أحمد الخميسي 

لأن الأدباء شعب عنيد دؤوب فإن بعضهم وفقا لفيس بوك يواصل الابداع حتى بعد قرن من وفاته، لأن الموت لا يعوق الأديب عن الكتابة حتى في أصعب الظروف! وها نحن نقرأ مؤخرا في فيس بوك قصة جديدة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف الذي توفي في 1904، تحت عنوان " من أعنف ما كتب في الأدب الروسي" ، وفيها يحكي الراوي أنه بعد وفاته  جاء إليه أحد الملائكة: " يحمل شيئا يشبه شاشة التلفاز، وأخبرني أن التوقيت بين الدنيا والآخرة يختلف كثيرا، ثم قام الملاك بتشغيل الشاشة فظهرت زوجتي مباشرةً تحمل طفلاً صغيرا"..إلى أخره. المشكلة أن تشيخوف عاش وتوفي ولم تكن روسيا قد عرفت بعد التلفزيون الذي ورد ذكره في القصة، إذ  ان البث التلفزيوني لم يبدأ هناك إلا عام 1939، أي بعد وفاة الكاتب بخمس وثلاثين سنة، وبداهة لم يكن تشيخوف ليكتب عن شيء لم يره ولا عرفه قط.
 
وفي ذلك السياق تظهر أقوال كثيرة تنسب إلى زعماء وأبطال لم ينطق أحدهم بحرف منها، مثال ذلك ان يرد على لسان جيفارا مع صورته:" إذا أردت أن تحرر الانسانية فضع السيجار في زاوية فمك وانطلق إلى الأمام" ! ومثل هذا الهجس كثير ومنتشر، ولا سبيل لوقفه أو تصحيحه. ومع أن نحو أربعين عاما تفصلنا عن رحيل الشاعر الكبير صلاح جاهين إلا أنه يرسل إلينا من العالم الآخر قصيدة يقول فيها: " عجبي عليك يا مصر يا سابقة في كل عصر..وإزاي نصدق وعدك وأنتي هاريانا فشر". ويتناقل الكثيرون ذلك الهراء الذي لا يمت بصلة للشاعر الكبير على أنه من إبداع جاهين.
 
ووفقا لما جاء في فيس بوك فإن نجيب محفوظ الذي توفي عام 2006، مازال يكتب لنا ما لم نقرأه قط في حياته، ومن ذلك ما نشروه  مصحوبا بصورته:" حافظ على الجزء التافه في شخصيتك، الجزء الذي يجعلك تضحك بلا سبب، وترقص بلا سبب، وتبكي بلا سبب، وتصرخ بلا سبب، وتحب بلا سبب، وتكره بلا سبب، ولا تسألني ما السبب".
 
وبداهة فإن هذه الأقوال التي تتمحك في الظرف والرشاقة لا تمت للأستاذ الكبير بأي صلة. الا ان تلفيق الأقوال، والحوارات، واللقاءات الصحفية  مسألة أقدم بكثير من ظهور وانتشار وسائل التواصل الحديثة، وبذلك الصدد يقول جابريل جارثيا ماركيز في أحد مقالاته إنه استيقظ ذات يوم في سريره بمدينة مكسيكو وطالع الصحف فإذا في إحداها خبر مطول عن أنه ألقى محاضرة أدبية أمس في مدينة بالمادي بجزر الكناري.
 
ويضيف ماركيز: " إن المراسل الصحفي لم يكتف بسرد تفصيلي للحدث، بل وقدم عرضا موجزا للمحاضرة التي ألقيتها، ولم يكن في كل ذلك سوى عيب واحد أنني لم أكن في تلك المدينة منذ عشرين عاما، كما أنني لم ألق طوال حياتي محاضرة واحدة عن أي موضوع في أي مكان بالعالم". التلفيق قديم، لكن وسائل التواصل أفسحت له مجالا كبيرا حيث تنعدم أي مراجعة أو تصحيح وتدقيق، وبعض ذلك التلفيق يتم بحسن نية، نقلا عن اخرين، وبعضه لأن الناس أحيانا ينسبون خواطرهم الشخصية إلى كاتب عظيم لكي يحيطوا خواطرهم بهالات الاعجاب، حتى لو كانت موقعة باسم آخر، المهم أنه كفيل بجلب التقدير لهم.