د. أمير فهمى زخارى

•• ثورة البشموريين | الحدث الغائب من التاريخ المصري ••
من الأحداث المنسية تماماً في التاريخ المصري رغم انها مؤرخة كويس جداً هي ثورة البشموريين واللي استمرت اكتر من ١٠٠ سنة وكانت نهايتها مأساوية ومات فيها الآلاف.
ثورة البشموريين هي سلسلة ثورات بدأت في منطقة "بشمور" الواقعة في كفر الشيخ حالياً وقدر الثوار يسيطروا على شمال مصر من الدلتا إلى مدينة الفرما (بورسعيد حالياً)
 
الثورة شارك فيها مصريين مسلمين ومسيحيين وسبب قيامها هو فرض الحاكم الأموي الجزية بأرقام خرافية على كل المصريين حتى اللي أسلم منهم..
والسبب هو رغبة الأمويين في زيادة ايراداتهم المادية عبر اجبار المسلمين الغير عرب على الاستمرار في دفع الجزية حتى بعد الاسلام.. والتخلف عن السداد كان عقوبته في مصر الاستيلاء على الأرض الزراعية او طلب نساء الفلاح كبديل عن الجزية لأخذهم كجواري عند العرب.
وبشكل عام كانت قوانين الدولة الأموية بتسمي المسلمين الغير عرب "الموالي" يعني أتباع/عبيد عند السيد العربي وكان ممنوع الرجل الغير عربي يتزوج مرأة عربية لكن العكس كان مسموح رغم انه كان نادر خوفاً منهم على تدنيس "نقاء القبائل العربية".
 
وكان الغير العرب ممنوعين من اعتلاء أي مناصب حكومية أو يسكنوا مع العرب في نفس مناطقهم.. ومن اجل شرعنة هذه القرارات خرجت فتاوى غريبة وقتها تقول بأن العرب أفضل في الدنيا من الغير عرب عقلاً ومكانةً..
 
اشتعلت شرارة الثورة سنة ٧٢٠ ميلادياً في منطقة "بشمور" في الدلتا وقاد الثورة شخص اسمه "مينا اباكير" مُطالبين بوقف السياسات الأموية زي تفضيل العرب على المصريين واضطهادهم وفرض الجزية على المسلمين والمطالبة بخفضها على المسيحيين.
 
شن الأمويين حملة برية وبحرية على منطقة بشمور لوقف الثورة لكن الحملتين فشلوا وقرر الخليفة الأموي مروان الثاني جيش في دمشق واستعد لمحاربة الثوار المصريين بنفسه
 
استمرت هجمات المصريين على تمركزات الجنود الأمويين فأمر الخليفة بالهجوم على كل قُرى الدلتا ونهبها انتقاماً من المصريين لكن حملة الأمويين فشلت
وأهالي القُرى صدوهم بعدها وصل العباسيين للحكم بعد الأمويين ولتهدئة الأوضاع قرروا اعفاء الثوار البشموريين من الجزية سنتين وانتهى دور القائد "مينا اباكير" هنا وغالباً مات بعدها...
 
وفي سنة ٧٦٧ الثورة بدأت من جديد بنفس المطالب فأرسل الوالي العباسي يزيد بن حاتم جيش لقمع الصورة لكن الثوار هزموا الجيش العباسي واضطروا ينسحبوا لمدينة الفسطاط
 
استمرت سيطرة الثوار على شمال مصر لحد سنة ٨٣٠ وحصلت مواجهات مباشرة عديدة بين الجيش العباسي والثوار البشموريين خلال المدة، فقرر الخليفة المأمون يجي من بغداد لمصر ويواجه الثوار مباشرةً على رأس جيشه وأسر بطريرك الكنيسة القبطية تاني لاجبار الثوار البشموريين على الاستسلام واعادة التوطين في مناطق خارج بشمور مقابل عفو عام عن كل الثوار...
 
رفض الثوار الاستسلام وبدأت مواجهات هي الأقوى من بداية الثورة من ١٠٠ سنة و راح ضحية المواجهة الآلاف وتكبد الطرفين خسائر فادحة اجبرت البشموريين على قبول شروط الخليفة المأمون وبالفعل استسلموا نهائياً سنة ٨٣٢.
 
لكن العباسيين غدروا بيهم وبعد استسلام البشموريين انقض عليهم الجنود العباسيين وقتلوا كل الرجال من الثوار وأسروا النساء والأطفال لبيعهم في بغداد ودمشق.. ثم أمر المأمون بحرق منطقة بشمور كلها ومسحها من على الخريطة بالكامل دون ترك أي أثر لها.
الثوار كانوا من المصريين المسلمين والمسيحيين.. لأنها كانت ثورة مصرية من اجل كرامة المصريين في وطنهم.. مش ثورة مسيحيين على مسلمين زي البعض حاول يفسرها.
 
ثوره البشموريين هي جزء من كم ثورات ضدهم بسبب قمعهم للشعوب الغير عربية وسوء معاملتهم زي ثورة الأمازيغ في المغرب سنة ٧٤٠ وثورات الايرانيين المتكررة..
 
وأخيراً.. حكام الأمويين والعباسيين مش معصومين ولا أنبياء.. وسرد حقائق تاريخية عن بعض اللي عملوه في المصريين مينفعش يتقال عليها "هجوم على الدين"..
المصريون ليسوا عرب وهذا المقال دليل على ذلك...تحياتى.
المصادر:
- المؤرخ العربي الشهير " ابو يوسف الكندي" حكى عن نهاية ثورة البشموريين وقال: "منذ ذلك الحين جعل الله القبط (المصريين بغض النظر عن الدين) صغاراً في جميع أنحاء مصر ودمر سلطانهم ولم يستطع أحد أن يغضب السلطان أو يعارضه"..
- قصة ثورة البشموريين مش غريبة ولا ضعيفة الاسناد.. وذكرها الإمام الطبري وتقي الدين المقريزي وإبن إياس.. ومكانتش الثورة الوحيدة وقتها على الأمويين والعباسيين..