إعداد/ ماجد كامل
لقد كان ميلاد السيد المسيح له المجد نقطة تحول حاسمة في تاريخ البشرية ؛ حيث فصل بميلاده التاريخ بين ما " قبل الميلاد " B .C " ؛ "وما بعد الميلاد A .D " . ومن هنا تناول آباء الكنيسة الأولون عبر العصور هذا الحدث بالكتابة والتأمل في هذا الأمر . لعل من أشهرهم القديس العظيم أثناسيوس الرسولي ( 298- 373 ) الذي كتاب كتابا كاملا بعنوان " تجسد الكلمة " يعتبر واحدا من أهم الكتب التي كتبت في شرح هذا الأمر ؛ حتي أن مؤرخو الكنيسة لقبوه ب" أمير شراح التجسد " وفي هذا المقالة تتناول بعض النصوص لبعض آباء الكنيسة الأولين الذين كتبوا تأملات عميقة في شرح الميلاد ؛ ولنبدأ بالعلامة أوريجانوس ( 185- 254 ) الذي لقبه العلماء بأمير شراح الكتاب المقدس ؛ حيث قال في وصف الميلاد في أطار شرحه لإنجيل لوقا " أسمعوا يا رعاة الكنيسة ؛ إن ملاك الله لا يزال ينزل من السماء ويعلن لكم أنه قد ولد لكم مخلص هو المسيح الرب ..... الرعاة هم حقا بحاجة إلي حضور المسيح ؛ ومن أجل ذلك ينزل ملاك من السماء ويقول لكم : لا تخافوا ؛ فها أنا أبشركم بفرح عظيم .... يا له من رمز لائق بالله ! فبيت لحم تعني بيت الخبز . إلي أي مكان كان باستطاعة الرعاة أن يسرعوا بعد البشارة بالسلام ؛ إن لم يكن إلي البيت الروحي ؛ بيت خبز السماء الذي هو المسيح ؛ أعني الكنيسة " .
أما القديس أثناسيوس فلقد كتب ( هو أخذ جسدا من جنسنا من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلا ؛جسدا طاهرا وبدون زرع بشر. لأنه وهو الكائن الكلي القدرة وباريء كل شيء ؛أعد الجسد في العذراء ليكون هيكلا له وجعله جسده الخاص متخذا إياة أداة ليسكن فيه ويظهر ذاته به .وهكذا إذ أتخذ جسدا مماثلا لطبيعة أجسادنا وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد ؛فقد بذل جسده للموت عوضا عن الجميع ؛وقدمه للآب .كل هذا فعله من أجل محبته للبشر أولا :لكي إذ كان الجميع قد ماتوا فيه ؛فإنه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء ؛ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب ؛فلا يعود للموت سلطان علي أجساد البشر ثانيا ؛ وأيضا فأن البشر الذين رجعوا الي الفساد بالمعصية يعيدهم إلي عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد الذي جعله جسده الخاص ).
أما القديس كيرلس الكبير( 380 تقريبا - 444 ) ؛ فلقد كتب قائلا ( بينما كان يري كطفل رضيع مقمطا في أحضان العذراء التي ولدته ؛ كان يملأ الخليقة كلها كإله وكجليس مع الآب .... كل ذلك لكي يبارك بداية وجودنا ؛ حتي أنه بميلاده من أمرأة وهو متحد بالجسد ؛ تبطل اللعنة الواقعة علي كل جنسنا ) .
كما كتب القديس باسيليوس الكبير ( 329- 379 م ) بعنوان " يا لعمق صلاح الله ومحبته للبشر " المسيحيون يتجادلون : كيف يصير الله في الجسد . وماهية هذا الجسد ؟ وإن كان أقتني لنفسه إنسانا كاملا أو غير كامل ؟! . لنصمت في كنيسة الله أمام الأمور الفائقة ! ولنمجد حقائق إيماننا ؛ ولا نفتش بالزيادة عما يجب توقيره في صمت ! اشترك مع الذين استقبلوا الرب من السماء بفرح ! تأمل الرعاة الذين صاروا حكماء ؛ والكهنة الذين تنبأوا ؛ والنسوة اللاتي ابتهجن ؛ لما قبلت مريم الخبر المفرح من جبرائيل ؛ ولما أحست أليصابات في أحشائها بيوحنا يرتكض .
أما القديس غريغوريوس النزينزي (329 – 390 ) فلقد كتب بعنوان " غاية السر الأعظم أن نصير واحدا في المسيح " فقال " هذه هي غاية السر الأعظم من نحونا . هذا هو ما يريده لنا الإله الذي تأنس وافتقر من أجلنا ؛ لكي يقيم الجسد ويفتدي الصورة ؛ ويجدد خلقة الإنسان ؛ لكي نصير نحن جميعا واحدا في المسيح ( غلا 3 : 28 ) ..... حتي لا نكون فيما بعد ذكر ولا أنثي ؛ بربري ؛ عبد ؛ حر ؛ التي كلها صفات للجسد ؛ بل لا نعود فيما بعد نحمل في ذواتنا إلا الشكل الإلهي ؛ الذي به وله قد خلقنا .
ثم جاء القديس يوحنا ذهبي الفم ( 354- 407 ) وتحت عنوان " الرب رفعنا بتجسده إلي مجد لا ينطق به " فقال " الكلمة صار جسدا ... فالسيد قد أخذ لنفسه شكل العبد ؛ فقد صار ابنا للإنسان ؛ لكي يجعل بني البشر يصيرون أولاد الله ؛ فالعلي حينما يتحد بالأذلاء ؛ لا ينقص أطلاقا من مجده الخاص ؛ بينما يرفع الآخرين من منتهي مذلتهم ؛ وهذا هو ما حدث في المسيح : فأنه بتنازله لم ينقص إطلاقا من طييعته الخاصة ؛ ولكنه رفعنا نحن الجالسين في الظلمة إلي مجد لا ينطق به " .
ونختتم هذه النسمات الآبائية بقصيدة رائعة للقديس مار أفرام السرياني ( 306- 373 ) ؛ قام بترجمة بعض فقرات منها جناب الأب الورع القمص تادرس يعقوب ملطي ؛ نقدم لكم بعض فقرات منها بشيء من التصرف :-
في ليلة الميلاد هذه هذه ليصرف كل إنسان عنه الغضب والحزن .
في هذه الليلة ؛ لا يكون فيها مرارة أو قسوة .
لا تنتشر أحزان ؛ لا نكون غضوبين ؛ في هذا اليوم الذي نزل فيه سيد كل أحد إلي العبيد ؛ لينزل السادة بلطف إلي عبيدهم ! في هذا اليوم الذي صار فيه الإله الغني فقيرا من أجلنا ؛ فليشارك الأغنياء الفقراء في موائدهم . في هذا اليوم الذي مهد فيه الله لصلواتنا طريق في الأعالي ؛ فلنقدم صدقة لمن يصرخون متوسلين إلينا أحسانا ؛ اليوم أخذ الله طبيعة غير التي له ؛ ليته لا يكون صعبا علينا أن نغير إرادتنا الشريرة .