هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
مسرح الجريمة هو الشاهد الصامت الذي يهمس بالحقيقة المحضة فهو مستودع سر الجريمة لاحتوائه على الآثار المادية والأدلة الجنائية، على ارتكاب الجريمة وتحديد مرتكبيها.

ويُعرف مفهوم مسرح الجريمة على أنه هو المكان الذي تنبثق عنه كافة الأدلة سواء التي تدين المتهم أو تبرؤه، وهو المكان الذي انتهى فيه النشاط الإجرامي للجاني ويبدأ منه نشاط القائم بالتحقيق الأمر الذي يكسبه أهمية كبرى.ويجب الاعتناء بكل تفصيلة ولو صغيرة في ذلك المكان.

فالجريمة لا تموت، فمهما كان المجرم ومدى حرصه على ارتكاب جريمته لابد أن يترك أثرا في مسرح الحادث حتى وإن لم يترك أي أثر إلا أن الجريمة لا زالت ترتبط به حتى يتم حلها .

ويُعدُّ مسرح الجريمة أحد أكثر المفاهيم قلقًا وخطورةً في العالم، حيث يقترن هذا المصطلح بالأعمال الإجرامية والشروط الخطيرة التي تُشكِّل خطرًا على المجتمعات وتصبح تحديًا للسلطات المعنية والقانون. وإنَّ مكافحة جرائم المسرح تستلزم تقنُّات حديثة وإستراتيجيات فضلاَ عن نظام منظَّم يتضمَّن قوانين صارمة لإدارته بفاعلية.

وتعتمد آلية عمل فرق مسارح الجرائم على نظرية ترك الآثار وعلاقتها بالمجني عليهم والجناة وعلى تأثير التلامس؛ حيث لابد للمجرم أن يلامس المحيط أو المجني عليهم أثناء ارتكابه الجريمة وعليه يتم تناقل الآثار، وهذه النظرية تُعرف بنظرية العالم الفرنسي إدموند لوكارد التي تؤكد "أن كل تلامس لابُد أن يترك أثراً"، فالجريمة احتكاك واتصال وتلامس بين عدة عناصر من ضمنها الجاني والمجني عليه وأداة الجريمة ومسرح الجريمة هو الذي يلعب دور كبير في كشف وحل غموض الجرائم، يُعدّ نقطة الانطلاق الحقيقية للسير في إجراءات البحث والتحري والتحقيق وهذا يتطلب تعاون الخبير والمأمور القضائي والمحقق، ويجب عليهم تشكيل فريق عمل لمعرفة كيف ولماذا حدث هذا الحادث، وما هو الدور الذي لعبه كل الأشخاص وكل ما يفيد التحقيق.

بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة، فإن مسرح الجريمة يحتوي على العديد من الأدلة التي يتطلب استخدامها قبل أن تتبدل أو تختفي والحفاظ عليه قبل العبث بمحتوياته المادية.

إن أيَّة خطوة يخطوها المتهم وأَّي شيء يلمسه، وأي شيء يتركه، حتى بغير قصد، سيشّكل دليًلا صامتاً ضده. فليس مجّرد بصمات أصابعه أو آثار قدميه، بل َشعره، أو خيوط ثيابه، أو الزجاج الذي يكسره، أو آثار الأدوات التي يتركها، أو الدهان الذي يخدشه، أو الدم أو المنِي الذي يفرزه أو يجمعه - كل هذه وأكثر تشّكل شاهداً صامتا ضده. إنها أدلة لا تُمحى ولا تشِّوشها إثارة اللحظة؛ إنها لا تغيب بغياب الشهود البشر، فهي أدلة حقيقية؛ والأدلة المادية لا يمكن أن تخطئ ولا أن تكذب ولا أن تغيب كلياً. وحده تفسيرها يمكن أن يخطئ. ووحده عدم قدرة الإنسان على إيجادها ودراستها وفهمها يمكن أن يقلِّل من قيمته.

 تجدر الإشارة إن هناك ظواهر سلبية من البعض تواجه فرق مسارح الجرائم تتمثل في التجمع والتجمهر حول مسرح الجريمة بداعي الفضول، مما قد يتسبب في إخفاء بعض الآثار المادية. فيجب الإبلاغ الفوري عن الجريمة ، وإبعاد الأشخاص غير المعنيين عن المسرح، تتبعها معاينة أولية سريعة للمكان وجمع المعلومات الأساسية دون التلاعب بأي شيء داخل مسرح الجريمة. ويقوم المعنيون بمسح المكان، مع عمل تقريرٍ يصف بدقة وضع مسرح الجريمة. وتلعب التحقيقات الأولية دوراً محورياً في الكشف عن الجريمة وتحديد هوية الجاني، كما يجب توخي الحذر من التقاط أو تحريك الأشياء في مكان الواقعة، لأي غرض، حتى لو كان القصد لترتيبه وإعادته إلى موضعه، فقد تكون هناك آثار مادية لا تُرى بالعين المجرّدة، وتقوم  السلطات المعنية بجمع الأدلة والأدوات المتعلقة بالجريمة وإجراء التحقيقات اللازمة وتحليل البيانات للوصول إلى الحقيقة المطلوبة. فالحفاظ على مسرح الجريمة بطريقة احترافية يمكن أن يساعد في توفير الأدلة الضرورية لحل الجريمة شكل ناجح.

ويجب مراعاة الاعتبارات القانونية التي تحكم العديد من أنشطة التحقيق في مسرح الجريمة وعملية التحليل الجنائي. وهي تتعلق بمسائل منها كيفية الحصول على إذن بالدخول إلى المسرح، وإجراء التحقيق، ومناولة الأدلة (كنوع الإجراء المطلوب لحفظها)، وتقديم الأدلة المادية إلى مختبر التحليل الجنائي. وهي في النهاية تحدد مدى القبول بالأدلة التي تم جمعها في مسرح الجريمة.

وقد يؤّدي عدم التقيد بالقوانين والقواعد واللوائح التنظيمية القائمة إلى حالة لا يمكن معها استخدام الأدلة في المحكمة. لذا، ينبغي أن يكون العاملون في مسرح الجريمة ملمين بتلك القوانين وأن يكفلوا الامتثال لها على النحو الواجب.

كما يجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية واعتبارات الكرامة الإنسانية ، الي تحّدد مدّونات السلوك المهني والالتزامات الأخلاقية  للموظفين العاملين في مسارح الجرائم. وتشدد تلك المدّونات عادة على أهمية التصّرف بعناية ومهنية (بذل العناية الواجبة)، وموضوعية («معاملة الأدلة على أساس ما تُظهره، لا ما تعتقد أنها تظهره»)، وذهنية منفتحة ونزاهة.وتُعنىِ مدّونات السلوك بضرورة احترام الأفراد وكرامتهم الإنسانية لدى فحص الأدلة المادية وجمعها من الجثث أو الأحياء، واحترام خصوصية الضحايا. وهذا يشمل مراقبة الوسائط الإعلامية وتنظيمها.

التساؤل الذي يطرح نفسه هنا ما هي أهمية مسرح الجريمة  ؟
* يساعد مسرح الجريمة في إثبات وقوع الجريمة، وتحديد المكان والزمان .
* يساعد مسرح الجريمة في تحديد الجهات المختصة بهذه الجريمة، وتوجيه الجهود للتحقيق الصحيح.
* يساعد مسرح الجريمة في إمكانية التعرف على وسائل وأساليب تنفيذ الجريمة.
* فهم عقلية المجرمين: يساعد علم الإجرام في فهم عقلية المجرمين، ولماذا يرتكبون الجرائم، والعوامل التي تؤثر عليهم.
* يساعد مسرح الجريمة في توثيق الأدلة والمراجع المشبوهة التي تفيد التحقيق، وعرض الأدلة بشكل مفهوم وواضح للمحكمة في حالة النظر في القضية.
*الكشف عن المواد المستخدمة في الجريمة.
* تحديد مسؤولية الجريمة وتحديد الأطراف الضالعة بها.

بناء عليه فإننا نحث أصحاب المنازل والمباني والأنشطة التجارية إلى تأمين ممتلكاتهم من خلال تركيب أجهزة المراقبة وأنظمة فتح وغلق الأبواب والتي سوف تسهم في ردع الجناة والتعرف عليهم وتسهل من عمليات البحث والتحري في حال وقوع جريمة.