د. أمير فهمي زخارى  
حديقة الأزبكية (الحديقة التي كانت)
في أواخر القرن الرابع عشر إبان حكم دولة المماليك أهدى السلطان قايتباي مكافأة لقائد جيوشه الأتابك سيف الدين بن أزبك قطعة أرض ناحية بركة بطن البقرة وأقام عليها منزلاً له ومتنزهاً حول البركة يحمل اسمه «الأزبكية». 
✍وبحلول عام 1495 كانت الأزبكية قد تحولت إلى حي كبير يتوسط القاهرة وبعد دخول العثمانيين مصر شيد رضوان كتخدا في الأزبكية قصرا كبيرا على حافة البركة الشرقية وسماه «العتبة الزرقاء». 
 
ومن ميدان الأزبكية خرجت جماهير القاهرة عام 1805م تنادي بمبايعة محمد علي واليا على مصر. 
☜ولكن الخديوي إسماعيل يعتبر هو المؤسس الحديث للأزبكية حيث عاد عام 1867م من زيارته لباريس مبهوراً بعمرانها الحديث وشوارعها وحدائقها فقرر تحويل الأزبكية إلى حى حديث على شاكلة الأحياء الباريسية يضم حديقة رائعة فأصدر أوامره عام 1869م بردم البركة التي كانت تتوسط الميدان وأنشأ في نفس مكانها عام 1870م حديقة الأزبكية على يد المهندس الفرنسي «باريل ديشان بك» "الذي كان مسؤولا عن حدائق باريس "على مساحة 18 فدانا أحيطت بسور من البناء والحديد وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع وتم تزويد الحديقة بـ2500 مصباح غاز وغرس بها ما يقارب الـ150 نوعا من الأنواع النادرة للأشجار جلبت خصيصا من الهند وأوروبا وإفريقيا والبرازيل وكوبا... وأقام في طرف الأزبكية مسرح الكوميدي الفرنسي " والذي عرف بتياترو الأزبكية". 
 
✍أما التياترو فكان لتقدم عليه العروض المسرحية والتي حضر بعضها الخديوي، وهذا التياترو قدمت عليه أوائل العروض المسرحية التي قدمها يعقوب صنوع وما تلاه من فرق مسرحية مثل فرقة فاطمة رشدي وعكاشة وغنى عليه أشهر المطربين مثل الشيخ يوسف المنيلاوي وعبده الحامولي ومحمد عثمان وأيضا أم كلثوم التي كانت تقدم منه حفلتها الشهرية إلى الستينيات تقريبا قبل انتقالها لمسرح قصر النيل ليتسع لضعف عدد المقاعد، حيث كان مسرح الأزبكية به 600 مقعد فقط
 
وبعد الانتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها عين الخديوي مسيو باريليه الفرنسي ناظرًا لها، وتم حفر بحيرة صناعية في قلب الحديقة مع بحيرات أخرى أصغر في أماكن متفرقة وخصصت مراكب بالبدال للتنزه في البحيرات، كما أنشئت قنوات تجرى بها المياه تمر من تحت جسور شيدت بمنتهى الأناقة هذا بخلاف جبلاية صناعية مثل الموجودة في حديقة الأسماك وكشك للموسيقى تعزف فيها الفرقة الخديوية الموسيقية (النحاسية) الموسيقى مرتين أسبوعيا.
 
✍وبعد الإنتهاء من تشجير الحديقة بالأشجار والنباتات النادرة وتزيينها وإنارتها عين الخديوي مسيو «باريليه» الفرنسي ناظرًا لها وكانت تقام بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين ... لتكون هذه الحديقة لائقة بمصر التى كانت درة الشرق وساحرة العالم القديم. 
الجدير بالذكر أن منطقة الأزبكية كانت تضم عدداً كبيراً من الفنادق الفاخرة فى ذلك الوقت منها "شبرد والكونتيننتال ووندسور وإيدن بالاس" بالإضافة الى الأوبرا الخديوية.
 
وفي عام 1869 أنشأ الخديوي إسماعيل دار الأوبرا الخديوية بمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس التي عرضت عليها أوبرا عايدة لفردي، وأمر بإعداد حديقة الأزبكية لاستقبال الضيوف، وأقيم تمثال لإبراهيم باشا بن محمد علي والذي صنعه المثال كورديه وتكلف 18 ألفا و320 جنيهًا.
كان حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952م بمثابة بداية العد التنازلي للأزبكية فطرأت عليها تغيرات كثيرة فقد تم نقل مكاتب وشركات الطيران التي كانت موجودة بفندق شبرد الذي احترق وتم تدميره تماما في الحريق إلى ميدان التحرير.
 
وتم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه بمساحته الهائلة إلى أربعة أماكن تضم حاليا مبنى البنك المركزي الجديد، ومحطة بنزين وجراج الجمهورية ومبنيين تابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية والتأمين الصحي، أما حديقة الأزبكية فقد قسمت هي الأخرى، وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واخترقها شارع فؤاد أو 26 يوليو فقسمها إلى قسمين وتتقلص مساحة حديقة الأزبكية للنصف والنصف الآخر فيبنى عليه منشآت مثل مسرح العرائس ومسرح 26 يوليو المسرح القومي فيما بعد.
 
وظلت حديقة الأزبكية، رغم ما مر عليها من تغيرات تشتهر بسورها الحديدي الأسود، إلى أن تم هدم السور مع بداية ثورة يوليو 1952، وإقامة سور حجري مكانه والذي تحوَّل شيئا فشيئا إلى معرض دائم ومفتوح للكتب، أصبحت بمرور الوقت مكتبات ثقافية ومنارة إشعاع للفكر والثقافة، وأطلق على سور الأزبكية اسم "جامعة الفقراء"، حيث يحصل الراغبون في القراءة والعلم من أبناء الطبقة الفقيرة على ضالتهم بأسعار زهيدة.
 
وتصبح الحديقة من بعد حريق القاهرة وحريق دار الأوبرا سنة 1971 من سيئ إلى أسوأ وتعصف بها يد الإهمال من ناحية والسرقة والنهب من ناحية أخرى، فتنحسر الأشجار والنباتات النادرة ويستولي على أسوارها من الخارج الباعة الجائلون، ثم يأتي مشروع مترو الأنفاق ليستقطع بدوره جزءا آخر من الحديقة والميدان.
 
ثم محاولات لتحويل الحديقة لسوق للباعة الجائلين مع الاستغاثات بوقف هذه المهزلة والحفاظ على هذه الحديقة التاريخية وآثارها مثل المسرح ونافورة الخديوي إسماعيل والجبلاية الصناعية وما تحويه من بقايا النباتات النادرة وغيره.
المقال النهاردة عن تاريخ حديقة الأزبكية وما آلت اليه...حاجه تحزن...
المصادر:
 - الأهرام - مقايسة إنشاء حديقة الأزبكية عام 1869
- اليوم السابع - حديقة الأزبكية.. ثالث المناطق الأثرية التى تعتدى عليها المحافظة وتخطط لبناء أكشاك للباعة الجائلين عليها..