قال المستشار هشام البسطويسى، نائب رئيس محكمة النقض سابقا لـ«المصرى اليوم»، إن الوضع القائم فى مصر الآن وضع لا نظير له، لم يحدث من قبل ولا يتصور أن يحدث فى أى مكان أو زمان آخر، وهو التخبط بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية بحسب الحاجة والهوى، ومرجع الأمر لما قام به الإخوان المسلمون من استغلال لجهل أعضاء المجلس العسكرى بالقواعد الدستورية وجهل من اعتمد عليهم المجلس العسكرى فى المشورة الدستورية، فبدأ الأمر بتعديل لدستور ١٩٧١، الذى خلا من نص يمنح «العسكرى» أى صفة، ما اضطره إلى إصدار إعلان دستورى بوصفه المفوض برضا شعبى فى إدارة البلاد خلال فترة ثورية انتقالية، مما منحه الشرعية فى إصدار الإعلان الدستورى الأول، الذى صدر معيبا ومتناقضا، وكان يتعين أن تشكل جمعية تأسيسية لصياغة الدستور، أو أن تتوافق القوى السياسية على دستور مؤقت لتجرى الانتخابات البرلمانية ورئاسة الجمهورية، وفقا للقواعد الدستورية ولكن أبى الإخوان إلا أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل الدستور، ووفقا لإعلانات دستورية يصدرها «العسكرى» دون التفات إلى رأى الآخرين، ودون وعى بمخاطر ذلك.
وقد حذرت قبل الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتهاء من الدستور، وقلت إنها ستؤدى إلى تمتع الرئيس بسلطات أسطورية ويمكنه التحول إلى ديكتاتور وقتما شاء وسيضعنا فى المأزق الذى نعانى منه الآن، لكن أصر الإخوان، ومعهم تيار الإسلام السياسى، على المضى فى الانتخابات، وها نحن الآن فى مأزق لا يوجد دستور ولا يحق لرئيس الجمهورية أن يصدر إعلانا دستوريا، ولا دستورا مؤقتا، بشكل منفرد والإعلان الدستورى الذى أجريت على أساسه الانتخابات الرئاسية تجاوزه الواقع ولم يعد هناك من حل سوى التوافق على دستور مؤقت لفترة زمنية محددة، ويستبعد منه كل مواطن الخلاف التى أثيرت فى الجمعية التأسيسية، على أن يتضمن عددا من المواد تحدد سلطات رئيس الجمهورية وتنظم انتخاب برلمان جديد وتضمن استقلال السلطة القضائية واحترام الحقوق الإنسانية والمعاهدات الدولية ودور مؤسسات الدولة.
والخلاصة أن الإعلان الدستورى غير شرعى ولا يحق للرئيس مرسى أن يصدره، بل صدر ممن لا يملك الحق الدستورى فى إصداره، كما أنه تضمن نصوصا محلها القوانين وليس النصوص الدستورية.
وأضاف «البسطويسى»: إذا ما فندنا سويا ما جاء فى الإعلان الدستورى، سنجد أولا: أنه تحدث عن إعادة محاكمة لمن سبق محاكمتهم وهذا مخالف للقواعد القانونية المستقرة ولقواعد العدالة، والأهم أنه مخالف لشرع الله، الذى يدعون أنهم الحريصون على تطبيقه سواء كان ذلك بإعادة محاكمتهم عن أفعال سبق محاكمتهم عنها أو بإنشاء نصوص عقابية جديدة تسرى بأثر رجعى على وقائع سابقة على إنشاء النص أو بالبحث عن أدلة جديدة لوقائع تمت محاكمتهم عنها.
ثانيا: إن القاعدة الأصولية «الضرورات تبيح المحظورات»، التى يحتجون بها لا تنطبق على الوضع الحالى من الناحية الشرعية، لأن الوضع الحالى نتاج أخطاء الممارسة السياسية لتيار الإسلام السياسى، وهو ما يتم إصلاحه بالعودة إلى الحق والاعتراف بالخطأ، وتصحيحه بالعدول عنه وليس بالتمادى فى الخطأ ومعالجته بخطأ جديد ومحظور آخر.
ثالثا: أنه اختصر حقوق الشهداء والمصابين فى التعويض وعقاب المعتدى وتجاهل تماما أن حق هؤلاء هو تحقيق أهداف الثورة التى ضحوا من أجلها، وأن الإعلان الدستورى لم يرد به ما يفى بهذه الأهداف، فخلا من أى نص يشير إلى العدالة الاجتماعية، ويتساءل البسطويسى: ما الحاجة للإعلان الدستورى لتحقيقها؟ فقد صادر الإعلان الدستورى الديمقراطية التى خرج الشهداء والمصابون من أجلها.
رابعا: أنه خالف شرع الله والقواعد القانونية والدستورية الراسخة التى تحظر تحصين قرارات الحاكم من المراجعة أو النقد أو النقض بمصادرة حق الالتجاء إلى القضاء.
خامسا: أنه يفسح لجمعية تأسيسية باطلة فى تشكيلها، ولا تلقى قبولا من جميع فئات الشعب، عدا تيار الإسلام السياسى، كما أن استمرارها فى عملها يضرب بعرض الحائط بحقوق الأقليات والمعارضة.
سادسا: أنه يمنح الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ واعتقال من يشاء بعبارات مطاطة وفضفاضة، هى نفسها الواردة فى المادة ٧٤ من الدستور القديم الذى أسقطته الثورة، وكان الشعب كله بما فيه «الإخوان» يطالب بإلغائها من الدستور القديم.
سابعا: أن الإعلان الدستورى يضع مصر أمام خيارين كلاهما مر ومخالف للقواعد الدستورية ويهدر حجية الأحكام هما إما أن نقبل بعودة مجلس الشعب الباطل أو نقبل بسلطات الرئيس الأسطورية، ومنها احتفاظه بالسلطة التشريعية، وفى الواقع إن الإعلان الدستورى فى حقيقته عقاب لمصر وشعبها على القبول بحل مجلس الشعب.
وقال «البسطويسى»: إن واجب كل مواطن بما فينا تيار الإسلام السياسى إن كانوا حقا يصبون إلى تطبيق شرع الله أن يردوا أخاهم إلى الحق وبذلك ينصرونه، فقد أمرنا بنصرة أخينا الظالم برده إلى الحق.
وردا على ما ردده الرئيس محمد مرسى فى خطابه بأنه يقف بالمرصاد للقضاه المختبئين داخل مؤسسة القضاء، فى إشارة إلى الفاسدين منهم يقول «البسطويسى»: «لا شك أن العدالة والمؤسسة القضائية طالها بعض ما أصاب مؤسسات الدولة فى ظل النظام السابق، ومن الجائز القول إن القضاء يحتاج إلى تطهير، ولكن ليكون الأمر عادلا يجب أن يتم بآليات عادلة فيجب أولا تحديد مفهوم الفساد الذى يحتاج إلى تطهير ولا يكفى فى هذا الصدد أن يبكى قاض على النظام السابق بل يجب أن يثبت فى حقه انحراف فى مسلكه أو عمله من خلال تحقيق عادل وأن تتم محاسبته أمام محكمة عادلة أو أمام هيئة الصلاحية وفقا للقانون، وكل ذلك متوفر فى قانون السلطة القضائية القائم والذى يجوز تعديله ببعض النصوص الجديدة التى تمكن من تحقيق الهدف المنشود بعدالة، فلا تكون هناك تصفية لحسابات شخصية ولا انتقام بحجة تطهير القضاء.
وأكد البسطويسى أن تحصين قرارات الرئيس من الرقابة القضائية أسوأ من حالة الطوارئ فلم يجرؤ عليها أحد من كل طغاة العالم.
أما عن الحكمة من تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى فذلك لأن «مرسى» لا يرضى بأحكام القضاء، والقول بالعلم المسبق بحكم المحكمة الدستورية أو محكمة القضاء الإدارى ينطوى على تلميح يعاقب عليه القانون ويشكل جريمة فى ذاته، لأنه يوحى بأن هيئة المحكمة أصابها انحراف، وهو إيحاء غير مقبول، كما أنه يجافى الحقيقة لأن الجميع يعلم أن الأساس القانونى للدعوى المقصودة هو نفسه الأساس القانونى الذى قام عليه الحكم بحل مجلس الشعب، ولذا فإن توقع منطوق الحكم لا ينطوى على الدلالة التى أرادوا بالغيبة والنميمة الإيحاء بها.
وأوضح «البسطويسى» أنه بموجب الإعلان الدستورى يمكن إعادة مجلس الشعب فورا بقرار من الرئيس مادام القرار محصنا من الطعن عليه أمام أى جهة أو محكمة، ولكن ما حاجته إلى ذلك إذا كان يملك السلطة التشريعية.. ويرى أن الإعلان الدستورى سيسقط أو سيسحب، وأتمنى أن يبادر الرئيس بسحبه.. أما عن موقف القضاه وتعليق العمل فى المحاكم والاعتصام فهو رد فعل طبيعى للتعبير عن غضبهم من تغول الرئيس على السلطة القضائية حتى يعدل عنه.
وتعليقا على تصريحات المرشد العام الأخيرة، يقول «البسطويسى»: إذا نظرنا إلى مسلك تيار الإسلام السياسى منذ بداية الثورة حتى اليوم فى إطار تصريحات المرشد العام الأخيرة لأدركنا الخطر المحدق بمصر والمنطقة، لأنها تدل على محاولة لاستنساخ الديمقراطية الإيرانية وهى لا تناسبنا بل هى ليست ديمقراطية أصلا، وأخشى أن يدفعنا ذلك إلى التحالف مع إيران دون حساب للمصالح العليا لمصر أو المنطقة العربية.
وتابع: «أنا لست ضد إيران، ولا ضد أن يكون بين مصر وبينها علاقات وتعاون لكن هذه العلاقات يجب أن تتم فى إطار الوعى بالأمن القومى لمصر وللدول العربية، خاصة دول الخليج.
فإذا أضفنا إلى ما تردد حديثه عن استضافة أهلنا فى غزة على جزء من أرض سيناء لأدركنا عمق الخطر الذى قد تتعرض له مصر.
وأوضح أن الأحداث ستفرض على الجميع تنحية الخلافات الحزبية والالتقاء على أهداف الثورة ووضع برنامج عمل وطنى لتحقيقها، فهذا لا خيار فيه وهو الطريق الوحيد المتاح للوصول بمصر إلى بر الأمان وطالب الشباب بالتمسك بالثورة وأهدافها والتصدى لمسؤولية العمل الوطنى والثقة بأنفسهم وبزملائهم، فلا يسمحوا لأحد بشق صفوفهم لأن قوتهم فى وحدتهم.
وأكد أنه من مزايا الديمقراطية أنها تفرز المواقف والناس وتزيل الالتباس الذى قد يحدث نتيجة اتفاق المصالح فى مرحلة ثم تعارضها فى مرحلة أخرى ولا يصح الخوف من هذا الفرز.. المهم هو التقيد بقواعد الديمقراطية وآداب الاختلاف فى الرأى.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.