بقلم: إسحاق وليم ملاك
قد تكون الكلمات لا تصف مقدار شكري لنيافة الحبر الجليل القائم مقام للبابا شنودة الثالث، الأنبا :باخوميوس" الذي علمنا دروسًا عدة، منها:
- علمت المصريين معنى إدارة الفترة الانتقالية - كما وصفك أحد الإعلاميين- لكنيسة كبيرة ممتدة في ربوع العالم، مع أنك لم تدرس، كما أظن، فنون إدارة الدولة، ولا خطط التنمية، والنهضة الاقتصادية، ولم تكن يومًا دبلوماسيًّا رفيع المستوى كما يقولون، ولم تدرس فروع التنمية البشرية من إدارة الوقت وإدارة الأزمات، لكنك نجحت بامتياز وبجدارة في قيادة كنيسة كبرى مثل كنيستنا، بقوة الروح القدس، الذي هو كلمة السر في نجاح قيادة قادة الكنيسة العظماء حتى لو مروا بأعصب الأزمات.
- أجبرتك حساسية المسؤولية التي تعلمتها كراهب قبل أن تكون أسقفا، بعد إعلان شيخ الرهبان الأنبا ميخائيل- أعانه الله- عدم قدرته على قيادة الكنيسة، في هذه الظروف الصحية التي يعانى منها. لم تتخل ولم تهرب من المسؤولية، مع أن حُجة كِبر السن، والرغبة في تجديد الدماء كانت حُجة جيدة، تعفيك من قيادة المسؤولية مثل سيدك، وسيد الخليقة كلها، السيد المسيح، الذي لم يهرب من التزامه، كإله بعلاج مشكلة الخطية، التي عانى منها البشر، ولم يجدوا، ولن يجدوا علاجًا آخر غير صليبك، الذي إن أتوا إليه، نالوا الفداء، وقبرك الفارغ، الذي إن شاهدوة فارغًا، تأكدت لهم قيامتك من الموت، ومجدوك أيها القدوس، فحياة الرهبنة، وقبلها الحياة داخل الكنيسة، تعلم أبناءها أن يلبسوا شخصية المسيح المضحية غير المتهربة من المسؤولية، وهي شخصية إذا اقتناها قوم لم ولن تطغى وتمنع شخصياتهم، لكنها ستقوِّمهم وتقويهم.
- تعاملت مع المسؤولين ببساطة الحمام، وبحكمة الحكماء، ولم تساوم، ولم تتنازل عن الالتزام بتعاليم السيد المسيح، وتعاليم الكنيسة وتاريخها تمامًا، مثل سيدك، الذي لم يقدروا أن يمسكوا عليه تهمة، ولا دليل إدانة، فاتهموه بما يُحسِّن موقفه، ويُظهر بطولته أنة محب للعشارين والزناة! وكذلك الفريسيون، الذين ملوا من عدم قدرتهم على اصطياد الأخطاء لك، فالسيد المسيح قاوم سلاح الكره والإرهاب، كما مع شاول الذي أصبح القديس بولس الرسول، والزنى كما مع السامرية الكارزة باسم المسيح، وهي لم تدرس الخدمة في مدارس إعداد الخدام، والسرقة والنهب كما مع زكا العشار، والقديس متى بالحب! إنه سلاح الحب الحقيقي، الذي قهر الإمبراطورية الرومانية، التي سدت الأبواب أمام المسيحية، فلم تعد قادرة أن تقاوم سلاح محبة المسيح المضحية، فانهارت معترفة بأن السيد المسيح هو الإله الحي. هكذا تعاملتَ سيدنا الأنبا "باخوميوس" مع هؤلاء الذين يبتسمون إليك أمام الكاميرات والفضائيات، لكن يُضمرون بغضًا وكراهية لكَ وللكنيسة، التي أنت منها، والإيمان الظاهر فيك أيضًا.
- نجحت في قيادة الانتخابات الكنسية، وبعدها القرعة الهيكلية بكل حيادية ونزاهة، مهتمًا بأن تخرج بشكل شهد عنه المراقبون، حتى مَن لا يعرف قوانين الكنيسة منهم، بأنها انتخابات "مثالية"، متمنين لبلدنا انتخاباتٍ مثلها، فكانت بسبب لإداراتك للانتخابات "نموذجًا" يتمنى أهل العالم الاحتذاء به؛ لتمهد الطريق لمن بعدك، وهو البابا "تواضروس"، لقيادة الكنيسة، فكنت كيوحنا المعمدان الذي قبل المشقة والجهد؛ ليُهييء الطريق أمام سيده رب المجد، الذي مازال ينادي للجميع حتى يومنا هذا برسالة المحبة.
- كنت صوتًا صارخًا بالحق هادئًا في نطقه والمناداة به، والغريب أن يقود الكنيسة تلميذك، الذي هو الابن الذي صار أبًا لأبيه، لكن هذا هو اختيار السماء، فها هى كنيستنا التي يسلم فيها جيل تلو الآخر القيادة للجيل الذي يليه، فها هي "التلمذة" التي أمرنا بها السيد المسيح في قوله (دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الارض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به.. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر) متى (18:28-20).
فالكنيسة بدون تلمذة، "كنيسة بلا مستقبل"، تدمر ماضيها بيدها، وتُسقط حاضرها بثباتها، فها هي الكنيسة الصحيحة كنيسة التلمذة المبنية، قبل أن تكون على تعاليم الآباء، تكون مبنية على تعاليم الكتاب المقدس ووصاياه.
في النهاية.. شكرًا أنبا "باخوميوس" على إداراتك الرائعة لكنيستنا الأرثوذكسية المصرية، فستظل في ذكرانا محفورًا مسيطرًا في الأفق كالنسر الذي مهما كبر في السن، مازال نسرًا يتجدد شبابُه يومًا بعد يوم! شكرًا لك على قيادتك، وعلى الدروس التي تعلمناها منكَ، وذكرتُ بعضًا منها في ذلك المقال الذي لا يوفيك حقك!