محرر الأقباط متحدون
كانت زيارة البابا فرنسيس الرسولية إلى مرسيليا محور مقابلة أجرتها إذاعة الفاتيكان مع الكاردينال بييترو بارولين الذي أشار إلى الأوضاع والتحديات الحالية ومن بينها الهجرة.

عشية الزيارة الرسولية التي يبدأها البابا فرنسيس اليوم الجمعة ٢٢ أيلول سبتمبر إلى مرسيليا لمناسبة اختتام مبادرة "لقاءات متوسطية" أجرت إذاعة الفاتيكان مقابلة مع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين. وكان السؤال الأول الذي وُجه إليه حول معنى وأهمية مشاركة البابا فرنسيس في هذا اللقاء الذي يجمع الأساقفة الكاثوليك والشباب ورؤساء مجالس المدن من دول المتوسط، وقال أمين السر إن الأب الأقدس قد قبل الدعوة للمشاركة في هذا اللقاء، وهو الثالث في سلسلة اللقاءات التي بدأت في باري ثم تواصلت في فلورنسا الإيطاليتين، حيث لمس قداسته في هذا الحدث فرصة ثمينة للتقاسم وبناء الخير العام. وأشار الكاردينال إلى أن هذه اللقاءات هي إطار يجمع بشكل فريد الأراضي والشعوب والتاريخ والأديان المختلفة ويعزز الوحدة في مواجهة التحديات المشتركة والكبيرة من أجل مستقبل سيكون بالضرورة مشتركا. وتابع معربا عن قناعته بأن البابا فرنسيس يود أن يكون في مرسيليا شاهدا لروح التلاحم والعمل الملموس هذه. ثم سلط أمين السر الضوء على أن النقاش السائد في المتوسط اليوم يدور حول الهجرة حيث تبرز ضرورة مواجهة المشاكل معا ومن خلال رؤى بعيدة النظر لا كحالات طوارئ يحاول كل طرف التعامل معها انطلاقا من مصالحه الخاصة.

وعن كيفية بناء الاستقبال والحوار والسلام في عالم يجد صعوبة في التعرف على وجه مَن هم في عوز قال الكاردينال بييترو بارولين إنه يجب البدء بالثقة بشكل جدي في الحوار، والذي هو ليس مجرد أداة مفيدة لتأكيد المواقف بل هو طريق مفتوحة للعثور على حلول متقاسمة. وأشار في هذا السياق إلى أن مواضيع عديدة يتم التعامل معها بكل اسف انطلاقا من الأرقام لا من الوجوه، وتحدث هنا بشكل خاص عن المهاجرين مشددا على ضرورة الانطلاق من أولوية الكرامة البشرية على أي منطق آخر رغم شرعيته. وأضاف أن هذا يعني الابتعاد عن الفكر الإيديولوجي الذي يحذر منه البابا فرنسيس، فكرٌ يمنح الأولوية للنظريات، التي غالبا ما تكون دعائية، على الأمور الواقعية. وأراد أمين السر الإشارة إلى كون الهجرة ظاهرة مركبة لا توجد لها حلول بسيطة وفورية ولا يجوز أن تواجّه بالشعارات والوعود، بل، ومثلما دعت قبل أيام مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، من خلال أفعال مشتركة توفر بالفعل الموارد وتضمن ظروفا أفضل للاستقبال والسلام والاستقرار.

انتقل الحديث بعد ذلك إلى الخطوات الممكنة التي يمكنها إيقاظ الجماعة الدولية أمام الحروب والفقر والعنف والتي تدفع كثيرين إلى الرحيل عن بلدانهم. وقال أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان إن هذه الأوضاع هي ما تدفع الأشخاص إلى الهجرة إلا أنه من الضروري ألا ننسى أن هذا يحدث لأن هناك مَن يقوم بها، أي مَن يمارس العنف أو يبدأ نزاعات أو يتخذ قرارات سياسية لا تهتم بالخير العام. الخطوة الأولى بالتالي، حسبما ذكر الكاردينال بارولين، هي تحمٌّل المسؤولية عما نتخذ من قرارات بشكل يومي، في بيوتنا وعائلاتنا، مع الأصدقاء، في العمل والمدرسة، في مجتمعاتنا وفي حكوماتنا. وأضاف أن الأزمات ترتبط باختيارات شخصية وجماعية وأن هناك حاجة بالتالي إلى الارتداد كنقطة انطلاق لمقترحات سياسية إيجابية والاستثمار في مشاريع اجتماعية تهدف إلى بناء ثقافة المحبة ومجتمع أخوي لا يُضطر فيه أحد إلى الرحيل بل يمكن فيه العيش في سلام وأمن ورخاء.

هذا وسئل أمين السر عما يمكنه اليوم، مع التزايد الكبير لتدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى جزيرة لامبيدوزا الصقلية، أن يقول لسكان هذه الجزيرة الذين عُرف عنهم استقبالهم للمهاجرين إلا أنهم يطالبون منذ سنوات بألا يُتركوا بمفردهم. وفي إجابته أكد الكاردينال بارولين أنه ما من أفعال صالحة أو لفتات محبة غير مفيدة، وتابع أن المسيح حاضر في محاولاتنا محبة الأخيرين والعناية بهم، وأننا نلتقيه في كل فعل سخاء ونختبر حضوره، إلا أنه لا يمكن ترك مَن يعتنون بالمهاجرين واللاجئين ليواجهوا بمفردهم هذه الأوضاع بدون دعم من الحكومة. وتحدث عن حاجة سكان الجزيرة إلى التضامن على الصعيدين الوطني والدولي، كما وأشار إلى أنه تتم حاليا مناقشة خطة عمل، لا في إيطاليا فقط بل في أوروبا أيضا، وقال إنه يفكر في المشاريع التنموية في أفريقيا وأيضا في الميثاق الجديد حول الهجرة واللجوء. وأكد ضرورة التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، كما وشدد على ضرورة تحمل الدول الأوروبية كافة معا المسؤولية أمام الأوضاع في منطقة المتوسط. وتابع الكاردينال بارولين مشيرا إلى ان هناك ممارسات جيدة وخطط عمل، ما يعني أننا لا نبدأ من الصفر، وتحدث عن وجود نماذج بإمكانها أن تضمن هجرة آمنة ومنظمة ونظامية. وأضاف أمين السر أننا جميعا مدعوون إلى تجاوز الخطابة وتَبَني سياسات فعالة لتفادي اكتظاظ نظام الاستقبال ولدعم مَن يعملون على أرض الواقع.

وفي ختام المقابلة التي أجرتها معه إذاعة الفاتيكان عشية زيارة البابا فرنسيس الرسولية إلى مرسيليا أجاب الكاردينال بييترو بارولين أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان على سؤال حول ما ينتظر من هذه الزيارة. وقال في إجابته إن عنوان لقاءات المتوسط في حد ذاته، أي "فسيفساء رجاء" يلخص التوقعات. وتحدث بالتالي، وفي فترة نلمس فيها أجواء لامبالاة وعدم اكتراث، عن إنعاش الرجاء معا والاتفاق حول مواضيع أساسية والتحلي بالتعاون والنوايا الطيبة. وأشار الكاردينال بارولين هنا إلى ظاهرة الهجرة وتحديات السلام، التغيرات المناخية ومكافحة الجوع. وختم أن لقاء مرسيليا يشكل من وجهة النظر هذه فرصة لتعزيز الرجاء بشكل ملموس، وذلك من خلال العمل المشترك لمسؤولين كنسيين ومدنيين.