الأقباط متحدون - طرقات على جدار الذاكرة
أخر تحديث ٠١:١٧ | السبت ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢ | ١٥ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٥٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

طرقات على جدار الذاكرة

حادثة قطار أسيوط
حادثة قطار أسيوط
بقلم: فاروق عطية
كنت مستلقيا على سريرى بين متيقظ وبين حالم, أجترّ فى ألم ككل المصريين حسرة اللحظة الرهيبة  لمصاب الوطن فى أعز ما يملك, خسارة أكثر من خمسين طفلا كانوا هم الأمل لمصر ولزويهم فى لحظة إهمال فارقة, كثيرا ما تتكرر فى بلادنا, نثور لها ونحزن وبعد أيام ننسى ولا نعتبر, فتتكرر المأساة مرات ومرات ويتكرر الانفعال والحزن, وتعود دائما ريما لعادتها القديمة, وكأن ريما هى قدرنا لا نستطيع منها الفكاك. استيقظت من تأملاتى الحالمةعلى صوت تهلل العربى وأم العربى ففتحت عينىّ وأذنىّ أستطلع سر هذه الفرحة المباغتة وقلبى يقول كما كُلنا نقول فى لحظات الفرح: خير.. اللهم اجعله خيرا. 
قال العربى وعلى شفتيه شبه ابتسامة: فعلها الأهلى وخالف كل التوقعات وتحدى الإحساس باليأس وانتصر على الترجى فى رادس وعاد بكأس أفريقيا ليحقق المعجزة لسابع مرة ليكون هذا الانتصار هدية متواضعة لأرواح شهداء بورسعيد.
 
حقا قد يولد الفرح من جوف الحزن, فنحن شعب مقدر له الأحزان ويأتيه الفرح بالقطرات. رحت أتأمل وربما أتفلسف, حدثين فى يوم واحد, أولهما مأساة تحدث فى الصباح الباكر نتيجة إهمال لا يغتفر, تمرق حافلة تقلّ ستون طفلا لتوصيلهم لمدرستهم خلال مزلقان مفتوح فيدهمها قطار قادم بسرعته فيصطدم بها ويدفعها لمسافة كيلومترين مزهقا أرواح أطفال كانوا أمل أهاليهم ومستقبل مصر أيضا, مخلفا حزنا عميقا ليس لأهاليهم فقط ولكن لكل مصر وأهلها. والحدث التالى يحدث فى نفس اليوم ولكن عصرا, ينتصر فريق كرةالقدم للنادى الأهلى على منافسه فريق الترجى التونسى فى عقر داره بمدينة رادس ليعود بكأس أفريقيا, فيحدث فرحة ليس لعشاق الأهلى فقط ولكن لكل المصريين. رحت أبحث عن العلاقة بين الحدثين فوجدت العلاقة بينهما وثيقة. الحدث الأول ناتج عن إهمال متأصل فى بلادنا لا نحيد عنه وكأننا نعشقه, حوادث القطارات والطرق كثيرة ومتعددة ويموت فيها ويصاب بعاهات مستديمة عشرات الآلاف سنويا ولا تتخذ الحكومة ـ كل الحكومات قبل الثورة وبعدها ـ أى إجراء لحل المعضلة والتخلص من هذه الآفة التى أدمناها. والحدث الثانى هو انتصارات فريق النادى الأهلى دون غيره من الأندية وأصبحت إنتصاراته عادة قد أدمنها ولا يستطيع الحياد عنها كأنه يعشقها. إذن الرابط بين الحدثين هو العادة والإدمان, سيان كانت العادة أو الإدمان سلبية أو إيجابية.
 
ورحت أفكر مرة أخرى وأتساءل ما سبب فشل الحكومة فى القضاء على الإهمال أو إيجاد حلول لعدم تكرار هذه المآسى المفجعة ؟ وما هو سبب انتصارات النادى الأهلى المتوالية حتى أصبح هو نادى القرن وأفضل أندية أفريقيا ومن أفضل أندية العالم أيضا ؟ وبعد تفكير اكتشفت أيضا العلاقة بينهما. الحكومة فى مصر للأسف حكومة ضعيفة لا حلول لديها وتفتقر للحزم والجدّية, أى انها تسّير الأمور بالفهلوة وبدون خطة مدروسة أو حلول جاهزة للتنفيذ, ولذلك تتوالى الانتكاسات وتعم مصر الانفلاتات والاحتجاجات ولا من يلبى أو يجيب. وعلى عكس ذلك يدير النادى الأهلى مجلس إدارة واع وقادر وحازم, لديه الوسائل والحلول الجاهزة لحل المشكلات والتخلص من المعوقات فدانت له الانتصارات. إن مصر فى حاجة لحكومة حازمة وقادرة, حكومة وطنية تفعّل المواطنة وتحل المشكلات بالأساليب العلمية وليس بالدروشة والآيات القرآنية, مصر أكبر من جماعة كانت محظورة وطوال عمرها تعمل تحت الأرض بأساليب ملتوية لا تصلح للحكم, حكم دولة ذات حضارة وتاريخ تليد فى حجم مصر المحروسة.
 
   عُدت للإستلقاء على سريرى بين متيقظ وحالم, فعن على خاطرى منظر الشيخ حسنى الضرير (محمود عبد العزيز) فى فيلم الكيت كات. الشيخ حسنى لا يريد أن يصدق أنه ضرير لدرجة أنه يمتطى موتوسيكلا وينطلق به فى الحارة دون أن يأبه للمخاطر التى قد يسببها لجيرانه. تماما يعمل السيئ الرقيص الحاج الشيخ البشمهندز مرزى الذى رزانا به القدر فى غفلة من الزمان. الشيخ مرسى يتقمص شخصية الشيخ حسنى تماما لكن بصورة مغايرة, فهو أيضا لا يريد أن يصدق أنه رئيس لكل المصريين, ويتصور  أنه فقط رئيس لأهله وعشيؤرته من الأخوان فى مصر أو غزة. لا يريد أن يصدق أنه رئيس لدولة منهارة إقتصادية وعلى الحديدة وبتقول عشانا عليك يا رب, يتصور أننا أغنى من دول البترودولار. لا يريد أن يصدق أن أكثر من 60% من شعب مصر تحت خط الفقر وأن سكان غزة معظمهم أكثر منا ثروة ويكسبون الملايين من تهريب البضائع المصرية المدعمة والسيارات المسروقة منا ومن تجارة المخدرات والسلاح عبر الأنفاق المفتوحة على البحرى. لا يريد أن يصدق أن مستشفياتنا لا يوجد بها شاش أوقطن أومحاليل لعلاج الحالات الحرجة وحوادث الطرق. لا يريد أن يصدق أن بمصر أزمة طاحنة فى الغاز والسولار والبوتاجاز والكهرباء. وبكل أريحية وسفه يمد أهله وعشيرته فى غزة بما ينقص مصر من مواد تموينية وغازوسولار بآلآلاف من الأطنان. بعد المعارك بين غزة وإسرائيل التى راح ضحيتها أربعون شهيدا فى أربعة أيام بسبب سفه حكومة حماس, يرسل لهم أطنانا من المواد الطبية كالشاش والقطن الطبى والمحاليل والمعقمات والأدوية, وعندما أزهقت أرواح أكثر من خمسين تلميذا ومات فى حوادث طرق أخرى فى نفس اليوم العشرات حتى وصل العدد لأكثر من ثمانين قتيلا ومئات من الجرحى لم تقم المستشفيات بواجبها فى العلاج لنقص هذه المستلزمات التى أرسلت لغزة بالأطنان, ونسى أو تناسى السيئ الرقيص المثل الشعبى الذى يقول: ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع.
 
نحن لسنا ضد معاونة غزة فى محنتها التى وضعت نفسها فيها بنفسها, ولكن لا يقدر على القدرة غير الله القادر. ولماذا دائما مصر الأخت الكبرى هى دائما المنوط بها أن تحارب لآخر جندى مصرى وتعاون ماليا  لآخر جينيها فى خزائنها, ودول البترودولار الغنية تكتفى بالشجب وحلو الكلام؟ الفلسطينيون المهاجرون لشتى بقاع المعمورة وهم من أشطر التجار صاروا بليونيرات وفى مصر منهم الكثير, لماذا لا يعاونون ببعض من أموالهم لنصرة أخوتهم فى الوطن ؟ ولكنهم فقط يتكلمون ويحاربون حنجوريا ولا يدفعون.
 
   فى يومالذكرى اتلأولى لشهداء شارع محمد محمود (19 نوفمر), رغم كبر سنى وبلوغى من العمر أرزله صممت على المشاركة فى المسيرة السلمية. أعددت لافتة كبيرة من خمسة أمتار من البفتة البيضاء وكتبت عليها: الإستقلال التام من حكم الأخوان اللئام أو الموت الزؤام. حملت اللافتة أنا وأم العربى وسرنا مع المتظاهرين السلميين نهتف ونشجب حكم المرشد. وفجأة ظهر العنصر الثالث الذين يطلقون عليه اللهوالخفى, والذى يختفى تماما فى مليونيات الأخوان والسلفيين, ويظهر بأعداد كبيرة فى المسيرات المضادة لهم. ظهروا وبأيديهم الخناجر والهراوات. إختطفوا لافتتى ومزقوها واقترب أحدهم, شاب مفتول الضلات عريض المنكبين وصاح فى وجهى قائلا: خسئت يا كافر ثكلتك أمك, ثم نزل على رأسى الخالى من الشعر بهراوته فأحسست بها تنفلق نصفين فصرخت من الألم, لأستيقظ وأجد أم العربى راكعة على ركبتيها تحت صورة السيدة العذراء وتردد: شفاعتك يا عذراء يا أم النور, شفاعتك يا أم المخلّص, ساعديه أن يشفى من الهلاوس والكوابيس التى تنتابه ليلا وتكاد تقضى عليه وتقضى على أنا أيضا..!!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع