خالد منتصر
انتشرت في الآونة الأخيرة على السوشيال ميديا لجان إلكترونية كثيرة تشتم في لاعب الكرة العالمي محمد صلاح، سباب مقذع وهجوم بشع وألفاظ وقحة متدنية يصفون بها هذا اللاعب العالمي الفذ الذي حفر في الصخر حتى أصبح من أهم خمسة لاعبين في العالم، وصارت إنجازاته وأرقامه تصل إلى حدود تُعجز من سيأتى بعده، هداف في أقوى دوري في العالم، واسم وصل إلى درجة النجومية، تقتحم الملاعب لمجرد التقاط صورة معه. هذا اللاعب الأسطورة صار لوحة تنشين لتيار الإخوانجية والمحبين والرفاق والتابعين لهم، وصار من يكتب كلمة شكر فيه، تدخل عليه تلك اللجان لتنهشه، تارة يقولون إن السبب هو احتفالاته بالكريسماس، وتارة يتهمونه بأنه أصبح يتعامل كالغرب ونسى أصوله الدينية!
وتارة يريدونه أن يُدلي بتصريحات في قضية غزة على مقاس تلك اللجان، لا بد أن يكون تعاطفه مثلهم بالضبط، ولا بد أن يستعير من قاموسهم السياسي، ويتحول من لاعب موهوب، إلى عضو في جماعتهم، لكن لماذا تلك الكراهية من الإخوان والتيارات المماثلة لهم والماشية في ركابهم لمحمد صلاح؟
باختصار، هم كانوا يريدونه مسوِّقاً لسلعة الإسلام السياسي في الخارج، هم كانوا يريدونه ديماجوجياً صاحب هتافات وشعارات تدغدغ مشاعر الألتراس الديني وتتماشى مع المزاج المتحفظ المتسلفن. ولكن صلاح خذلهم، واستطاع أن يندمج في المجتمع الإنجليزى ومن قبله الإيطالى سريعاً، وشرب الروح الأوروبية العاشقة للجدية والعمل والبهجة، اندماج بدون ذوبان، العلَم الذي أصر على حمله هو علم مصر، لم يرفع علماً آخر لأي بلد آخر، فالتعاطف مع قضية بلد شيء والانتماء الوطني شيء آخر.
هو يصر دوماً على الفخر بمصريته ونشأته البسيطة، هو ليس فيلسوفاً ولا مفكراً، ولكنه نموذج وطني ذكي جاد ومجتهد، يعرف تماماً أن رأسماله هو نفسه، يأكل بحساب دقيق بميزان الذهب، يتمرن حتى خارج التمرين الأساسي للحفاظ على مستواه، برغم تعليمه البسيط أتقن اللغة التى عرف أنها وسيلة تواصله مع الناس، عمل خط تواصل وجاذبية مغناطيس لأطفال أوروبا، دائماً يُبرز معالم مصر الجميلة وآثارها الفريدة، جولات كثيرة له لا بد أن تكون على شواطئ مصر الساحرة.
الإخوان يكرهون كل ما يفعله صلاح، فالترويج السياحي سيجعل مصر مزدهرة وهم يتمنون سقوطها وانهيارها، ليبنوا عروشهم على الأطلال، هم لا يريدون لعلَم مصر أن يرتفع، هم يسعون لرفع علم الخلافة لا الوطن، هم يكرهون النموذج المنفتح على الثقافة الأوروبية لأنه يُنسى الناس تعصبهم للأفكار الرجعية التى يريدون زرعها فينا وإغراقنا بها.
هم يكرهون دعمه لزوجته رفيقة رحلته، لأنهم يريدون المرأة سلعة في سوق الجواري، يريدونها شيئاً يتعاملون معه باستهانة وعلى أنها دنس ورجس وشيطان، هي الأدنى وناقصة العقل، التعالي الذكوري هو سيد الموقف عندهم، لذلك يكرهون صلاح الذي يفعل بالتصرفات أكثر مما يتكلم بالحنجوري والشعارات، صلاح لم يحقق للإخوان رغبتهم الدفينة في نموذج النجم الإخواني العالمي الدرويش الذي يتغنى بالخلافة ويمقت الوطن.
شكراً لمحمد صلاح على هذا النموذج الحضاري الرائع الذي يقدمه للشباب، وشكراً لعدم اهتمامه بكل الهجوم الإخواني، هو ماضٍ في طريقه غير عابئ بنعيق البوم والغربان، يعمل على نفسه بكل مهارة وذكاء، وأينما سافر، مصر في قلبه وعقله وروحه.
نقلا عن إيلاف