بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد أمين
عظة الاحد .... 13/8/2023...

القمص انجيلوس جرجس شنودة
إنجيل اليوم يتكلم عن مثل الكرم والكرامين، و هو مثل كاشف جداً لصورة الحرب التي بين أولاد الله والشر في العالم هي حرب موجهه إلي الله نفسه، إلي تدبيره، موجهه إلي مملكة النور والخير، وتحمل قوة حقيقية، ولكن لأن الله أعطي زمناً بحرية للأختبار، ولإظهار الإرادة، فتأتي هذة الصورة في حالة صراع دائم بين النور والظلمة

فمنذ أن بدأ الله في تدبيره لخلاص البشر، وأعطي للإنسان بتدبيره الوعد أن "نسل المرأه يسحق رأس الحية" (تك 15:3) والشيطان في حالة ترقب لكل أعمال الله الخلاصية، حتي إنه لا يوجد نبي من أنبياء العهد القديم لم يُضطهد، ولم يضطهده الشعب القاسي، الذي في كثير من الأحيان يعمل فيه الشيطان.
وأعمال الظلمة أحياناً يحرك الشيطان ملوك وجيوش لأنهم تابعين له، ولكن السيد المسيح في هذا المثل قال حينما جاء الإبن بنفسه ليسترد ملكوته يقول:"تآمروا عليه" وهذا يعني أن الأشرار يعلموا ضد أعمال الله، وأحياناً تحركهم طبيعتهم الشريرة دون أن يُدركوا، الملوك الذين يثيرون حروب ويقتلوا شعوبهم، أحياناً يكون عندهم بعض الأمور التي تشعرهم أن هذا هو الحق.

والكنيسة إذن مضطهدة لأنها كنيسة تكمل عمل المسيح في العالم، وكل أولاد الله مضطهدين أيضاً، لأنهم في مرمي حرب الشيطان نفسه، لأن الشيطان حينما يريد أن يسيطر علي العالم بشره، ويجد هناك أصوات تحارب عمل الشيطان، وهناك مملكة حقيقية للمسيح بالكنيسة، يهيج الشيطان علي الكنيسة، وقد تخيل الشيطان في بداية حربه مع الكنيسة إنه يحمل قوة علي الأرض تستطيع أن تسحق الكنيسة، فقد رأينا العصر الأول للآباء الرسل، كان مجمع اليهود "السنهدريم" تخيلوا أنهم يصنعو خدمة لله حينما يدمروا الكرازة بالمسيح، ثم رأينا أيضاُ تدبيرات أمم وجيوش، عشرة أباطرة رومان بهياج شيطاني حاولوا أن يدمروا الكنيسة، وأنتهي هذا العصر بمرسوم التصالح الديني الذي أعلنه الأمبراطور قسطنطين عام 312م، لكن وإن كان السلام بهذا المنشور حل في العالم كله، إلا أن كنيستنا القبطية، وكل الكنائس التي تحمل سمات المسيح الحقيقي، كانت في مرمي الشيطان مرة أخري، حتي قسطنطنين نفسه الذي صنع سلاماً بين الأديان، وسلام في الكنيسة، أضطهد كنيستنا، فقد نفي البابا أثناسيوس، وأعاد آريوس، وسند التيار الآريوسي لفترة كبيرة، وكان إبنه قسطنطينوس آريوسي متعصب، أيضاً آريوسي متعصب، ولم يكن إضطهاده عادياً، ولكنه إضطهاد دفعت فيه كنيستنا دم شهداء بعشرات الآلاف، وأحياناً بمئات الآلاف، وحاول "فالنس" أن يدخل الأديرة ويخضع الآباء الرهبان للفكر الآريوسي، وحينما أنتهت فترة الأضطهاد الآريوسية دخلت كنيستنا في فترة إضطهاد الخلقيدونيين، الذين دفعت فيه كنيستنا دماءً كثيرة، وظل الإضطهاد الخلقيدوني عنيف جداً حتي أن هيرقل أرسل هذا الذي يسمي مقوقس، وأهاج كل قوي الشر في كل مصر، وفي الأديرة سحق آباء رهبان، وأستشهد الكثيرين، ودمر الكنائس، ثم دخل العرب بعد المقوقس عام 640م، ودخلنا في حلقات إضطهاد أخري، ولانزال نُضطهد، ولا نزال نقدم شهداء، ولا نزال نواجه إضطهاد أشرار بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة، ولكننا في كل هذا ننتصر، يقول بولس الرسول:

"يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا" (رو 37:8) وهذة حقيقة فقد حاول الأباطرة أن يسحقوا الكنيسة، ولكن الكنيسة أنتصرت، وحاول الشيطان أن يغير إيمان الكنيسة بإيمان آريوسي، ولكن الكنيسة أنتصرت، وحاول الخلقيدونيين أن يسحقوا كنيستنا ويغيروا إيمانهم إلي إيمن خلقيدوني، ولكن الكنيسة أنتصرت، حاول الأشرار أن يجعلوا الكرازة غير فعاله، وتوضع قوانين ضد الكرازة، ولكن الكرازة أنتشرت، وانتصرت الكنيسة.

حينما كنت أخدم في أوربا، وبينما هم ليس عندها الأضطهاد الذي في كنيستنا، قالوا لي شئ غريب:
( أن كنيستكم قوية رغم أنها مضطهدة)
فقلت لهم إن سر قوة كنيستنا أن المسيح قائم فيها يومياً، فكنيستنا لم تتخلي عن المذبح ولا الذبيحة ولا الأسرار، وهذا سر قوتنا.
(كل من يحمل سمات المسيح، يُضطهد من كل من يحمل سمات إبليس)

لا يطيق الشيطان أن يري ملامح المسيح في أحد، حتي إنه في أمور بسيطة فموظف بسيط يًضطهد من شخص، ولا يحتمله فقط لأنه مسيحي.
ذات مرة قال لي شخص ما: في قرارة نفوسنا نحن نحبكم، ولكن لكي تجعل الدم يغلي في عروقي أن أري أحد يلبس صليباً.
لا تظنوا أن هناك شئ ضائع، فالله يسمح بهذا الكلام لأجل الغربلة.

" هوذا الشيطان قد طلبكم ليغربلكم" (لو 31:22)
ويسمح الله بهذا لنأخذ أكاليل، فالضيقة تمر علي الكنيسة، والكنيسة تخرج منها أقوي، فالشهداء يقدموا دمائهم بالملايين، والكنيسة تتقوي بدمائهم.
" يا إبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخزي إذا وبخك، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه" ( أم 11:3)
أحياناً يسمح بتأديبنا، وحينما نؤدب نأخذ أكاليل.

"أدبني يا رب ولكن بالحق وليس بغضبك" (إر 24:10)
"كثرة هي بلايا الصديقين" (مز 19:34)

"بسلاح البر لليمين واليسار، بمجد وهوان، بصيت ردئ وصيت حسن، كحزاني ونحن دائمأً فريحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين" (2كو 7:6)
"من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أو جوع أو عري أم خطر أم سيف من أجلك نمات طول النهار" (رو 35:8)

إبليس يضطهد الكنيسة، و يضطهد أولاد الله، ويثير أحياناً ضدهم ملوك وجيوش، ولكن يقول بولس الرسول:
"إذ هو عادل عند الله إن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً، وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند إستعلان الرب من السماء مع ملائكتة" (2تس 6:1).
علي مر التاريخ لا يوجد أحد مد يده علي الكنيسة، إلا وأنتهي نهاية سيئة جداً، فكل الأباطرة الذين حاولوا تدمير الكنيسة ماتوا ميتات بشعة، ولم يظلوا طويلاً في حكمهم، وكل الولاة الذين كانوا علي مصر بعد دخول العرب المصر، وحاولوا التضيق علي المسيحين ليغيروا إيمانهم، أنتهت حياتهم بصورة شنيعة، وفي عصرنا هناك صور واضحة لمسناها جميعأً، الذي يمد يده علي الكنيسة وعلي رأسها البابا شنود، أنتهي بعد شهر من قراراته العنيفة، ومات ميتة شنيعة، وأيضاً الذين خططوا لضرب كنيسة القديسين في الأسكندرية، أنتهت حياتهم بنهاية صعبة، ودخلوا جميعهم السجون، وكانت صورتهم محتقرة في عيون الشعب.

"بضيقات كثيرة ندخل ملكوت السموات" (أع 22:14)
"خفة ضيقتنا الوقتية تنشأ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي" (2كو 17:4)
فلو خيرتم الشهداء بين أن تتألموا من أجل المسيح وتأخذوا أكاليل؟ أم تحيوا حياة مريحة وتتكرموا في الأرض؟

بالطبع كان سيختاروا أن يتألموا من أجل المسيح، لا يوجد شئ ضائع، يقول:
"كأس ماء بارد لا يضيع أجره" (مت 42:10)
" في كل ضيقهم تضايق" (إش 9:63)
هناك حكمة وراء كل هذا، فلا تظن أن هذة الضيقة أو دموعك أو آلامك حتي النفسية تضيع، لا يوجد شئ ضائع عند الله، لعازر أستوفي بلاياه، وهو الآن يتمجد، والغني أستوفي مجده، وهو الآن يتعذب، لا يوجد شئ ضائع، حتي دموعنا في الصلاة وضيقاتنا.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين.