الأقباط متحدون - ساعة النحس يوم الجمعة
أخر تحديث ٠٧:٠٢ | الجمعة ٩ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢٩ بابة ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٣٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ساعة النحس يوم الجمعة

بقلم: محمد حسين يونس
من أقوال والدتي المأثورة ((القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود ))،
((قلبي علي ولدى إنفطر وقلب ولدى علي حجر ))،((دارى علي شمعتك تقيد ))،(( يوم الجمعة فيه ساعة نحس )).

وكنت في طفولتي أتقبل جميع هذه الامثال بما في ذلك أن قلبي حجر فيما عدا حكاية يوم الجمعة هذه فلقد كان العطلة الاسبوعية ونستطيع أن نستيقظ متأخرا قليلا فنجد طقوس الاستحمام في إنتظارنا ،الوابور الجاز (موقد كيروسين ) يعمل بصوت رتيب في الحمام وفوقه صفيحة الغليِّة ممتلئة بالماء المتصاعد منه البخار يعطي للمكان رؤية ضبابية ورائحة مميزة هي خليط من رطوبة الماء المختلطة بحرق الوقود ،وكنا ندخل الحمام بالدور مع توصيات متكررة من الوالدة لكل منا ((إدعك رقبتك كويس ))، ((رغي الصابون علي الوش الخشن من الليفة ))((متنامش جوه فيه غيرك عايز يستحمي )) وكنا لا نستخدم الا صابون نابلسي فاروق لأنه مصنوع بزيت زيتون ومفيد للشعر ، بعد أن نصبح ((فله )) نلتف حول مائدة الافطار حيث نجد،فول تم تدميسه في المنزل ،بيض مسلوق مع الفول،جبنة قريش بالزيت،عيش أبيض خارج من الفرن مفقع ،شاكوريا،خس،جرجير،بصل أخضر والمتيسر من مخللات البيت سواء كان زيتون أو لفت .

بعد الافطار كان من الممكن أن نذهب للسينما مع كيس فشار او غزل بنات نشاهد نشرة الاخبار المصورة للملك فاروق والاميرات الجميلات،فيلم كارتون لميكي ماوس ُثم طرزان في الادغال أو مغامرات كينج كونج أو الفرسان الثلاثة،وقد نواصل بعد العرض الذهاب الي صالة الباتيناج نلعب ونتزحلق أو نعود للمنزل نمص قصب ونضحك من قلوبنا ..عندما كبرنا أصبح طقس صلاة الجمعه وسماع سورة الكهف((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نورا من تحت قدميه الي عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين )) وأدعية المؤذن جميل الصوت في سيدنا الحسين رحلة تستحق العناء في جو صوفي خالص ثم جولة في الحي الجميل نعود منها بالبخور والفواكه وفي بعض الاحيان بالكتب المرصوصة علي سور الازبكية. ولم تكن هناك ساعة للنحس التي كان يصر كل من نكلمه من الكبار علي أن يقص علينا ما صادفه من أحداثها

بمرور الوقت عرفت الاسباب فلقد ترسب في الذاكرة الجمعية للمصريين ما كان يحدث في زمن الاحتلال العربي والعثماني من تطبيق الحدود بعد صلاة الجمعة، كانت تفصل الرقاب و تسيل الدماء وتقطع الايدى ويجلد المذنبين وترجم السيدات أمام الجميع وكنت أتفزز من مجرد سماع أن هذا حدث فما بالك بمن أجبر علي مشاهدته،هذه المناظر السادية شكلت علي مدى الزمن رعبا ظل يتبدى من خلال الامثال الشعبية رغم -الحمد لله- أن هذه الايام قد ولت وإنتهت.

خلال جمع ما بعد 25 يناير 2011 كانت مقولة والدتي تسيطر علي شعورى الواعي وأنا أشاهد الاف الشباب الذين يُضرَبون ويُشَوَهُون ويقتلون، ثم كيف تم إحتلال الشارع بواسطة الاوباش والمجرمين يسرقون المحال وماكينات صرف نقود البنوك ويتحرشون بالسيدات ويفرضون الاتاوات و يتحركون بالسنج والمطاوى والعصي يهددون ويزعقون بأشكال لم يكن ممكن أن تحدث الا بعد السماح لمطاريد تورا بورا وخريجي سجون النظام أن يعيثوا بيننا فسادا،إن نحس الجمعة أصبح يستمر حتي الساعات الاولي من اليوم التالي ليطل السبت مبتسما خجلا من أفعال يومه السابق.

ما بعد الانتفاضة ومن خلال الفوضي إستولي الاخوان المسلمين علي الحكم لترسي تقاليد جديدة ،فلقد قرر سيادة الرئيس أن يصلي كل جمعة في جامع مختلف وأصبح علي عشرة الاف مسلم الا يشاركون في الصلاة فرجال الحرس،الامن المركزى، وضباط البوليس يستيقظون من الفجر (قد يكون من الليلة السابقة ) يؤمنون المكان يحيطونه بالمدرعات والقوات المستعدة للاشتباك يجلسون دون طعام أو إستحمام بدون عمل الا ارهاب الارهابيين وعمل مظاهرة أمنية تتحول لدى السكان المحيطين الي كابوس يمنع تجولهم و يراقب تحركاتهم ويفرق تجمعاتهم فالرئيس يصلي هو وجماعته وأهله وعشيرته ولا يجب الاقتراب .

أعباء الصلاة الرئاسية إمتدت وتوسعت وطالت رجال الاعلام و التلفزيون الذين سينقلون الزيارة ومسئولي البلدية و الحكم المحلي الذين سينظفون المكان و ينقلون أكوام القمامة الي أماكن تختفي عن أعين عشيرة سيادته ورجال وزارة الاوقاف الذين عليهم فرش سجاد خاص لجبهة سيادته عند السجود والباعة الجائلين الذين يتكسبون يوم الجمعة من الوقوف امام الجامع لتلبية احتياجات المصليين . و السكان الذين إعتادوا علي الصلاة في هذا الجامع وحرموا من دخوله وإذا دخلوا حبسوا بداخله حتي ينصرف الموكب بما يحمل من ثروة قومية كالدر النضيد.

عندما يقف سيادته بعد الصلاة بين الجمع السعيد يتوعد ويهدد المنافسين الذين كانوا بالامس القريب ثوارا ((البعض يتصورأن العين لا ترى فلا يغرنكم حلم الحليم))أو ((الثورة لها إرادة والارادة الثورية باقية ومستمرة وستبرزكلما لزم الامر))((مستحيل أن يرحم شعب مصر أو رئيسه أى فاسد )) فهنا تصدق مقولة أمي عن يوم الجمعة الذى لم يعد به ساعة نحس لقد أصبح بكامله نحس .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter