثالث من ترميم وتعمير، بل حرص قداسته علي إنشاء المقر البابوي داخل الدير منذ عام 1976، بالإضافة إلى أن كلاً من البابا شنودة الثالث والبابا تواضروس كانا يحتلا المركز الثاني في الانتخابات البابوية.
ومن البطاركة الذين تخرجوا في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون اثنان من الآباء البطاركة هما "البابا غبريال الثامن" البطريرك الـ97 من بطاركة الكنيسة القبطية (1587- 1603)، و"البابا مكاريوس الثالث" البطريرك الـ 114 من بطاركة الكنيسة القبطية (1944- 1945).
العودة إلي أعلي
آمال وطموحات البابا
 
وعن رؤيته لمُستقبل الكنيسة قال الأنبا تاوضروس في أول تصريح لقداسته "يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر وأن نجعل فصول إعداد الخدام من أولوياتنا فالخدمة هي التي سوف تصنع نهضة جديدة داخل الكنائس سواء بمصر أو ببلاد المهجر".
ويُطالب الأنبا تواضروس بإنشاء معهد لإعداد خدام كنائس بالمهجر لإطلاعهم على الثقافات المختلفة في الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، مُعتبرًا أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري، فهو يرى ضرورة لم الشمل بين الكنيسة وأقباط المهجر من جهة والكنيسة والشباب المسيحي من جهة أخرى، ويدعو المسيحيين إلى الاندماج في المجتمع من خلال التعليم ووسائل الإعلام.
ويُعتبر الأنبا تواضرس أن باب الكنيسة هو صمام الأمان للكنيسة وللدولة، مؤكدًا ضرورة استمرار العلاقة الطيبة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، وطالب وسائل الإعلام بالتركيز على القيم المُشتركة بين الجانبين لنبذ التطرف ودعم الوحدة الوطنية، وأما عن أقباط المهجر فهم عند "البابا تاوضروس الثاني" مصريون يتمتعون بـ"مسيحية مصرية الطابع".
ويُعد تواضروس الثاني من أنصار أن تركز الكنيسة على الشئون الدينية وألا تتدخل في السياسة إلا في حالات إستثنائية، ويؤمن بالثورة وشبابها، ويُشدد على إقامة قنوات اتصال مع الشباب، داعيًا الخدام إلى ابتكار وسائل حديثة في الخدمة، بهدف اندماج الأقباط في المجتمع سياسيًا وإعلاميًا.
وتعكس محاضرات سابقة للأنبا تواضروس إدراكه لضرورة أن تواكب الكنيسة العصر والتغيرات التي تحدث في المنطقة والعالم، حيث قال في محاضرة لخدام في الكنيسة عام 2009 بعنوان (كن مُستعدا للتغيير): "التغيير سمة إنسانية ووصية إلهية... ورغبة دفينة عند كل إنسان."
وأضاف الأنبا تواضروس "احذر أن تتجاهل التطوير الذي يحدث في العالم كله .. احذر أن تتجاهل أننا نعيش في قرن أو زمن يتجدد ويتغير خلاله العالم باستمرار، فيجب أن تكون حيًا مع زمنك ومُتفاعلاً معه".
 
 
تحديات المرحلة القادمة:
 
تتحدث الأوساط المصرية عن التحديات التي ينتظرها البابا الجديد بعد ثورة يناير 2011، خاصة وأن مصر تعيش ظروف سياسية صعبة.
فمن جانبه قال الأنبا باخوميوس قائم مقام البطريك إن من واجبه تقديم تقرير مفصل بشكل بسيط عن المدة التى قضاها قائم مقام البابا، مؤكدًا علي أن كل الآباء الذين رشحوا لمنصب البابا مخلصون للكنيسة، وليس لديهم مبدأ السعي وراء المنصب، ولا يوجد مصطلح الصراع على السلطة داخل الكنيسة.
 
ووجه باخوميوس عددًا من النصائح للبابا الجديد، ومنها إعطاء أولوية الدستور الجديد والجمعية التأسيسية وأهم النصوص المتعلقة بأقباط مصر.
 
وأضاف فى حوار تليفزيوني خاص له أنه علي البابا الجديد أن يبدأ وفور تنصيبه الرسمي في فتح ملف لائحة بابا البطريرك، وإعداد التنظيمات الخاصة بالرهبنة، والمعاهد الاهوتية الخاصة بالتعليم، وموضوع قانون بناء الكنائس الجديد، لأنه يسبب إشكالاً كبيرًا في الوضع الراهن، وكذالك الكنائس التي بنيت منذ أكثر من عشر سنوات وتتم فيها مُمارسة الشعائر ولم تأخذ تصريحًا أو قرارًا جمهوريًا بالاعتراف بها .
وحول ملف الزواج الثانى بالنسبة للأقباط أشار باخوميوس أن البيروقراطية، هي التي تقف مانعًا في حل هذا الإشكال، وكذلك حتى يسمح للأقباط بالزواج الثاني بتصريح كنسي، يجب أن يتم الانفصال المدني في المحكمة ويجب أن يتم بقرار، وأشار إلى أن وظيفة البابا روحية ولكنها تفرض على من يتولاها ظروف وواجبات سياسية للقيام بمسؤليته تجاه شعب الكنيسة.
 
وقال الأنبا باخوميوس لدينا وصية باحترام الرؤساء، ودعى إلى الاعتماد على مبدأ الشفافية والاحترام بين الأديان والتي نستطيع بها أن يعيش الشعب المصري في أمان، ويجب أن تسن القوانين لحل المشكلات لتجنب الوقوع في الأهواء الشخصية .
وأوضح الأنبا باخوميوس في اتصال هاتفى لبرنامج "صباح الخير يا مصر" بالتليفزيون المصرى الاثنين أن البابا البطريرك سيكون أمامه ملفات كثيرة دينية وقانونية ورعوية وتعليمية وغيرها ومتابعة بناء الكنائس وتعميرها وصيانتها وغيرها مشيرًا إلى أن البابا البطريرك سيكون بصحبته مُعاونين وسكرتارية خاصة ومُستشارين قانونيين.
ولفت الناشط القبطي في المهجر مايكل منير الى أن "أمام البابا الجديد ملفات كثيرة تتطلب سرعة التعامل معها"، مُوضحُا أن أبرز القضايا هي الضغط لإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، وتوفير تمثيل سياسي مناسب للاقباط، وضمان إصدار دستور لجميع المصريين".
ومن جانبه طالب منير فخري عبدالنور، وزير السياحة السابق والقيادي في حزب الوفد، بضرورة أن يكون لدى البابا مركز للدراسات وسكرتارية مُتخصصة ومُحترفة وتعمل على إعادة صياغة العلاقة مع الدولة والشباب، ومع مؤسسات الكنيسة التي تطورت تطورًا كبيرًا خلال الأربعين عامًا الماضية وتوسعت بصورة كبيرة، مع ضرورة إعادة تشكيل المجلس الملي.
وشدد "عبدالنور" على أن الأنبا تواضروس مؤمن بتقوية العلاقات الوطنية ومواجهة التطرف من أجل بناء المجتمع المصرى بصورة سليمة، ويجب أن يتم التعامل بحكمة كبيرة مع قضايا التطرف.

"باخوميوس".. مُطران برتبة بطريرك:
 
بقدر اهتمام وشغف الناس في انتظار قدوم بابا جديد للكنسية القبطية الأرثوذكسية، بقدر ما يُنظر إلى الفترة الانتقالية التي مرت بها الكنيسة بعد رحيل البابا شنودة في 17 مارس/آذار الماضي، وكيف أديرت أمورها بروح المحبة بالتعاون بين شعب الكنيسة والإكليروس، وكذلك المجلس الملي العام والمجمع المقدس الذي يضم كافة المطارنة والأساقفة الأجلاء ومعهم هيئة الأوقاف القبطية، فقد أثبتت الكنيسة خلال الفترة الماضية بأنها كيان مؤسسي يتعاون في إدارتها كافة قطاعات الكنيسة بحُب وتفاني وإنكار للذات.
 
حكمة الأنبا باخوميوس
في خضم مراحل انتخاب واختيار البابا 118، تعلقت القلوب والأنظار بشخص نيافة الأنبا باخوميوس، والذي يتسم بحكمة روحية وحزم شديد في إدارة شئون الكنيسة على مدار 8 أشهر منذ رحيل قداسة البابا شنودة الثالث، والذي وصف بـ "ربان الكاتدرائية الماهر".
 
لاشك أن الكاتدرائية قدمت نموذجًا فريدًا في انتقال السلطة، فقد كان الأنبا باخوميوس قائدًا انتقاليًا رائعًا.. فإذا كان الشعب سيحتفل بالبابا الجديد، ينبغى أيضًا أن يحتفل بنيافة الأنبا باخوميوس .. لقد كان حكيمًا منذ لحظة تلقى طلبات الترشح .. جعل الانتخابات درسًا ونموذجًا رائعًا.. أجرى تصفيات بالاقتراع المُباشر .. قدمت الكنيسة حُسن النية، حين استبعدت أسماء بعينها .. اختارت من يصلون للوطن .. اختارت من يقدمون المحبة على غيرها .. في الفترة الانتقالية، حافظ الأنبا باخوميوس على هدوء الأوضاع .. لم تعرض للائحة 57 المطلوب تغييرها .. ولو شاء لفعل خاصة أنها تعكس رغبة شعبية .. ترك كل شىء للبابا الجديد .. لم يُرشح نفسه لكرسى البابوية .. لم يستغل مكانته ليبقى .. عالج كل شىء بحكمة وثقة واقتدار..
 
المعلومات المُتاحة عنه كانت محدودة .. الكنيسة لم توزع كتابًا باسم المرشحين الثلاثة للبابوية .. لكنها قدمت انتخابات رائعة .. تجنب فيها الأنبا باخوميوس متاهات كثيرة .. فلا ينبغى أن ننساه في الزحام .. قائد كبير ضرب مثلاً رائعًا على تداول السلطة..
 
وأشار إلى أن واجب الكنيسة يزداد أهمية خلال هذه الفترة في حفظ السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والتعاون الكامل لحل مشكلات الوطن‏، مشيرًا إلى أن المادة الثانية من الدستور "الإسلام دين الدولة‏ ‏والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" ليست مُشكلة طالما أن الأقباط لهم الحرية في شريعتهم دون قيود، مُعربًا عن رفضه مُشاركة الكنيسة في الحياة السياسية إلا فيما يخدم هدفها الروحي.
 
وأضاف أن الكنيسة مؤسسة روحية، ويجب أن يكون لها تدخل في المواقف السياسية، فمثلاً بناء أى كنيسة تقوم بعملها الروحي هو عمل سياسي لأنه يحتاج لقانون، فضلاً عن مناقشة حقوق الأقباط في الجمعية التأسيسية هو عمل سياسي يصب في خدمة الكنيسة ويخدم الهدف الروحي.
خاتمة:
بانتهاء صخب انتخاب واختيار "البطريرك 118" والتي تلاها باقات التهنئة على كافة المستويات الرسمية والشعبية من الداخل والخارج للبابا "تواضروس الثاني"، أصبح الآن البابا الجديد على محك مسئولية كبيرة وجسيمة، أهما توحيد الصف المسيحي القبطي، والعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية التي تعيشها مصر منذ التاريخ، وإعداد جدول أعماله بحكمة ليشمل كل آمال وطموحات الشعب، والعمل على تقريب وجهات النظر بين السيطرة الإسلامية في الحُكم في مصر وبين مطالب الأقباط القديمة والجديدة، والعمل على تلافي الأخطاء والسلبيات التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، خاصة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، من أجل يُنعم الله على مصر بالسلام والخير والطمأنينة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.