الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ -
٠٩:
٠٧ ص +02:00 EET
بقلم : إسماعيل حسني
إن الوظيفة الأساسية والوحيدة للدين في حياتنا هي تنظيم العلاقة التعبدية بين الإنسان الذي اختار الإيمان بهذا الدين أو ذاك وخالقه، مما يضمن له النجاة في الحياة الآخرة، ويكسبه نوعا من السكينة والطمأنينة في مواجهة الصعاب والملمات في الحياة الدنيا.
إلا أن القوى الرجعية التي تسعى في كل زمان ومكان لاحتكار السلطة باسم الدين تضيف إلى الدين وظائف أخرى لا تتفق معرفيا مع طبيعته حتى يتحول إلى أيديولوجية تحتكر المعرفة في جميع مجالات الحياة، ثم تقوم باستخدام هذه الأيديولوجية في تبرير الإدعاء بأحقيتها في الحكم دون بقية البشر.
وكما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى، قامت قوى الإسلام السياسي في عصرنا الحالي باعتبار الدين مصدرا وحيدا للعلم والمعرفة والأخلاق، وقامت باختزال مبادئ الأخلاق فيما ورد في القرآن والسنة من مواعظ وأوامر ونواهي تبقى ثابتة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. فلم تعد أخلاق المسلم كأخلاق بقية البشر نسبية وقابلة للتجديد والتطور بل كتب عليها الثبات والجمود إلى الأبد.
فيقول يوسف القرضاوي في كتابه "الخصائص العامة للإسلام": "إن الأخلاق في الإسلام لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو اجتماعية، إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع. فما فرقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة، وباسم العرف أو المجتمع، قد ضمه القانون الأخلاقي في الإسلام وزاد عليه".
هكذا تم اعتساف تماهيا لامعرفيا بين الدين والأخلاق، وأصبح كل ما يرتضيه الدين فضيلة، وكل ما لا يرتضيه الدين رزيلة. أو بمعنى أدق أصبح كل ما كان يرتضيه الدين منذ 1400 عام حسب العادات والأعراف السائدة وقتها فضيلة يجب أو يمكن الأخذ بها في عصرنا هذا وإن رفضه العقل، وكل ما كان لا يرتضيه الدين حينئذ رزيلة يجب نبذها وإن قبله العقل. ويقوم رجال الدين بقلب الحقائق، وتزيين الرزائل، وتقبيح الفضائل حسب كل حالة حتى يمكن تعطيل عقول الناس وإخضاعهم لهذه الرؤية الأيديولوجية، فأصبح ضرب الزوجات والأطفال، ونكاح الأطفال، وختان البنات، من الفضائل، وأصبحت الحرية والخصوصية والمعارضة من الرزائل، مما ألحق أبلغ الضرر بكل من الدين والأخلاق في آن واحد.
إن الأخلاق كائن حي، يخرج من رحم العلاقات الإنتاجية والإجتماعية في المجتمع بالتفاعل بين الخبرة الإنسانية المتراكمة والظروف الموضوعية المتطورة للواقع المعاش، وبالتالي فهي تخضع لما تخضع له كافة الكائنات الحية من أحكام وقوانين، وأهمها النشوء والتطور والنسبية والتفاعل مع البيئة والتقادم، فهي ليست قوالب سابقة التجهيز هبطت على الإنسان من السماء لتبقى ثابتة عبر الزمان. وللحديث بقية.