هاني لبيب
كثيرًا ما أتساءل عندما ألتقى خريجى إعلام جددًا أو متدربين فى المواقع والجرائد، أو عندما أدخل مع أحد شباب الجيل الجديد فى نقاش حول قضية أو موضوع من الموضوعات.. تتركز هذه التساؤلات فى النهاية فى سؤال رئيسى هو: يا ترى، ماذا تعلّم هذا الشاب أو هذه الفتاة حتى يصبح عقله بهذه الصورة وإمكانياته بهذه الضآلة؟!
وبسبب انشغالى بهذا السؤال والمتابعة لحال التعليم المصرى فى مرحلتيه الجامعية وقبل الجامعية فى السنوات الأخيرة، اكتشفت أن طارئًا جديدًا قد طرأَ على هذا التعليم منذ بدايات القرن الحادى والعشرين، فقد بدأنا فى تطبيق معايير «الجودة» فى التعليم منذ عام 2007.
أخذنى الاهتمام إلى التواصل مع أصدقاء كثيرين من أساتذة الجامعات المصرية فى مختلف التخصصات لأفهم منهم ماذا أضافت الجودة من فعل حقيقى فى التعليم والمعرفة و«جودتيهما»، وأتعرف على آرائهم فى تطبيق المعايير والأسس التى استوردناها من «المجلس الأمريكى للجودة» واعتمدتها «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد»، والتى أنفقت عليها الدولة المصرية من موازنتها العامة الملايين من الجنيهات فى تدريب وتأهيل وتطوير المعلمين بالمدارس والأساتذة بالجامعات؛ ففوجئت باتفاق جميع من سألتهم على أن كل ما يحدث هو دوامات من الدورات المستندية والقوالب الجامدة الشكلية التى لا تعود على العملية التعليمية بأى فائدة.
فلا اهتمام حقيقيًا بالمعرفة، ولا بتحسين أوضاع المعلمين والأساتذة، ولا توفير ميزانيات للبحث العلمى بدلًا من الدورات التدريبية التى تُلتقط فيها الصور وتُمنح فيها شهادات الاجتياز، ولا تركيز على الهوية الوطنية المصرية والقومية بعناصرها الأساسية، ولا اهتمام بتطوير المناهج بما يلائم المجتمع المصرى ومستهدفنا للمستقبل.. وإنما فقط دوامة لا تنتهى من إعداد الملفات وكتابة التقارير وشغل العاملين والمعلمين والأساتذة والعلماء بتنفيذ المطلوب منهم على وجه السرعة ليتقاضوا «بدل الجودة»، ويستعينوا به على معيشتهم وحياتهم.
لا أحد ضد التطوير، ولا أحد ضد الإجادة، وهذا من فضل القول، ولكن يجب علينا أن ننظر فى تجارب الدول التى سبقتنا فى تطبيق معايير الجودة فى التعليم بصورتها الحالية لدينا، ونتعرف على ما حدث فى ألمانيا وإيطاليا مثلًا فى هذا المجال، خاصة أنهم تجاوزوا الشكليات والأكاذيب التى تصدرت العملية التعليمية لديهم فى سنوات قلائل، وأعادوا النظر فى مستوى طلابهم وخريجيهم لإنقاذهم من هذه المتاهة، وراعوا خصوصية ثقافتهم وتنوع العلوم ومجالاتها فى تطبيق المعايير بمرونةٍ نقلت التعليم لديهم نقلة كبيرة فى العقدين الأخيرين.
يجب علينا الاستماع إلى رأى المعلمين وأساتذة الجامعات بصدق فيما يُفرض عليهم من إجراءات ومدى ملاءمتها لمجالات تخصصاتهم، فلا يمكن أن نطبق المعايير ذاتها على كليات الإدارة والاقتصاد والطب والهندسة والتربية الموسيقية والفنون الجميلة والحقوق!.
ويجب علينا أيضًا النظر فى المشكلات المعوّقة للتطوير، والتى تعلمها «هيئة الجودة» جيدًا، ومنها: ضعف المشاركة المجتمعية، وقلة البرامج التخصصية النوعية، ومستوى المتعلمين واختلاف ظروفهم، وتكدس المناهج وقصورها، والقطيعة ما بين المعرفة وسوق العمل.. بخلاف أوضاع البيئات التعليمية والأساتذة وضرورة تغييرها لضمان منتج حقيقى ومتطور.
نقطة ومن أول السطر..
حال التعليم المصرى ومستقبله يأتى ضمن أولويات الملفات الحيوية التى تمس أمن وطننا ومستقبله، والنظر فى «معايير جودة التعليم» وقياس مدى فاعلية ما قدمته الهيئات والمؤسسات المعنية فى هذا الشأن من لجان مستقلة يجب أن يكون على قائمة الأولويات، حتى لا نكتشف فى النهاية أننا كنا نحرث فى البحر لعشرين سنة وأكثر. التعليم أمن قومى.
نقلا عن المصرى اليوم