الأقباط متحدون - طقس رسامة البطريرك دراسة وثائقية وطقسية
أخر تحديث ٠٩:١٨ | الخميس ١٥ نوفمبر ٢٠١٢ | ٥ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٤٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

طقس رسامة البطريرك "دراسة وثائقية وطقسية"


 

بقلم: د.ماجد عزت ًسرائيل
 
    البطريرك في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو أعلى سلطة دينية، ولذلك فان طقس رسامته - أو إذا جاز لنا التعبير جلوسه على كرسي مار مرقس- يظل يلفت أنظار الشعب بصفة عامة وشـــــعب كنيسته بصفة خاصـــة، فمـا هي الــــــــــــــــقرعة الهيكلية ؟وكيف يتم رسامته على الكرسي البابوي ؟ وما هي مهامه؟ وأين مقر إقامته ؟ 
- القرعة الهيكلية:
ترجع فكرة القرعة الهيكلية إلى النظام اليهودي، الذي كان متبعاً قبل حلول الروح القدس؛ وبه تم اختيار متياس من بين اثنين متساويين في الشروط والكفاءات، وليسا غير متساويين في أصوات الناخبين، وعن عمل الروح القدس بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين في اختيار الخدام وليس القرعة، وقد استخدمه شاول وهو يهودي قبل إيمانه بالمسيح ليقتل المسيحيين. 
 
        وفى أوائل القرن الحادي عشر الميلادي، عندما تنيح (توفي ) البابا "زخارياس الأول "البطريرك رقم (64)(996م -1023م) ، تطلع بعض الأراخنة أن ينالوا منصب البابوية بواسطة استخراج أمر من الخليفة الفاطمي، فلما علم "بقيرة الرشيدى "الكاتب القبطي، حمت الغيرة على الكنيسة في قلبه فجمع قوماً من الأقباط، وذهب إلى الـــوزير "على ابن أحمد "ودار حوار حول ذات الأمر، وكان الوزير يتصف بالحكمة والفهم ويحب الأقباط، فقال "لبقيرة "والأراخنة:"إ نه عند رسامة البطريرك يجب دفع ثلاثة آلاف دينار (العملة في ذات الفترة )، وقد تركناها كرامة لكمفيجب أن تفعلوا بعد هذا ما يرضي الرب، كما يفعل عندنا في بغداد، وذلك لأنهم عندما يرسمون إنساناً بطريركاً يجتمعون بداخل الكنيسة ويختارون (ينتخبون ) مائة رجل من رهبان الأديرة ثم يفحصونهم حتى يكونوا خمسين ويعيدون فحصهم إلى أن يصبحوا خمسة وعشرين، ومن الخمسة وعشرين حتى يصلوا إلى ثلاثة مختارين ويكتبون أسماء الثلاثة في ثلاثة رقاع والرابعة يكتبون فيها اسم الرب، وتشمع وتوضع على الهيكل، ويصلون قداساً، وبعد صلاة القداس يحضرون طفلاً صغيراً بريئاً من أولادهم ليس عليه خطية، فيمد يده ويأخذ واحده من الرقاع فإذا كانت واحده من الثلاثة رسموه بطريركاً، وإذا كان فيها اسم الرب علموا أنه لا يوجد من يصلح من الثلاثة فيكتبون أسماء ثلاثة آخرين ويستمرون كذلك حتى يختار الرب واحـــــدا ًيرسموه"،فتعجبوا من حكمته ومشورته في إخبارهم هذا الأمــــر، وبالرغم من ذلك لم يأخذوا بآرائه، واجتمع الأساقفة والأراخنة ،يؤيدهم الشعب على اختيار احد رهبان دير القديس أبو مقار وهو البابا"شنودة الثاني "البطريرك رقم (65)(1024-1038م). 
               وربما كانت آراء هذا الخليفة بداية لنمو و تطور فكرة القرعة الهيكلية التي شهد ظهورها منتصف القرن العشرين، استنادًا لما ورد في الكتاب المقدس قبل حلول الروح القدس "أفرزوا لي برنابا وشاو ل للعمل الذي دعوتهما إليه".                
        على أية حال،  فإنه بحسب اللائحة الخاصة بالانتخابات البطريركية الصادرة نوفمبر عام 1957 م، فإنه بعد أن تجري انتخابات البطريركية في دار بطريركية الأقباط الأرثوذكس، ويتم حصر المرشحين من( خمسة إلى ثلاثة ) أفراد، يعكف أعضاء المجمع المقدس على الصوم والصلاة إلى الأسبوع المقبل المحدد لإجراء القرعة الهيكلية لاختيار أحد المرشحين الثلاثة.وترجع خطورة القرعة إلى أنه يمكن اللعب فيها سًّراً لاختيار من هو مطلوب اختياره بحسب رغبات بشرية، وقد حدث هذا  سابقاً؛وبالرغم من مناداة كثير من الأقباط بإلغائها فالكنيسة تؤكد على  استمرارها ،هي ولائحة نوفمبر  
          عمل الروح القدس يظهر جلياً في طاعة القوانين الكنسية وقرارات المجامع المسكونية التي حضرها مئات الأساقفة القديسين ووضعوا حدوداً تحاصر الشهوات البشرية.
      وليس معقولاً أن نخالف التقليد الكنسي ونحن أرثوذكس، ثم نقول لله بالقرعة أن يختار واحداً محروماً بالقوانين الكنسية من أن يترشح للبطريركية.
        على أية حال، تجرى القرعة الهيكلية، بين الثلاثة المرشحين الحائزين على أكثر الأصوات لاختيار أحدهم بطريركاً عقب صلاة قداس الأحد في البطريركية، بحضور نيافة "قائمقام البطريرك "وأعضاء "المجمع المقدس "ولجنة" الترشيحات " و جماهير "الشعب ".
          وتعد أوراق بأسماء المرشحين الثلاثة الحائزين على أكثر الأصوات ويوقع على الأوراق وتختم بخاتم خاص، ثم تطوى طيًا متساويًا، وتوضع على الهيكل أمام جماهير الشعب، وبعد الصلوات والابتهالات يتناول أحد الشمامسة –غالبًا ما يكون من بين الأطفال الشمامسة –الحاضرين إحدى الورقات الثلاث دون أن يراها؛ وتفتح هذه الورقة أمام الحاضرين، ويتلى الاسم الذي تحمله، ويعلن اختياره بطريركا، وفى نفس الوقت تتناول اللجنة الورقتين الأخريين وتبسطهما إمام الحاضرين للتثبت من صحة إجراءات القرعة الهيكلية.
 
            و بعد أن تعلن نتيجة القرعة الهيكلية، يؤدى الحاضرون صلاة شكر في البطريركية، ويبتـهلون إلى الله أن يهب البطـريرك المختار عـونا على الاضطلاع بأعبـاء منصبه الكبير، وعلى رعاية شعبـه بالبـر والاستقامة.
         وقداسة البابا" شنودة الثالث " البطريرك (117)  (1971-2012م) المتنيح فى 17 مارس – من بين البطاركة الذين تولوا منصب البطاركة بالانتخاب وأجريت عليها القرعة الهيكلية،وأحداثها كما يلي: 
        بعد أن أجريت انتخابات البابا الجديد في 31أكتوبر عام 1971م في الكاتدرائية المرقسية، وذلك بعد أن تم اختيار ثلاثة من المرشحين الخمسة للكرسي البابوي.
           وفى تمام الساعة الثامنة صباحًا امتلأت الكاتدرائية عن أخرها، ولم يكن هناك موقع لقدم لاختيار البابا الجديد رقم (117)في تاريخ البطاركة، وحين دقت أجراس الكنيسة معلنة بدء الصلاة والتي رأسها الأنبا "أنطونيوس " "قائمقام البطريرك "وبحضور لفيف من الأحبار المطارنة والأساقفة والشعب؛ اتجهت العيون التي ملأت الكاتدرائية إلى صندوق من الفضة، كان يعلوه صليب، والذي فتحه "القائمقام " وهو يقول للجميع:
   بنعمة الله سنجري القرعة الهيكلية. 
   لاختيار البابا المنتخب.
  من قبل الله.
 
        كان بداخل الصندوق الفضي ثلاث أوراق متساوية يبلغ طول الواحدة منها 25 سنتيمترًا وعرضها 7 سنتيمترات، وقد كتب على كل واحدة منها اسم أحد المرشحين الثلاثة الأوائل وهم:
1- الأنبا "صموئيل" .
2- الأنبا" شنودة "
3- القمص" تيموثاؤوس "
    ثم قام "القائمقام" الأنبا "أنطونيوس "بفك الأوراق الثلاث وقال للجمع الحاشد :
إني افتحها إمامكم لكي تنظروا إليها بعيونكم ولكن الله ينظر للقلوب 
       وكان اسم كل من المرشحين مكتوب بالخط الفارسي، وختمت الورقة بخاتم القائمقام بالحبر الأحمر، وقد ربطت كل ورقة بشريط، وبعد أن فرغ من ذلك قام بإعادة الأوراق الثلاث إلى داخل الصندوق وأغلقه، ثم قام الدكتور "يوسف منصور "فربطه بشريط أبيض، ثم تم تسليم الخاتم للمهندس "إبراهيم نجيب "وزير السياحة في ذات الوقت.
 
              وبعد أن تم نقل الصندوق إلى الهيكل أجريت مراسم الصلاة، والتي اشترك فيها قائمقام البطريرك وكبار المطارنة والأساقفة والشمامسة ورئيس الوفد الكنسى الاثيوبي، والأب " بيكاهيف مريم "رئيس كاتدرائية الثالوث المقدس باديس أبابا "وعلى هندوم "سفير إثيوبيا بالقاهرة، كما حضر عدد من الوزراء من بينهم الدكتور"كمال رمزي ستينو "والذي سبق أن حضر أيضًا، مراسم البابا" كيرلس السادس "البطريرك (116)حين تم اختياره من قبل بابا للأقباط، وقـــد وقع يومها بإمضـــــائه على أطراف الأظرف .
 
        ثم أقيمت صلاة خاصة قبيل أجراء القرعة الهيكلية، وقد وقع الاختيار على ثمانية من الأطفال الذين تناولوا من الأسرار المقدسة، ثم وقع الاختيار على طفل منهم لم يتجاوز عمره ست سنوات اسمه "أيمن منير كامل غبريال "بالسنة الأولى الابتدائية بمدرسة التحرير ومن المفارقات الغريبة أن هذا الطفل دخل الكاتدرائية بصعوبة بالغة لأن أسرته لم تكن تحمل دعوة للدخول.
          تماما مثلما حدث من قبل لحظة اختيـار البابا "كيـــــرلس السادس "(116)، فقد اختار الطفل "رفيق باسيلي الطوخى "والذي لم يكن مقدراً له إن يسحب الورقة حيث قال لوالده، وكان يعمل موظفا في السجل التجاري بطنطا: أنا نفسي يا بابا اللي أسحب الورقة اللي فيها اسم البابا الجديد، وكأنما كانت أبواب السماء مفتوحة للاستجابة له فاختير لكي يسحب الورقة التي تحمل اسم البابا "كيرلس السادس".
 
           على أية حال، وبعد الانتهاء من تناول الأسرار المقدسة، خرج "القائمقام "ومن حوله المطارنة والأساقفة، وهو يحمل الصندوق الفضي، وكان الشمامسة يرددون الألحان الكنسية من حوله، و جميع المصلين يرددون صلاة قصيرة مؤلفة من ثلاث كلمات هي:
يارب ارحم.
يارب ارحم.
يارب ارحم.
 
       ثم جاءت اللحظة المصيرية، لحظة اختيار البابا الجديد وسحب الطفل "ايمن "إحدى الورقات الثلاثة، وكان اسم البابا" شنودة الثالث "البطريرك (117)-أطال الله حياته سنين عدة – وكانت فرحة غامرة اجتاحت الجميع لأن قداسة البابا شنودة كان معروفاً بحبه للتعاون والمشروعات الإصلاحية وبتواضعه للرهبنة والأديرة عامة.           
 
- طقس رسامة البطريرك 
     بعد أن تجرى انتخابات البطريركية في دار بطريركية الأقباط الأرثوذكس، ويتم حصر المرشحين من( خمسة إلى ثلاثة ) أفراد، يعكف أعضاء المجمع المقدس على الصوم والصلاة إلى الأسبوع المقبل المحدد لإجراء القرعة الهيكلية، لاختيـار أحـد المرشحين الثلاثة، وبعد أن تتم القرعة الهيكلية باختيار واحـد من بين هؤلاء الثلاثة؛ يصدر قرار جمهوري بجلوسه بطريركاً على كرسي مار مرقس.
 
       وقبل الحديث عن مراسم جلوس البطريرك لا بد من التفريق بين "الإقامة "وبين "الشرطونية "وهى كما يلي:
1- الإقامة: هي الانتخاب والاختيار الحر للأسقف الجديد والتي تعرف في اللغة اليونانية باسم ( كاتاستاسيس   ( Katastasis    ،وتتضمن عمليات الترشيح للمستحقين للرتبة إجراء الانتخاب الشعبي بطريقة قانونية حرة صحيحة تتحقق فيها إرادة الشعب فعلاًً،وهذه ما  يطلق عليها كتاب الرسامات "اصطفاءًًً حسناً" أي اختياراً صحيحاً،وهو ما تصدق عليه السلطات الكنسية.
 
2- أما الشرطونية: فهي القسمة أو التكريس أو الرسامة، وتعرف في اللغة اليونانية باسم ) Cheirotonia)، ومعناها في اللغة "وضع اليد " وهى أهم مرحلة في طقس رسامة الأسقف أو القس أو الشماس، بينما في بعض درجات الشموسية مثل الإيبيذياكون والأغنسطس والأبصلتس لا يشترطون  و ضع الأيادي عليهم عند الرسامة ،بل يقامون أو يختارون بالاسم ،مثل رتبة الأرملة والعذراء ،ويصف لنا القديس "بولس " وضع هذه الرتبة بأنه (اكتتاب )  .
 
      وبهذا، فإن انتخاب الأسقف أي إقامته لا يكفى ليصبح الشخص أسقفًا، بل لابد من الشرطونية والتي بدونها لم يكن هناك طقس رسامة البطريرك، وهى التي تتمثل في (وضع الأيادي )عليه، أي أيادي الأساقفة السابقين عليه، لكي بوضع الأيادي، وبصلاة الكنيسة أي الأساقفة والشعب الذي انتخبه وأقيم هو عليه، يحل عليه نفس الروح القدس الذي حل من قبل على الرسل قديما ليعطيهم السلطان والقوة على الخدمة، وهذا هو أساس واصل التعاقب الرسولى الذي يحمله الأساقفة في الكنيسة، حلول نفس الروح القدس الذي حل على الرسل يوم الخمسين، بصلاة الكنيسة أي الأساقفة والشعب الذي انتخبه، وبوضع أيدي الأساقفة الذين نالوا قبله نفس الروح القدس بتسلسل رسولي؛ يرجع إلى الرسل أنفسهم، ومعروف أن الرسول الذي أطلق شرارة الروح الرسولية في كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية هو القديس "مرقس الرسول " الإنجيلي والشهيد.
 
         وللأمانة العلمية لابد أن نذكر؛ أنه من غير الجائز أن توضع اليد على المرشح للكرسي البطريركي مرتين للدرجة الكهنوتية الواحدة؛ أي لا يجوز رسامة الأساقفة والمطارنة؛ بطاركة لأن درجة الأسقفية هي نفسها درجة البطريركية، طبقاً للقانون الكنسي، فإن وضع اليد في طقس رسامتهم؛ ليس معناه نوال الروح القدس مرة أخرى، بعد أن سبق وناله كل منهم في طقس رسامته الأولى أسقفا، وهو لم يفارقه طوال مدة أسقفيته، بل انه يأخذ منه نعمة جديدة للرعاية مثلما يأخذه الأسقف حين يرقى إلى رتبة المطران والقس حين يرقى إلى رتبة القمصية.   
     وطبقا لما ورد في طقس رسامة البطاركة من صلوات توضح أن هذه الدرجة لا يرسم فيها إلا القسوس العابدين الوقورين، وليس من بينها طقس رسامة الأسقف أو المطران بطريركاً.
 
       على أية حال، تبدأ رسامه البطريرك بحضور كل أساقفة الكرازة – أو اثني عشر أسقفاً على الأقل –ولا يكرس من أسقف واحد مطلقاً، وليس على الأساقفة إلا التكريس.
 
           فإن كان يلبس ثياب الرهبان، يتم الصلاة على الإسكيم ويتم إلباسه له – والاسكيم كلمة قبطية معناها "شكل "وهو عبارة عن قطعة من الجلد المضفور تتخلله الصلبان على أبعاد متساوية، ويحيط بالصدر والظهر، به صليبان كبيران أحدهما للصدر والآخر للظهر، ثم اثنا عشر صليباً صغيراً أوكلها من الجلد المضفور  - ويقول المصلى:" نسال ونتضرع يا محب البشر اجعله مستحقا للإسكيم الذي هو علامة الصليب الكريم الذي لابنك الوحيد، وموته المحيى لكي معه في الدهر الآتي إلى الأبد..أمين "  ويتم إلباسه له، ويقول في موضع أخر:" البس الخاتم الذي لعربون ملكوت السموات الذي هو الإسكيم المقدس احمل ذراعيك مثال الصليب، اتبع المخلص ربنا يسوع المسيح الإله الحقيقي لكي ترث نور الحياة الأبدية بقوة الثالوث القدوس، الأب والابن والروح القدس ".
 
          وللإسكيم قوانين نسكية يجب أن يتبعها الراهب الإسكيمى أي "لابس الإسكيم "منها:
1-يتلو كل يوم المزامير بأكمله (150 مزموراً) يقسمها على أوقات الصلوات.
2- يتلو التسبحة اليومية.
3- يعمل 500مطانية (سجدة).
4- يلزم السكوت و الصمت بحيث لا يتعدى كلامه سبع كلمات يومياُ.
5- يقرأ كثيراً في الكتاب المقدس بعهديه و في كتب الآباء، أقوالهم وسير حياته.
6- يصرف العمر جميعه صوماً، ويصوم كل يوم إلى الغروب.
7- يقنع بالضروري من الطعام والشراب والنوم حتى يصل على الصفاء النفسي والذهني. 
 
    وفى يوم الأحد يتم التسبحة والإنجيل وأوشية السلام ثم طقس الرسامة، وبعد قراءة الأبركسيس (سفر أعمال الرسول )يتقدم المطارنة والأساقفة لرسامة الأب البطريرك، وتقرأ التزكية أو نتيجة الانتخاب والقرعة الهيكلية لرسامته بطريركاً ًللكرازة المرقسية، ويقومون بالتوقيع عليها، ويقدم الأرشيدياكون الألحان، كما ترد في كتاب الرسامات، ثم تبدأ القراءات والصلوات والطلبات المدونة به وفى حضرة الشعب.
 
             ثم يتم الإعلان عن اسمه ولقبه من كبير الأساقفة.، ويقول الشعب "مستحق AXIOS"ثلاث مرات، ويتم إلباسه حلة رئاسة الكهنوت، ويجلس على كرسيه وفى حضنه إنجيل" مارمرقس الرسول ".
 
 
         و يقوم بقراءة إنجيل القديس "يوحنا " وهو عن "الراعي الصالح " ويقول "الحق الحق أقول لكم: إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارق ولص. و أما الذي  يدخل من الباب فهو راعى الخراف.لهذا يفتح البواب، والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها.ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها، والخراف تتبعه، لأنها تعرف صوته. و أما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء... ".
 
       ثم يصلى القداس ويناول ويعطى السلام للشعب، ثم يذهبون إلى الدار البطريركية بالترانيم و التسبيح.
             ويعطى نسخة من تقليده الموضوع به ألقابه والابروشيات التابعة له في مصر والنوبة والحبشة (إثيوبيا )والقرين وعلوة (السودان ) وبنتابولس (المدن الخمس بليبيا ) وبلاد المهجر ويختم بالدعاء له وعن سلطانه في الرسامات وعمل الميرون، وترسل رسالة عامة إلى الابروشيات التابعة له للإعلان الرسمي عن رسامته، ويوقع عليها الأساقفة بإقرارهم بالرسامة التي تمت في تاريخ معين وفى كنيسة ومنطقة (...) مثل:الإسكندرية، دير أبى مقار، الكاتدرائية المرقسية .
 
- مهام البطريرك
              البطريرك هو خليفة السيد المسيح ورسله، وحاكم في عقد شرعه، واسم البطريرك مأخوذ من مفهوم الأبوة، فمعناه الأب الأول ولذلك هو المسئول عن كل شيء. 
               وبالرغم من ذلك لا يمتلك اتخاذ القرار منفرداًً، لان الكنيسة القبطية تتميز –على مر العصور – بمسحة ديمقراطية لا تخلو منها عملية صنع القرار في هذه المؤسسة الدينية، فعلى الرغم من احتلال البابا قمة الهرم القيادي في المؤسسة الكنيسة، وما له من قداسة دينية إلا أنه لا يستطيع الانفراد باتخاذ القرار.
 
        ويرجع ذلك إلى أن البابا هو "رئيس الأساقفة "فهم الذين اختاروه –بعد مشيئة الله- وكرزوه، لذلك ينص في وثيقة تكريز البابا على لسان الأساقفة يقول: " لكي يرعانا بكل الرأفة والوادعة " ولذلك تعددت مهامه وهى كما يلي:
            البطريرك يبارك ولا يبارك عليه، ويرأس المطارنة والأساقفة (المجمع المقدس ) وأن يعمل على حفظ الدين على أصوله، وقطع البدع، والحكم بالعدل، وإعطاء الرئاسات (الرسامات والدرجات الكهنتوية ) لمستحقيها والقائمين بها، ومشورة أهل العلم والتعليم لشعبه والوعظ والتهذيب، لأنه الرقيب عليهم بعد الله والمطالب بهم أمام الله .
 
                فقد قال الله لحزقيال النبي:"إني جعلتك رقيباً لهذا الشعب، تسمعه كلام فمي ليحفظه –وينادى به من جهتي، في قولي للخاطى :إنه يموت بخطيته ودمه اطلبه من يديك (مسئولا عن هلاكه )فإذا أنت بدأت وعرفت الخاطى أن يتحفظ من مكانة السوء(الشر )ويزول عنه ،فلم يزل عنه (تركه)فهو يموت بخطيته ،وأنت تربح نفسك ".
 
             ودعت قوانين الكنيسة، وما تركه الرسل والآباء الرسوليين من قوانين"بألا يربط أحد إلا ما ربطه الشرع، ولا يحل إلا ما حله الشرع" ( استخدام سلطان الحل والربط لضرورة الرحمة والعدل، وقد ورد في قوانين الآباء الرسل تحذير لهم بعدم استخدام المنشار الحاد الأسنان و عدم الظلم أو القسوة في الحكم ) .
 
               و البطريرك أو الأسقف أو القس والشماس، وكل من له طقس (رتبة) في الكهنوت، لا يدنس لسانه بلعنه (شتيمة ) لئلا يرث أللعنه (غضب الله) بدلاً من البركة.
 
      والبطريرك لا يتعـالى (يتكبر )على الأســـاقفة لأنه واحــد منهم، والأساقفة على القسوس والشمامسة على الشـــــعب لأن قيام الكــنيسة ببعضها البعض.
       
     والبابا هو المسئول عن انعقاد "المجمع المقدس" ورئاسته؛ لأهميته في إصدار القرارات كأعلى مجلس كنسي، و يجب عليه الاهتمام بالعمل المسكوني والسعي وراء وحدة الكنائس.
 
            و كما أنه المــسئول عن إقامة الشعائر الدينة في كل رعــيته؛ ولذالك فهو مطالب بتوفير الكـــنائس –بسبب زيادة السكان – لممارسة طقوس الكنيسة.
              وأيضا مسئول عن صناعة" الميرون " ( الزيت المقدس)، ومن البطاركة الذين قاموا بذلك أكثر من مرة على سبيل المثال وليس الحصر قداسة البابا" شنودة الثالث " البطريرك (117)المتنيح فى 17 مارس 2012م ، حيث قام بذلك أعــــــوام (1981م/1987م/1993م/ 1995/2004م/2005).
 
          والبطريرك مسئول على المناطق التي تم رسامته عليها، فهو مطالب بعد اختياره، واعتماد القرار الجمهوري بنشر الكرازة بها وهى الكرازة المرقسية (مصر ) وكل إفريقيا وبلاد المهجر.
 
          و على البابا رعاية أقباط المهجر في كل المسكونة بتنــــــظيم الزيارات الرعوية لهــــم، وإقامة الكنائس والأساقفة؛ وإرسال كــــــهنة يصلحون لهذه الخدمة، وترجمة القداس إلى اللغات المحلية الخاصة بهم.
 
      على أية حــال فهناك بعض الأمور التي يحق للبابا اتخاذ قــــراراته بشأنها مباشرة بحـــكم ما له من صلاحيات تخولها له القـــوانين والتقاليد الكنسية، منها إدارة الأوقاف القبطية، فالبابا باعــــتراف المـــــصادر الحكومية "الناظر على أوقاف الأقباط والكنائس والأديــرة " ينـظر في شئونها المالية حسب ما يمليه عليه ضميره.
        ويذكر التاريخ أن هناك حسنات بعض الباباوات التي ذكرت بعد نياحتهم في حسن التصرف المالي في الأوقاف وعدم الاعتداء على ميزانيتها، نذكر على سبيل المثال ما ذكره البابا "يوساب "البطريرك رقم (115)(1946-م1956) في رثائه البابا "يؤانس الثامن عشر "البطريرك رقم (107)( 1769-1796م)عندما يقول عنه:" ما رأيناه يحل وقفا عن وقفيته ولا يحل وقفا إلى وقف غيره، ولا يستبدل وقفا بوقف غيره".
 
     خلاصة القول للبطريرك الحق في الإشراف العام والنظر في أملاك الكنائس والأديرة وأوقافها ودخلها،و متعلقاتها ، ويعمل برأيه، وأن بتابع أمور الأيتام، ويفوض من يثق في أمانته وديانته (أخلاقه ) لرعايتهم،أو يزيل رئاسته (يفصله من الخدمة )عند ثبوت عدم أمانته،وحماية طائفته من الأفكار الخارجة.
     
- الدار البطريركية
    هي المقر الرئيسي للمؤسسة الكنيسة، حيث مقر البطريرك، وتعرف أحيانا بـ"القلاية "أو "القلاية البطريركية "، وكان مقرها في بداية الأمر في مدينة الإسكندرية حيث بشر القديس "مرقس الرسول " بالمسيحية؛ وهو أول البطاركة ( 56-68 م )، ومن هنا أخذ البابا لقب "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية "
 
      ثم انتقلت الدار البطريركية بعد ذلك من الإسكندرية إلى كنيسة السيدة العذراء "المعلقة "بمنطقة مصر القديمة بعد الفتح العربي الإسلامي لمصر سنة (20هـ/ 640م).
     و يرجع هذا الانتقال إلى تحول عاصمة البلاد إلى الفسطاط ثم ضواحيها (العسكر والقطائع )وحاجة البابا إلى إن يكون قريبا من ولاة الأمور ليرعى شعبه.
     ثم انتقلت الدار البطريركية بـعد ذلك إلى كنيسة "مرقوريـــوس " أو " ابو سيفبن "بمصر القديمة بالقرب من الفسطاط.
     وبعد أن أمر "المعز لدين الله الفاطمي" (341-365هـ /952-975م) قائد جيوشه"جوهر الصقلي "(358-362هـ/968-972م) بإنشاء القاهرة تحولت الدار البطريركية إليها؛ واستقرت في حارة زويلة بحي "بين الصوريين " منذ عام (703هـ /1303م).
 
          وفى العصر العثماني انتقلت الدار البطريركية إلى حارة "الروم السفلى "بمنطقة " الغورية "بالقاهرة، وظلت بها مابين عام 1071هـ/1660-1214هـ/1799م).
 
            ومع بداية القرن التاسع عشر انتقلت الدار البطريركية إلى حي "الأزبكية" بشارع كلوت بك – حاليا الكنيسة المرقسية القديمة، ولا تزال تمارس بها الشعائر الدينية –الذي كان يعتبر من أكبر الأحياء القبطية آنذاك.
 
           ويرجع الفضل إلى قداسة البابا "بطرس السابع " البطريرك رقم (109)(1809-1852م) إلى اتخاذه الكنيسة المرقسية مقراً بابويا- وهى الكنيسة التي كان المــعلم" إبراهيم الجوهري " الذي تنــــــــــيح سنة ( 1796م ) قد حصل على فرمان عثماني ببنائها من إحدى أميرات البيت السلطاني، وقد استمرت هذه الكنيسة مقرًّا بابـويًا حــتى ختام حياة البابا "كيرلس السادس" البطريرك رقم (116)(1959-1971م).
 
     وفى الثـلث الأخـير من القرن العشرين انتقلت الدار البطريركية إلى مقرها الحالي بالعباسية بـ (دير الأنبا رويس )بالقاهرة، بعد أن نجح قداسة البابا "كيرلس السادس " البطريرك (116) من الحصول على موافقة من الرئيس "جمال عبد الناصر "(1954-1970م)، الذي حضر بنفسه مشاركاً البابا" كيرلس السادس " في وضع حجر أساسها في 24 يوليو 1965م، كما أن رئيس الدولة أعلن مشاركاً الدولة ماديٌاً في بنائها وهى الأولى في تاريخ مصر.
 
         كما يرجع الفضل لقداسة البابا" شنودة الثالث"- المتنيح فى 17 مارس 2012م  – البطريرك رقم (117) منذ(1971م)، إلى الانتقال لـدار البطريركية الجديد ( بالأنبا رويس ) واستكمال بناء وتشطيبات الكاتدرائية المرقسية، ولا تزال الأعمال والتجديدات والترميمات مستمرة بها حتى كتابة هذه السطور .    
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع