بقلم :سوسن ابراهيم عبد السيد
رب اسرة يرجع فى نهاية اليوم بعد ساعات عمل شاقة منهكا..غاية امنيته ان تلتف اسرته حوله ليتناول وجبة العشاء معهم و هم يشاهدون البرامج التلفزيونية..فيبدأ بتلك القنوات التى تبث فى مثل ذلك الوقت برامج "التوك الشو" اذ انها اصبحت تستهل حوارتها باهم الاخبار التى حدثت على مدار اليوم...و بعد ان ينتهى من سماع الاخبار ..يسرع بتغيير القنوات ..الى ان يعثر على فيلم او مسرحية ينهى بها سهرته..اللهم اذ ما جذبته احدى هذه البرامج الحوارية بموضوع شيق ..او ضيوف لبقين فيتابعها حتى يغلبه النعاس فيخلد الى النوم.
ما سردته سابقا ..هو تقريبا العادات المتبعة فى معظم البيوت المصرية و العالمية..
تخيلوا معى لو لم يكن رب هذه الاسرة مصريا و لنفترض مثلا انه فرنسيا ..و فتح التلفزيون ليجد احد هذه البرامج مستضيفا لشخصية تحلل و تهدد و تتوعد بنسف برج ايفل اذ انه لا يتفق و معتقداتها ...او كان امريكيا فوجد ان شخصية اخرى تبرر بكل ما تحمل من ضحالة فكرية جريمة قتل لمفكر عظيم..و بنفس مفردات الكلمات -بعد ادخال بعض النصوص الدينية- تجد اخر يبرر اغتصاب الاطفال ...و غير ذلك الكثير و الكثير..اغلب الظن ان مئات القضايا كانت سترفع على تلك القنوات بتهمة نشر فيروس التجهيل و تهديد الامن القومى..و سيتخذ القائمون على شئون الحكم فى بلادهم كل الاحتياطات اللازمة لردع كل ما يهدد سلامها لانه يؤثر سلبا على مواردها الاقتصادية و السياحية و مكانتها العالمية .
و لكن لاننا نختلف عن الاخرين..فلقد اجتمعت كل تلك الشخصيات فى الفضائيات المصرية و على مختلف القنوات ليصبحوا بين ليلة و ضحاها نجوما تلوح فى الافق ...و الغريب ان هناك من المذيعيين من يبرر استضافته لهؤلاء بمبرر واه الا وهو معرفة و كشف كل الاراء حتى و ان كانت متشددة ..عملا بحرية الرأى و الرأى الاخر..
و كأنه من المفترض فى دولة تخطت فيها نسبة الامية ال 50% ان يكون كل المشاهدين على قدر عالى من التمييز بحيث يستطيع فرز الغث من السمين..فهل نسيتم او تناسيتم ان التلفزيون و الاقمار الصناعية غزت القرى قبل المدن..؟..الا يعلم هؤلاء تقديس المصرى لكل ما هو دينى او يرتدى الزى الدينى بحيث اذا قال ان هذا الشئ حرام..اصبح حراما بدون تفكير؟..
اذا كان السادة مقدمو هذه البرامج و المعدون لها صادقين النية فعلا فى اظهار حرية الرأى .كان عليهم ان ..يستضيفوا احد شيوخ و علماء الازهر الشريف الاجلاء - و ما اكثرهم للرد حجة بحجة - فالازهر كان و مازال منارة الاسلام و المرجعية الوسطية التى كان يأتى اليها من الشرق و الغرب كل الدارسين.
الاخطر من ذلك ان تلك التصريحات و بقدر ما تحمل من جراءة صاحبها فى البوح بها...الا انها تخفى فى طياتها ما لا يحمد عقباه..فاليوم هو تهديد لهدم الاثار الفرعونية..و غدا ستكون الاثار القبطية ..و بعد غد نسف كل ما و من هو مختلف معهم فى افكارهم...
الوضع جد خطير..و يعتبر جريمة فى حق الوطن لا يمكن السكوت عليها..
لقد احتملنا فوق طاقتنا طيلة عامين من خسائر مادية و معنوية و نفسية ناهيك عن وقاحة و تدنى الاخلاق لكل مختلف مع ما اسموها "ثورة" املا فى ان ينصلح الحال يوما و نبدأ فى العيش فى وطن جديد يحمل "العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية"...و لكن للاسف نحن نرجع بسرعة تفوق كل التوقعات الى الخلف مع انحسار كل الامال فى تقدم مرجو ...
الفقير ازداد فقرا و نسبة البطالة تضاعفت بعد هروب رؤوس الاموال تبعا للانفلات الامنى الذى نعانى منه ..لقد تشوهت صورة بلدنا بسبب تلك التصريحات غير المسئولة..انها ليست حرية تعبير...انها تجهيل للرأى العام فكثرة ترديد الشئ على مسامع البشر يجعله من الاشياء المسلم بها حتى و ان لم يكن منطقيا..
استخدام نظام الفزاعة لم يعد يجدى ..قبلا كنتم تقولون ان الاخوان هم فزاعة مبارك و اليوم تستخدمون السلفيين ليكونوا فزاعة الاخوان..و الشعب هو الوحيد الذى يدفع ثمن هذا التناحر السياسى..
اتمنى ان توجه كل الطاقات فى المرحلة المقبلة لبناء هذا الوطن المتداعى...قليلا من الحب له سيعطيه قبلة الحياة