الأقباط متحدون - حول إلغاء البطاقة التموينية
أخر تحديث ٠١:٢٠ | الاثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٤٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

حول "إلغاء" البطاقة التموينية


بقلم: د.عبد الخالق حسين
 
أفادت الأنباء "أن مجلس الوزراء قرر يوم (6 تشرين الثاني 2012)، استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية توزع على المشمولين بالنظام المذكور بواقع (15) ألف دينار لكل فرد... واعتبر المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ، أن هذا القرار جاء للقضاء على حالات الفساد المرافقة لتوزيعها، مشيراً إلى إن الحكومة أضافت مبلغ 3 آلاف دينار لكل فرد على سعر المواد التموينية والمقدر بنحو 12 ألف دينار." 
أرجو ملاحظة العبارة التي وردت في قرار مجلس الوزراء: "استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية" وليس إلغاء البطاقة التموينية، كما ورد في معظم المقالات، ولذلك وضعت كلمة إلغاء بين قويسات التنصيص " "، للدلالة على عكس المعنى. 
 
وكأي عمل تتبناه الحكومة، (صح أو خطأ)، لقي هذا القرار معارضة تباينت بين الشدة والاعتدال، منها بدافع الحرص على مصلحة الفقراء، ومنها بدوافع انتهازية لتوظيف هذا القرار للكسب السياسي. لذا، أرى من المفيد مناقشة هذه المسألة بهدوء وموضوعية للوصول إلى وضع حل عادل يحمي الفقراء من العوز، ويحمي أموال الشعب من الضياع والفساد. 
 
إن نظام البطاقة التموينية جاء كضرورة لا بد منها بعد فرض الحصار الاقتصادي الأممي على العراق على أثر غزو صدام حسين للكويت عام 1990. واستجابة لمطالبة المعارضة العراقية آنذاك، وضعت المنظمة الدولية (برنامج النفط مقابل الغذاء) بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. ولهذا السبب وضعت حكومة البعث نظام البطاقة التموينية لمنع ثورة الجياع، وإلا لحلت كارثة مروعة في الشعب العراقي. 
 
وبعد سقوط حكم البعث عام 2003 استمرت الحكومات المتعاقبة بالعمل على هذا النظام لأسباب كثيرة منها، وجود شرائح واسعة من الفقراء والعاطلين عن العمل. ولكن مع ذلك، لم يخلو هذا النظام من سلبيات، منها: خلق مجال للفساد المالي، وجلب مواد غذائية فاسدة، ووصول هذه المساعدات إلى أناس هم بالأساس لا يحتاجونها لأنهم يتمتعون بدخول جيدة.
 
كذلك نسمع بين حين وآخر، تصريحات يطلقها قادة سياسيون يطالبون بتوزيع الثروات النفطية على الشعب بذريعة أن النفط ملك الشعب...الخ. وهذه الدعوات مشبوهة ولأغراض انتهازية ومكاسب سياسية حزبية ضيقة. فثروة الشعب يجب أن تبقى بيد الحكومة المنتخبة لتصرفها على الإعمار، والخدمات، ورفع المستوى المعيشي، والتعليمي والصحي...الخ، وليس توزيعها نقداً على الناس كرشوة لشراء الأصوات في الحملات الانتخابية.
 
لا شك أن مخلفات العهد البعثي البائد لا يمكن التخلص منها في سنوات، فهناك شرائح واسعة من الفقراء والأيتام والأرامل والمعوقين من الحروب العبثية والعمليات الإرهابية... وأصحاب الدخل المحدود دون مستوى خط الفقر. ولكن صحيح أيضاً أن ليس كل الذين يستلمون البطاقات التموينية هم فقراء كما أشرنا أعلاه، لذا فنظام البطاقات التموينية يحتاج إلى إصلاح دون شك. فلو استمر نظام التموين على وضعه الحالي بدون ضوابط، و استجيبت مطالبات توزيع الثروات النفطية على الناس، فهذا يعني تحويل الإنسان العراقي إلى إنسان يعيش ليأكل بدلاً من أن يأكل ليعيش. وهذا يؤدي إلى تفشي الكسل والخمول، وبالتالي القضاء على المحفزات التي تدفع الإنسان للعمل والبناء والإبداع والتقدم.
لذا، فترك نظام التموين على وضعه الحالي أمر غير مقبول، وكذلك منح كل فرد 15 ألف دينار بغض النظر عن وضعه المالي، كما جاء في قرارا الحكومة، أمر غير عادل.
 
من الحكايات التي كنا نسمعها في المقارنة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي في مساعدة الشعوب الفقيرة، أن الرأسمالي إذا أراد مساعدة شخص فقير قدم له المال نقداً لشراء احتياجاته، فما ان ينتهي هذا المال حتى ويعود الفقير الجائع إلى الرأسمالي يطالب بالمزيد، وهكذا يبقى مصير الشعوب الفقيرة بيد الأنظمة الرأسمالية. أما الدول الإشتراكية، فتساعد الفقير العاطل عن العمل بأن تقدم له عدة صيد السمك مثلاً، وتدربه، وتشجعه على العمل ليعيش من وراء هذا العمل. وهذا يعني أن الدول الإشتراكية كانت تساعد الشعوب الفقيرة بتقديم المساعدات على شكل بناء معامل ومدارس ومعاهد تدريب... الخ، كي تنهض هذه الشعوب وتتعلم كيف تحل مشاكلها الاقتصادية بنفسها.
 
هذه السياسية صحيحة حتى في العلاقة بين الحكومة والشعب في الدولة الواحدة. نعم، الثروة النفطية وغيرها من الثروات الوطنية هي ملك الشعب كما جاء في الدستور، ولكن هذا لا يعني أن تقوم الحكومة بتوزيع هذه الثروة على الناس على شكل هبات نقدية دون ضوابط. فالثروة النفطية هي ثروة ناضبة وليست ملك هذا الجيل فقط، وإنما هي ملك الأجيال القادمة أيضاً، ويجب أن لا يرحل هذه الجيل مشاكله المالية إلى الأجيال القادمة.
 
فمن واجب الحكومة أن تتصرف بهذه الثروة بعقلانية، وذلك عن طريق استثمارها ببناء الركائز الاقتصادية، مثل المعامل، والطرق، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والمحطات الكهربائية، ومشاريع إسالة الماء، والصرف الصحي وتقديم الخدمات...الخ، وبذلك تخلق ملايين الوظائف للعاطلين. كذلك مطلوب من الحكومة مساعدة الطلبة الفقراء بفتح الأقسام الداخلية المجانية للطلبة، وحتى تقديم المساعدات المالية لهم لتوفير تكافؤ الفرص أمامهم لإكمال دراساتهم الجامعية...الخ، وليس بتبديد الثروة بتوزيعها على الناس كيفما اتفق كما يطالب بها بعض السياسيين لأغراض انتهازية ودعائية حزبية رخيصة. 
 
ولحسن الحظ، انتبه شعبنا إلى هذه الدعوات المشبوهة، ففي انتخابات عام 2005 رفع الدكتور أحمد الجلبي، رئيس حزب المؤتمر العراقي، شعار: (توزيع واردات النفط على الشعب) وتطبيق ما يسمى بنظام ألاسكا...الخ، وحاول كسب أهل البصرة في دعايته الانتخابية برفع شعار (نفط البصرة لأهل البصرة)، ولكن مع ذلك لم يفز حزب الجلبي حتى بمقعد واحد في تلك الانتخابات. وهذا دليل على أن شعبنا لم يعد تنطلي عليه هذه الشعارات المشبوهة، ولا مقالات المتزايدين والمتاجرين بمآسي وبؤس الفقراء. 
 
ما العمل؟
وعليه فالحل الصحيح في رأيي هو، وضع نظام يشبه ما هو متبع في الغرب مثل الضمان الاجتماعي (social security)، ودفع مساعدات مالية للعاطلين عن العمل (unemployment benefit).
وهذا يتطلب وضع دراسة علمية رصينة من قبل خبراء الاقتصاد والمال والاجتماع لمعرفة المستوى اللائق من الدخل للعائلة العراقية وفق معدلات التضخم الاقتصادي والمستوى المعيشي في العراق. ومن هذه الدراسة يمكن معرفة خط الفقر، وعلى ضوئه تمنح الحكومة المساعدات المالية للعوائل والأفراد الذين يعيشون دون مستوى هذا الخط. أما منح هذه المساعدات على شكل هبات مالية بدون ضوابط، وحتى للمقتدرين مالياً فهذا تبذير بل سرقة لأموال الشعب. إن ضخ الترليونات من الدنانير في السوق يؤدي إلى تضخم إقتصادي مريع (inflation) من نتائجها هبوط قيمة العملة ورفع أسعار السلع، وبالتالي تكون النتائج معكوسة، وأول المتضررين منها هم الفقراء.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــ
إلى الذين نصبوا سرادق العزاء للبطاقة التموينية
حسن أسد
 
عشرون عاماً كانت قد مضت على هروبي من وطني حين عدت إليه بعد تحريره من أعتى وأقسى طاغية عرفته الدنيا والتاريخ، صدام حسين . بفضل الرئيس الأمريكي جورج بوش سنة 2003 ..
لأن الموضوع الذي اخترت الخوض فيه هو قرار الحكومة العراقية إلغاء البطاقة التموينية اعتباراً من شهر آذار 2013 فلا داعي للتطرق إلى مشاهداتي وملاحظاتي التي قد يجدها القاريء العزيز هي محاولة مني لإطالة المقالة ليس إلا ...
خلال تجوالي في الشوارع والأزقة التي اشتقت لرؤيتها صادفت عربات تجرها الأحصنة أو الحمير، بأيدي قوادها قضبان حديدية يطرقون بها على قطعة اُخرى من نفس المعدن فتصدر صوتا عالياً ليتنبه السامعون لما سيصرخ به وهو: طحين ، تمن (رز)، حليب ، وكل شي، نبدلها بفلوس او بملابس وحاجيات منزلية جديدة !!! 
 
تعجبت حين استجاب البعض لندائه !!!!
استغربت من هذه الحالة، فاستفسرت من رفيقي عن سبب بيعهم لمواد البطاقة التموينية وتساءلتُ عن كيفية معيشتهم حتى الموعد الآخر بعد شهر ؟؟؟؟
رد عليَ قائلاً .. إنهم يبيعون الفائض منها، فالكمية التي تستلمها كل عائلة تزيد عن حاجتهم !!!!!
قلت: ولكننا في الخارج نسمع الكثير من العراقيين عند ظهورهم على شاشات الفضائيات يشكون من قلة المواد التموينية او فقدانها فنتألم لوضعكم ؟!!
إبتسم وهو يجيب: لسنا أوربيون او يابانيون كي نرضى بالواقع وقت الأزمات، بل نحن عراقيون شكاة متذمرون. في العهد السابق كانوا يخرجون في تظاهرات شكر لصدام حين كان يزيد حصة كل عائلة عراقية دجاجة في شهر رمضان (كمكرمة) منه، أما الآن فبإمكان كل فرد شراء دجاجة يومياً مع ذلك تجدهم يتذمرون. الناس في العراق الجديد صاروا كنار جنهم حين تُسأل: هل إمتلأتي فتجيب: هل من مزيد ؟!!!!
وأضاف: ألم يلفت نظرك إنتزاع شبابيك غرف البيوت المطلة على الأزقة والشوارع من قبل أصحابها ليحولونها إلى سوبر ماركتات؟. حدق في اللافتات الموضوعة فوقها، هذه سوبر ماركت اُم عطية، وتلك سوبرماركت الحاج راضي، وهناك سوبر ماركت ابو محمود. ملاكها ينافسون اصحاب العربات الذين يشترون المواد التموينية من الراغبين ببيعها. المضحك هو أن غالباً ما يعود الذي باع حاجياته لشراء بعضها من المشتري بضعف سعرها حينما يزوره ضيف لم يتوقع قدومه !!!!
 
رفيقي طرح عليَّ السؤآل التالي: كم تعتقد هو عدد العراقيين المتواجدين في خارج الوطن؟ 
اجبته: يقال بأن عددهم يتجاوز الخمسة ملايين فرد ..
قال: صدقني إذا قلت لك بأن أكثر من سبعين بالمائة منهم يستلم أهاليهم او أقربائهم او معارفهم حصصهم التموينية هنا في العراق!!
هنا التفتَ إلىً متسائلاً: خلال وجودك هنا، ألم يطلب منك أحد ممن كنت عندهم عن هويتك الشخصية؟ 
أجبته: نعم ، فلقد طرح عليَ هذا السؤآل عدة مرات عند زياراتي لمعارفي .. وكنت أرد عليهم بالنفي. ولكن لم أعرف لحد الآن سبب سؤآلهم عن هويتي، هل ليتأكدوا من أني حسن أسد ؟؟ 
قهقه رفيقي قائلاً: لا يا حبيبي، بل ليحصلوا بها على بطاقة تموينية كما فعلوا مع الآخرين كما قلت لك سالفاً !!!!!!
هنا تذكرت واقعة حدثت ليَ في السويد إذ قال أصحابي الذين قدمت لهم لبناً صنعته بنفسي من حليب طازج اشتريته من راعي أبقار مباشرة طالباً منهم إبداء رأيهم بطعمه.
 
إن اُم حسين تصنع لبناً أطيب مذاقاً من لبنك .. 
اتصلت باُم حسين مستفسراً منها عن نوعية الحليب الذي تستخدمه في صنع لبنها، فأجابت: ابني، هذا الحليب لا يوجد منه في السويد! 
قلت: أين يتواجد إذنْ ؟؟؟
قالت: في العراق، إنه حليب مجفف ضمن الحصة التموينية التي توزع على العراقيين... ابنتي التي هناك تبعث لي شهرياً حصتنا منها .....
مناسبة كتابتي لهذا المقال هي إستلامي لإيميل يطالبني مرسله التوقيع على مطالبة الحكومة العراقية إلغاء قرار بإنهاء العمل بالبطاقة التموينية إعتباراً من شهر آذار 2013 ..
 
العجيب والغريب هو أن المطالبين بالإبقاء على البطاقة التموينية هم أنفسهم الذين لطالما دبجوا المقالات الهجومية على فساد الوزارات والهيئات وجميع مسؤولي عملية البطاقة التموينية واتهموهم بالثراء والسرقة من جراء حصولهم على الكومشين عند توقيع العقود مع المستوردين لموادها وطالبوا في كتاباتهم الحكومة إلى إلغائها وإيجاد بدائل لها .. 
واليوم وبعد أن قررت الحكومة إستبدال البطاقة بالمال نقداً، نجد نفس تلك الأقلام تشن هجوماً شرساً على القرار وتدعو إلى إبطاله !!!! 
 
وأخيراً، إن الذي يرفض إلغاء عملية البطاقة التموينية إنما يعمل لتكريس ثقافة إذلال المواطن العراقي بإبقائه مستمراً على انتظار قدوم قوته إليه بدل الذهاب بنفسه بحثاً عنه. 
يقول برناردشو : "يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال، ولكني لا اُؤمن بالظروف، فالناجحون في هذه الدنيا اُناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها، فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم".
في الختام أقول: لتصير قيلولة ظهيرة العراقي أقل وقتاً من نوم ليله .. 
 
حسن أسد 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع