John Lock
( 1632- 1704 )


إعداد/ ماجد كامل
مقدمة :-
يمثل الفيلسوف الإنجليزي الكبير جون لوك John Lock ( 1632- 1704 ) . أهمية كبيرة في تاريخ الفلسفة  في العالم كله ، فلقد شكلت كتاباته محور أفكار العصر الحديث خصوصا في مجال العقل والتسامح .

تاريخ حياته :
ولد في 24 أغسطس 1632 م ، تلقي تعليمه الأولي في مدرسة وستمنسر ، ثم في كنيسة المسيح في جامعة أكسفورد ،  وبسبب تبرمه من التعصب الشديد الموجود عند البيورتيان Puritan  ( مذهب بروتستانتي  يجمع خليطا من الأفكار اللاهوتية والسياسية والاجتماعية ، واشتهروا بشدة تعصبهم وتزمتهم ) . لم ينخرط في سلك رجال الدين ، وحول مساره  إلي دراسة الطب ، وأصبح طبيبا خاصا لأحدي العائلات ، صار عميدها وزيرا للعدل ويدعي اللورد آشلي

ولعب دورا خطيرا في السياسة الإنجليزية ، وتأثر به لوك كثيرا  ، وتحت تأثيره كتب مقالا هاما في التسامح On Tolerance  ، ثم هاجر لوك الي هولندا بسبب علاقته  الوثيقة باللورد آشلي  الذي كان معارضا للملك ، وفي هولندا كتب  كتب مقالا هاما بعنوان " مقال خاص بالفهم البشري Essay Concerning Human Understanding ،  وعندما تحسنت الأمور في إنجلترا ، عاد مرة أخري إلي وطنه ، وتوفي هناك في 28 اكتوبر 1704 عن عمر يناهز 72 عاما .

أهم كتبه ومؤلفاته :-
ولقد أثري الفيلسوف الكبير المكتبة الفلسفية  بالعديد من الكتب الهامة نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل   إليه :-
 1-مقال في الفهم البشري ، وصدر عام 1690 م .
2-رسالة في التسامح ، سوف نتكلم عنها بالتفصيل بعد الانتهاء من عرض قائمة مؤلفاته .
3-رسالتين عن الحكومة :- وصدر عام 1690 .
4-بعض الأفكار عن التربية :-
5-معقولية المسيحية :- وله في ذلك كتابين ، الكتاب الأول صدر عام 1695 ، والكتاب الثاني صدر عام 1697م .
6-كيف يعمل العقل .
7-دراسة لرأي مالبرانش في رؤية الأشياء في الله :- وصدر  عام 1706 م .
8-بحث في المعجزات :- وصدر عام 1706 م .
9-ذكريات تتعلق بحياة شافستبري :- وصدر عام 1706م .

(بو معراف إيمان :- فلسفة التسامح عند جون لوك ، جامعة 8 مايو ، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية ، الجزائر ، مذكرة مكملة لنيل درجة الماجستير ، 2018 ، الصفحات من 10- 13 )

وسوف تكون لنا في هذه المقالة وقفة خاصة مع كتاب "رسالة في التسامح A Letter Concerning Tolerance ) ،  فهو في الأصل رسالة نشرت لأول مرة باللغة اللاتينية عام 1689 . وهي رسالة  موجهة إلي صديق له يدعي " السير فيليب فان ليميبورج " والظروف التي دفعته   إلي كتابتها ،  انه عندما كان منفيا في هولندا ، ألغي الملك لويس الرابع عشر        Louis XIV     (   1638- 1715 )   المرسوم الذي كان يضمن التسامح الديني للبروتستانت الفرنسيين  ، وبناء علي لقاء تم بين لوك وأحد أساتذة اللاهوت في هولندا ، طلب منه كتابة رسالة حول  أهمية التسامح ، فكتب لوك الرسالة خلال شتاء ( 1685- 1686 ) .  وكان هدف لوك الرئيسي من الرسالة  هو " التفرقة الدقيقة بين عمل الحكومة المدنية وعمل الدين " فرسالة الحكومة هو تدعيم المصالح الخارجية المتعلقة بالحياة والحرية والصالح العام : بينما هدف الدين هو خلاص الإنسان ، والطريقة الوحيدة التي يمكن للكنيسة من خلالها كسب أتباع حقيقين ، هو الإقناع وليس العنف . فلو كان الإكراه يقنع شخصا ما بمهوم ما ، فإنه لن يساعده  في ضمان الخلاص له  .

والجدير  بالذكر أنه صدرت ترجمتان عربيتان لهذه الرسالة هما :-
1-الترجمة الأولي صدرت عن  المجلس الأعلي للثقافة  ضمن المشروع القومي للترجمة  ، قامت بالترجمة الدكتورة مني أبو سنه ، تقديم ومراجعة الدكتور مراد وهبه  ، وهي ترجمة عن الإنجليزية .

2-الترجمة الثانية صدرت عن مركز عبد الرحمن بدوي للإبداع ، وترجمها الفيلسوف المرحوم الدكتور عبد  الرحمن بدوي (  1917- 2002 ) وهي ترجمة عن الأصل اللاتيني .

ولقد قام  الدكتور عبد الرحمن بدوي بذكر الأفكار الرئيسة التي تحتويها الرسالة وهي :-
1-لا بد من التمييز الدقيق بين مهمة الحكومة  المدنية  ، ومهمة السلطة الدينية ، واعتبار الحدود بينهما ثابتة لا تقبل أي تغيير .
2-رعاية  نجاة روح كل إنسان هو امر مكفول إلي الله وحده ، ولا يمكن أن يعهد به إلي أي سلطة مدنية أو دينية .
3-حرية الضمير حق طبيعي لكل إنسان .

4-لا ينبغي للحاكم أن يتسامح مع الآراء التي تتنافي مع المجتمع الإنساني أو مع تلك التي تتنافي مع القواعد الأخلاقية الضرورية للمحافظة  علي المجتمع المدني .

5-لا ينغي للحاكم أن يتسامح مع  الملحدين لأنه لا أمان لمن لا يؤمن بالله .

6-يجب أن لا تتهم المذاهب المختلفة  للمذهب السائد في الدولة أنها بؤر لتفريخ الفتن وألوان العصيان  .
7-الكنيسة ليست ملزمة بالتسامح مع عضو يصر علي هتك قوانينها ، بل لها الحق في  طر ده ؛ بحيث لا يتضمن ذلك حرمانه من أي حق من حقوقه المدنية .

8-الحاكم ليس أي شان بالعناية بالأرواح  ، وليس له الحق في الاعتراض علي أي شعائر دينية أو مراسيم دينية .

 . 9-العقائد الدينية لا يمكن فرضها بالقانون ولا منعها ، فالقانون لا يستطيع أن يكره الإنسان علي الإيمان ، والعقائد لا يجب أن تؤثر في الحقوق المدنية .
( راجع البنود بالكامل في :-جون لوك :- رسالة  في التسامح ، ترجمة وتعليق عبد الرحمن بدوي  ، الصفحات من   54- 60 ) .

وسوف نحاول في المساحة الباقية من المقالة عرض لبعض فقرات من الكتاب ،ففي  مقدمة كتابه يقول مخاطبا سيده الموجه إليه الرسالة " التسامح هو العلامة المميزة للكنيسة الحقة ، فالبعض يتباهي بقدم الأماكن والألقاب ، أو بعظمة الطقوس ، والبعض يزهو بصلاح إيمانه .... هذه كلها وغيرها مما علي شاكلتها إنما علامات علي شهوة البشر في تسلط كل منهم علي الآخر  أكثر مما هي علامات علي حب كنيسة الله . فإذا تجرد الفرد من المحبة والتواضع وإرادة الخير للبشرية بمن فيها من غير المسيحين فإنه في هذه الحالة ، لا يمكن أن يكون مسيحيا حقا ( جون لوك :- رسالة في التسامح ، ترجمة مني أبو سنه ، صفحة 19 ) .

وقال أيضا " إذا زعم أي إنسان أنه ينبغي استخدام السيف والنار لإجبار الناس علي اعتناق عقائد معينة ، بغض النظر عن الجانب الأخلاقي ، وإذا حاول أي إنسان أن يحول الآخرين إلي عقيدته وأن يجبرهم علي الاعتراف بما لا يؤمنون بدعوي أن عقيدتهم كاذبة ، إذا حدث ذلك فمن المؤكد أن مثل هذا الإنسان ينشد تجمعا ضخما يشاركه نفس العقيدة . ولكن أن يكون مقصده تأسيس كنيسة  مسيحية حقيقية فهذا ما لا يصدقه عقل . ( جون لوك :- نفس المرجع السابق ، صفحة 22 ) .

وحول العلاقة بين الكنيسة والدولة كتب يقول " السلطة ما دامت مقيدة بطابع كنسى فيجب أن تكون  مقيدة بحدود الكنيسة ،إذ ليس في إمكانها بأي حال من الأحوال ، أن تمتد إلي الشئون الدنيوية ، لأن الكنيسة ذاتها منفصلة عن الدولة ومتميزة عنها تماما . فالحدود بينهما ثابتة ومستقرة . ومن يخلط بين المجتمعين كمن يخلط بين السماء والأرض ،وهما متباعدان ومتضادان  أشد التباعد والتضاد ..... ومن ثم لا يحق لأي إنسان مهما تكن رتبته الكنسية ، ان يحرم إنسان آخر ليس عضو في كنيسته وليس منسبا إلي إيمانه  ( جون لوك :-  مرجع سبق ذكره ، صفحة 36 ) .

وحول سلطان الحاكم في فرض نمط عبادة معين كتب يقول " ليس من سلطان الحاكم أن يفرض طقوسا معينة لعبادة الله بقوة القانون سواء في كنيسته أو في أية كنيسة أخري  . وسبب ذلك مردود أيضا إلي الممارسات الخاصة بعبادة الله  . فالعبادة التي تخلو من الإيمان بها ليست حسنة في ذاته وليست مقبولة من الله  ، ومن ثم فأن فرض مثل هذه العبادة علي شعب يري أنها متناقضة مع معتقداته معناها إجبار الشعب هذا الشعب علي الإساءة إلي الله  ( جون لوك :- صفحة 43 ) .

ويختتم لوك كتابه بهذه العبارة الهامة حيث قال : " في إيجاز يمكن القول أن من لا ينكر تعاليم الكتاب المقدس الصريحة أو من  لا يحدث انفصالا بسبب أمر ليس واردا بوضوح في النص المقدس لا يمكن  أن يكون هرطوقيا أو منشقا سواء في الفعل أو في الحق ، مهما طعنتت فيه أية طائفة من الطوائف المسيحية . ( جون لوك :- نفس المرجع السابق ، صفحة 69 ) .

 بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-جون لوك :- رسالة في التسامح ، ترجمة وتعليق عبد الرحمن بدوي ، مركز عبد الرحمن بدوي للإبداع ، الطبعة الأولي ، 2011 .
2-جون لوك :- رسالة  في التسامح ، ترجمة  مني أبو سنه ، تقديم ومراجعة مراد وهبه ، المجلس الأعلي للثقافة ، المشروع القومي للترجمة ، الكتاب رقم 28 ،الطبعة  الأولي ، 1997 .

3-جون دن :- جون لوك مقدمة قصيرة جدا ، ترجمة فايقة جرجس حنا ، مراجعة هبة عبد المولي  ، مؤسسة هنداوي .
4-زكي نجيب محمود وأحمد  أمين :- قصة الفلسفة الحديثة ، مؤسسة هنداوي .

5-بو معراف إيمان :- فلسفة التسامح عند جون لوك ، جامعة 8 مايو ، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية ، الجزائر ، مذكرة مكملة لنيل درجة الماجستير ، 2018 ، الصفحات من 10- 13 .