الأقباط متحدون - حكاية المهاجر المصري المهندس برسوم بطرس مدير الإدارة الهندسية للأتوبيسات بشركة مرسيدس بنز بأستراليا
أخر تحديث ٠٢:٤٢ | الاثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٢ | ١٠ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٤٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

حكاية المهاجر المصري المهندس "برسوم بطرس" مدير الإدارة الهندسية للأتوبيسات بشركة "مرسيدس بنز" بأستراليا

المهندس برسوم فى مزرعته امام اشجار الزيتون التى زرعها بيديه  منذ عشر اعوام
المهندس برسوم فى مزرعته امام اشجار الزيتون التى زرعها بيديه منذ عشر اعوام

كتب: صبحي فؤاد- أستراليا

- فلاح هاوٍ غير متفرغ!

المهندس "برسوم" في مزرعته أمام أشجار الزيتون التي زرعها بيديه منذ عشرة أعوام:
عادة عندما أطلب لقاء شخص لإجراء حوار صحفي معه، أجده يحدد لي موعدًا، إما في مكتبه، أو مقر إقامته، ولكن عندما اتصلتُ بالمهندس "برسوم بطرس"، المهاجر المصري المقيم بمدينة "ملبورن" بأستراليا، والذي يعمل "مدير الإدارة الهندسية" بشركة "مرسيدس بنزن"، فوجئتُ به يعرض عليَّ الذهاب معه إلى مزرعته، التي تبعد مسافة 235 كيلو متر عن سكنه، في مِنطقة اسمها "الجولد فيلد" بوسط ولاية "فيكتوريا".
قبلت دعوته لاننى اعشق الطبيعه والريف الاسترالى من ناحية ولكى استمع إلى تجربته وحكايته منذ أن ترك حى "الظاهر" بالقاهرة وجاء مهاجرا إلى مدينة "ملبورن" هو وزوجته وابنه وابنته في عام 1991 وحتى الان.
قطعنا المسافة في ثلاث ساعات من ملبورن إلى مزرعتهالتى تبلغ مساحتها 108 فدان جزء منها مخصص لزراعة اشجار الزيتون والباقى لزراعة القمح ورعاية الاغنام لانتاج الصوف.
وعندما وصلنا إلى المزرعة قام على الفور باعداد وجبة طعام للافطار كانت تحتوى على الفول المدمس والبصل الاخضر والجنبه وزيتون مخلل بمعرفته من اشجاره لم اذوق مثله في حياتى من قبل. بعدها قامبرى المساحة الصغيرة المخصصة لاشجار الفواكه التي كانت من بينها شجرة "توت" جميلة ذكرتنى بطفولتى في مصر ثم اتجه إلى الناحية الاخرى من المزرعة لرى اشجار الزيتون بماكينة ضخ صغيرة كانت تنقل المياة من احدى البحيرات الثلاث التي تتجمع فيها الامطار إلى كل شجرة من الاشجار ال 500 عبر شبكة هائلة من خراطيم التنقيط.
وحقيقة فقد رأيت بعينى منذ اللحظة التي وصلنا فيها وحتى قبل تركنا المزرعة قبل غروب الشمس بلحظات مدى المعاناة والجهد الذي يبذله الفلاحين في اى مكان في العالم لرعاية اشجارهم وزراعاتهم وحيواناتهم بجانب الصبر الذي يتمتعون به للقيام بعملهم العظيم الذي لولاه لمتنا جميعا من الجوع بكل تاكيد.
وكان من البديهى أن ابدأ حوارى مع المهندس برسوم بسؤالى التقليدى عن اسباب قرار هجرته الذي اتخذه منذ 21 سنه بالهجرة إلى استراليا رغم انه كان يشغل وظيفة مرموقة جدا يحسده عليها الاخرين في شركة "مرسيدس بنز" بمصر وكان ايضا يحصل على راتب جيدا فكان رده:
- بدأت فكره الهجرة تتكون في ذهنى عندما سافرت إلى المانيا للدراسة ثم العمل هناك فيما بعد حيث بدأت اعرف نفس وقدراتى وجدتبالتجربة أن امكانياتى العلمية والمهنية لا تقل عن امكانيات زملائى الالمان بل كانت في بعض الاحيان تتفوق عليهم فشعرت أن الهجرة إلى الخارج ربما تتيح امامى فرصة اكبر لممارسة عملى كمهندس كما يجب أن يكون وليس مجرد شخص يسير في الطابور من غير ما يكون له تأثير فيه مثلما هو الحال في مصر.

- كيف كانت البدايه بالنسبة اليك عندما وصلت إلى استراليا بدون أن يكون هناك عملا مسبقا ينتظرك أو وعدا من احد باعطائك وظيفة من اى نوع ..وهل لك أن تحكى لنا ما مررت به خلال الشهور الشهور الاولى من تجارب وكيف تغلبت عليها ووفقت في العثور على عمل بمرسيدس بنز؟
- عندما وصلت إلى ملبورن كنت احمل توصية من شركة مرسيدس بمصر إلى مرسيدس استراليا بتشغيلى في حالة احتياجهم لعمالة جديدة ولكن للاسف كانت استراليا تعانى وقتها من ركود اقتصادى فكان ردهم على بانهم سوف يقومون بالاتصال بى عند توافر وظيفة مناسبة في مجال تخصصى.. لم افزع أو اقلق بل كان عندى ايمان وثقة باننى سوف اجد عمل سريعا ولكنى ظللت ابحث لثمانية اشهر كاملة بدون جدوى وبالصدفة تعرفت على شخص عرض على العمل لدية كعامل نظافة فوافقت وقلت لنفسى العمل ليس عيبا وافضل من البطالة ..ولكن عندما عرضت الموضوع على زوجتى اعترضت بشده ورفضت وشجعتنى أن اصبر حتى اجد وظيفى تناسب خبرتى ومؤهلى العلمى وعملى السابق كمهندس ميكانيكا.
انتهزت فرصة وجودى بلا عمل طيلة هذه الفترة في تقوية لغتى الانجليزية في جامعة " لاتروب" لان تعليمى في مصر كان بالعربى اما في المانيا فكان بطبيعة الحال باللغة الالمانيه.
وبعد مرور ثمانية اشهر كاملة وانا اقلب في صفحة الوظائف الخالية بجريدة ال "ايدج" وجدت شركة مرسيدس بملبورن تعلن عن حاجتها إلى مهندس ..وعندما قرأت الشروط التي يجب توافرها في المهندس المطلوب وجدت انها تنطبق على على تماما فاخذت الاعلان واسرعت به إلى مكتب مدرس اللغة الانجليزبة بالجامعة الذي كان يدرس لنا اللغة وقتها كى يساعدنى في كتابة خطاب جيد إلى الشركة فلم اجده وانا في طريق عودتى إلى البيت بسيارتى رأيت مصريا يقف على محطة الترام كنت تعرفت عليه عن طريق الجمعية المصرية فضربت الكلاكس له فلم ينتبه واذا بشخص اخر كان يقف خلفه يتقدم نحو سيارتى التي اوقفتها اشارة المرور لحسن الحظ وعندما اقترب اكثر تبينت انه المدرس الذي ذهبت ابحث عنه في الجامعة لكى يساعدنى في كتابة خطاب شغل الوظيفة.
ركب المدرس معى السيارة وذهبت معه إلى منزله حيث كتب الخطاب وقمت بارساله فورا وبعد ايام قليلة وصلنى تلغراف من شركة مرسيدس بملبورن يطلب منى الاتصال لتحديد موعد لمقابلتى والتعرف على امكانياتى لشغل الوظيفة.
وبعد عدد من اللقاءات والمقابلات مع عدد من كبار المسئولين بالشركة تم اختيارى لشغل الوظيفة من بين 63 مهندس كانوا قدموا طلبات مماثلة للحصول على الوظيفة.

واحد من الاتوبيسات المرسيدس التي تجمع وتصنع في استراليا ويقوم المهندس برسوم بالاشراف عليها بصفته مدير الادارة الهندسية باستراليا

- هل كان سفرك إلى المانيا للدراسة بمبادرة شخصية منك وعلى حسابك ؟ وهل كانت اللغة عائقا امامك؟
- كنت ادرس في مدرسة الصنايع التي شيدتها الحكومة الالمانية في مصر ونتيجة لحصولى على الدبلوم بتفوق حصلت على منحة تفوق للدراسة الجامعية بالمانيا ..وعندما سافرت إلى هناك كانت اللغة عائقا في البداية ولكن مع الاصرار وبذل جهد اكبر تمكنت خلال وقت قصيرة من التغلب على هذه العقبة واتقان اللغة الالمانية وبعد خمس سنوات انتهيت من دراستى الجامعية وحصلت ايضا على بكالوريس وماجستير في الهندسة الميكانيكية ..وكان ذلك مابين عامى 1975 و 1979 .

- هل كنت تتوقع عند مجيئك إلى استراليا في عام 1991 التوفيق والنجاح ام انك كنت تشعر بشىء من الخوف والقلق؟
- بلا شك كنت اتوقع صعوبات ومواجهة تحديات ولكنى كنت مستعدا ومهيئا لها نفسيا وفي نفس الوقت كان مؤازرة زوجتى لى من اهم عوامل النجاح ..واتذكر اننى قبل مغادرة مصر اننىاشتريت تذاكر ذهاب وعودة لزوجتى وابنى وابنتى اما انا فقد كانت تذكرتى مجيىء لاستراليا فقط ..وقلت لنفسى اذا لم اوفق سريعا في العثور على عمل سوف ارجع اسرتى إلى مصر بصفة مؤقتة وابقى انا بمفردى حتى اهيأ لهم الجو والظروف المناسبة ..

- وماذا حدث عقب عودتك من المانيا إلى مصر ؟
-التحقت بالخدمة العسكرية بمركز ابحاث الجيش المصرى وكنت اقوم بترجمة مجلة شهرية اسمها "هندسة الدفاع" والمشاركة في اختبارات وفحص محركات عربات الجيش . وبعد الانتهاء من الخدمة العسكرية عملت بمرسيدس بنزمصر وتدرجت في الوظائف حتى صرت مدير الصيانة بالشركة في مصر لمدة عام قبل سفرى.

-هل حققت احلامك التي من اجلها هاجرت إلى استراليا؟
- بلا شك ..واشكر الله اننى حققت كيان وظيفى في شركة مرسيدس بنز استراليا ..تدرجت في الوظائف واصبحت حاليا اشغل وظيفة مدير الادارة الهندسية قسم الاتوبيسات باستراليا.. واشكر اللهابنتى تعلمت تعليم جيد وصارت " فود سينتست" اخصائية تغذية ..اما ابنى فهو يدرس حاليا بجامعة ملبورن المحاماة ..بالاضافة إلى ذلك صار عندى المزرعة التي امارس فيها هوايتى وحبى للزراعة والطبيعة.

- ولماذا يفشل بعض المهاجرين ويعجزون عن تحقيق احلامهم التي هاجروا بسببها إلى استراليا ؟
- قليلون هم الذين يفشلون في الهجرة لانهم لم يتعرفوا على امكانياتهم أو قدراتهم .الشخص الذي يفشل في راى لايزال يعيش في الطابور ..قالوا له انت مهندس أو خبير أو عالم فصدق وعاش في الدور ..وعند اول تجربة له في استراليا وجد انه غير قادر ..وبدلا من السعى لكسب خبرات جديدة وتحسين قدراته العلمية عن طريق الدراسة نجده يصر على انه الافضل والاحسن وانه مظلوم .. عموما المصريين لتميزهم بالقدرة على الكفاح والصبر وبذل الجهد فان معظمهم ينجحون خارج مصر وقادرين على تحقيق ما يعجز عنه الاخرين في بلاد المهجر.

- ما هي نصيحتك لمن يرغب في الهجرة أو المهاجر الجديد ؟
- اقول لهم لا يمكن تحقيق اى هدف من غير بذل الجهد والتعب والعرق ..كن دائما انسانا مرنا وايجابيا متفائلا واثقا من نفسك ..كن انسان "كويس" تجد الناس كلها تبحث عنك ..هناك طلب دائم على الناس الكويسه سواء في مصر أو استراليا ..كن انسانا متفتحا قادرا وقابلا للتغير لكى تتكيف مع المجتمع الجيد وتشق طريقك بيسر وسهوله وتحقق اهدافك واحلامك..اعمل ما يجب عليك عمله واترك ما تعجز عنه لربنا لمساعدتك وثق انك سوف تنجح.
واخيرا سألت المهندس برسوم عن العلاقة بين عمله وحبه للزراعة والارياف والطبيعة فضحك وقال :
-الهندسة هي علوم وظواهر طبيعية في الاصل .. والزراعة ايضا علوم طبيعية ومن يحب الهندسه سوف يجد ما يحبه في العمل كفلاح ..منذ صغرى وانا اعشق الطبيعة وكنت احلم وانا في مصر بشراء مزرعة صغيرة ولكن الاسعار هناك مرتفعة جدا ولذلك عندما اتيحت الفرصة امامى هنا لم اتردد وقمت بشراء هذه الارض منذ 13 عاما وقمت بزراعة خمسة افدنه منها باشجار الزيتون ..زرعتهم كلهم بيدى 500 شجرة ..وكنت افكر عندما اشتريتها بالتقاعد في سن ال 55 عاما ونظرا لان ربنا رزقنا بمولوده جديدة تغيرت الظروف ولكن عندما اتقاعد في السن الرسمى 65 عاما انوى قضاء الوقت ما بين ملبورن والمزرعة .


- من خلال تجربتك في المزرعة هل هي مجزية ماديا ؟ وهل يمكن أن تصبح مصدر دخل وعمل لمهاجر جديد من مصر؟
- لا اعتقد ..صعب جدا لان الاراضى الجيده التي تتوافر فيها مياة الامطار بكثرة أو تصلها المياه الجارية تجد اسعارها باهظة جدا لاتقدر عليه سوى الشركات الكبيره..بالاضافة إلى أن اسعار العمالة في استراليا مرتفع ودخل المزارع الصغيره مثل التي امتلكها محدود جدا لايسمح بدفع رواتب لعاملين.. يعنى صعب جدا أن ياتى مهاجر جديد من مصر ويتصور انه يمكن أن يصبح مزارعا ناجحا الا اذا كان يخطط لمشروع تجارى متكامل وليس لمزرعة منفصلة صغيرة وعنده الالمام الكامل بعلم واصول الزراعة.

- معنى هذا انك لم تتمكن من تجميع محصول اشجار الزيتون العام الماضى وتركت معظمه على الاشجار لكى تتغذى عليه طيور السماء ؟
-هذا ما حدث في العام الماضى ..انا والاسرة والاصدقاء جمعنا ما قدرنا عليه والباقى تركناه للطيور السماء لان الشركات المتخصصة في تجميع محصول اشجار الزيتون وعصرها تفضل تلبية طلبات المزارع الكبيرة وتتجاهل الصغيرة لاسباب مادية مفهومه.

- وكيف كان شعورك وانت ترى تعبك وجهدك ومالك يهدر ويضيع معظمه ؟
- كان داخلى شعور بحاجتين ..كنت سعيد جدا لان الاشجار اثمرت بما فاق كل توقعاتى بكثير وهذا مؤشر جيد بان جهودى نجحت وتعبى اثمر والحلم موجود وربنا مبارك ..ولكن في نفس الوقت شعرت بشىء من الحزن لاننى لم اتمكن الا من حصد جزء بسيط لاسباب خارجة عن ارادتى.



- ماهو اظرف المواقف التي واجهتها خلال السنوات التي امضيته حتى الان بالمزرعه ؟
- في البداية وجدت حيوانات "الكانجارو" يدخلون المزرعة من فجوات كانت موجودة في السور فبنيت سور اقوى وافضل لمنعهم من الدخول واكل الاشجاروما أن تغلبت على هذه المشكلة حتى وجدت الارانب يقومون بنفس الشىء ..والطيور ايضا يتسابقون على اكل ثمار الزيتون رغم انه مر ..فوصلت إلى قناعة أن اعيش واترك مخلوقات الله تعيش وتاكل من ارضه ايضا.

المهندس برسوم يستجم للحظات بجوار واحدة من البحيرات الصناعية الثلاث الموجودة على ارض مزرعته:
والى هنا انتهى حوارى مع واحد من ابناء مصر الاعزاء باستراليا تعب وكافح واجتهد فحصد ثمارا طيبا ونجاحا وتفوقا وصار فخرا لمصر وكل المصريين في بلاد المهجر. وقبل غروب الشمس بلحظات تركنا المزرعة عائدين إلى مدينة ملبورن فوصلناها قرب الساعة الحادية عشرة مساءا ..اى بعد 15 ساعةكاملة قضيت معظمها في احضان الطبيعة خارج زحام وضوضاء مدينة ملبورن من اجل الحصول على هذا اللقاء الشيق الممتع وكتابة حكاية اخرى من حكايات ابناء مصر في بلاد المهجر.
sobhy@iprimus.com.au
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter