بقلم: مى مجيب
للمرة الثانية أدخل مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وعلى بعد أيام قلائل من رسامة البابا رقم 118 ،قداسة البابا تواضروس الثانى. لم تتم دعوتى بشكل رسمى ، لكن أحد أساتذتى يعلم مدى اهتمامى بالشأن القبطى ، فطلبت منه أن يساعدنى فى الحصول على دعوة ، وبالفعل ذهبت لحضور حفل تكريم نيافة الأنبا باخوميوس ، "البابا الانتقالى" أو "البابا الذى لايحمل رقما" كما يُطلق عليه، وذلك تقديرا من الكنيسة وأبنائها لجهوده التى بذلها منذ رحيل البابا شنوده الثالث ،وحتى تنصيب البابا تواضروس الثانى يوم الأحد القادم.
وأنا فى طريقى إلى بوابة الكاتدرائية ،طلب منى الحرس أن أكشف عن "رسغى" لأنه المكان الذى يدق عليه الصليب،بدلا من أن يطلب منى البطاقة الشخصية ، فلم أتنبه لطلبه الغريب، ولكن كشفت عن رسغى الخالى من الصليب ليسألنى "هل تريدين حضور الحفل؟"، أجبت "نعم" ، قال: "أين دعوة الحضور؟" ،قلت: "لاتوجد معى دعوات". فاعتذر وقال لى "الحضور بدعوة"، قلت "لابأس أنا فى انتظار أستاذى".
وبالفعل حضر أستاذى الذى بمجرد أن ذكر اسمه ،فُتحت الأبواب ودخل إلى منصة القاعة ليلقى كلمته وفقا للجدول الموضوع ، لأجد نفسى وحدى لاأعرف أحد ،ولكن معظم الوجوه مألوفة بالنسبة لى ،فهذه وزيرة، وهذا كاتب، وهؤلاء محامون، وآخرون نواب سابقون، ومذيعون، وأطباء ونشطاء.... أعلم وجوههم جميعا، بل تعاملت مع الكثير منهم خلال إعداد رسالة الدكتوراه.
لايمكن وصفى ب"الخجولة" فدائما ماكان أصدقاء الدراسة يدفعون بى لمواجهة مدرس الفصل أو أستاذ المدرج من أجل إنهاء الحصة أو المحاضرة.. وكنت دائمة (الانصياع) لطلب أصدقائى ... ولكن لم أجد نفسى اليوم هكذا ، فبمجرد أن انشغل أستاذى بمهامه ارتبكت ،حتى أننى لم أجرؤ على اختيار مكان لأجلس فيه. وبعد أن ارتسمت ملامح الحيرة على وجهى، سألنى أحد الحضور: هل أنت بانتظار أحد؟ قلت "لا"، قال "فاجلسى بجوارى أنا وزوجتى". جلست أولا ، ثم شكرته، فكنت فى غاية الحرج والتوتر ،وكانت عيناى تركزان على أستاذى الذى ظل يهاتفنى ليطمئن على استقرارى بالمكان.
بدأ الحفل، وبدأت كلمات الحضور فى الانطلاق الواحد تلو الآخر ،حتى اختتم الكلمة الحبر الجليل نيافة الأنبا باخوميوس، والذى بدا لى –وأنا جالسة فى أقصى مكان بالقاعة- أكثر بساطة مما اعتدت علي وجهه فى وسائل الإعلام. وحتى ذلك الحين لم أتلفظ بكلمة واحدة مع ذلك الشخص الذى دعانى إلى الجلوس بجواره هو وزوجته.
بعد انتهاء الحفل وانهماك الحضور فى (العشاء) ،أخذتنى عيناى إلى أستاذى الذى غادر القاعة على الفور، وشعرت بحيرة من أمرى، هل أغادر أنا الأخرى، أم أحاول أن أتأقلم؟ اخترت الثانية، فتأقلمت مع جيرانى فى المكان أولا، تحدثنا فى كل شىء، واكتشفت أنه من الأطباء الشخصيين لنيافة القائم مقام ،وكل من بالقاعة يرحبون به ترحيبا شديدا ويعرفونه جيدا ، فانتهزت الفرصة ليثنى هؤلاء ترحيبهم به وبى أنا أيضا.
اتسعت دائرة معرفتى بالموجودين بالمكان ، فإذا بى أضرب بعينى لأجد دكتورة فى العلوم السياسية أيضا ،تتمتع بالصيت والشهرة ،تقابلنا منذ أربعة أشهر فى برنامج "توك شو" شهير، وأنا على ثقة أنها لاتذكرنى ، فقررت أن أذهب إليها لتحيتها ، ذهبت ،وبمجرد أن ذكّرتها ،قالت لى "أيوه فاكرة إن كان فى بنت حلوة قاعدة جنبى".. قلت لها "أكيد أنا البنت الحلوة"... فطلبت منى أن أذهب معها إلى الأنبا باخوميوس لتحيته ، فطلبت منها أن تمهلنى لحظات حتى أقدم له هديتى.
ذهبت وعاودت لأجد منظم الحفل يمنعنى من الوصول لنيافته ، فعدت إلى مكانى أجر أذيال الخيبة ،ليستفسر (صديقى) وزوجته عن السبب، وبمجرد البوح به ، قالا لى "فلنذهب لنيافته" ،وأثنت زوجته "متخافيش أشرف هيخليكى تسلمى عليه". ذهبت إلى المنصة لأجد كل من رأيتهم عند بداية الحفل عن قرب، كلهم يقفون فى صف لتحية الحبر الجليل والحصول على صور تذكارية معه. ودخل "الدكتور أشرف" وحرمه ، ثم اثنان من أصدقائهما، ثم أنا، لأسلم على نيافته ، فقام من على كرسيه وأخذ منى هديتى ، كتابى "الأقباط ومطالبهم فى مصر" وشكرنى كثيرا على اهتمامى بالموضوع ، وطلب منا المصور صورة تذكارية ، فقال له نيافته "انتظر يجب أن يكون الكتاب حاضرا فى الصورة". فأمسكت بالكتاب ، وشكرنى مرة أخرى وقال لى "شكرا يا..." ونظر إلى الكتاب ليقرأ اسمى، ثم أكمل "..يامى".
وبمجرد نزولى من على المنصة ، وجدت ثلاثة من الصحفيين يسألون عن اسمى ورقم هاتفى وموضوع الكتاب، ثم تلك الضيفة التى جاورتها فى برنامج "التوك شو" تطلب منى نسخة من الكتاب وتأخذ رقم الهاتف ، وتحيينى بحرارة، وتقول "أيوه افتكرتك"!
سُرق الوقت، ومر المصورون يلتقطون الصور للدكتور ، وأسرته، والتى اعتبرنى المصورون من ضمنها ، فاعتبرتها أنا كذلك أيضا ،ولم أشعر بالحرج الذى طاردنى مع بداية الحفل ،بل وتخلصت منه ، حتى أن الدكتور قال لى :"مى تليفونك رقمه كام؟ لازم نفضل على اتصال". فأعطيته الرقم ، وشكرته بشدة ثم انصرفت بعد أن قاربت الساعة الحادية عشرة مساء.
كان يوم جميل ،لكن حصاده كان أجمل!
مدرس العلوم السياسية
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة