الخميس ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢ -
١٨:
٠٧ ص +02:00 EET
بقلم: إسماعيل حسني
في سابقة نادرة، وبتخطيط من مكتب الإرشاد، فاجأ الرئيس مرسي نفسه وجماعته والعالم كله وأطلق بنفسه إشارة بدء الموجة الثانية للثورة المصرية للإطاحة بحكمه وبمخططات جماعته في السيطرة على مقدرات البلاد، متفوقا بذلك ليس فقط على الحزب الوطني البائد الذي فجر بفساده ثورة 25 يناير، وإنما أيضا على براقش التي جنت على نفسها وأهلها بعد أن أخذت تعوي وتعوي حتى استدلت القبيلة الغازية على مخبأ قبيلتها.
فلم يكن أكثر المصريون تفاؤلا يتصور أن تشتعل الثورة من جديد بهذه السرعة بعد أن نجحت أمريكا وقوى الرجعية العربية في إطفاء جذوتها بالتآمر على إيصال أشد الفصائل رجعية وعداءا للثورة وهو فصيل الإخوان المسلمين إلى الحكم، إلا أن الرئيس مرسي بإعلانه الدستوري الكارثي الذي أعلن نفسه فيه إلها أو ديكتاتورا مطلق الصلاحيات قد نجح في توحيد قوى المعارضة المصرية في مواجهته وهي التي عجزت عن التآلف فيما بينها ولو ليوم واحد منذ قيام ثورة 25 يناير.
ولم يكتفي الرئيس مرسي بتوحيد فصائل المعارضة، بل نجح أيضا في استنفار الملايين من أعضاء حزب الكنبة الذين فشلت الثورة والأحزاب جميعا في دفعهم للحركة أو المشاركة، وذلك حين آثر بعد إصداره للإعلان أن يخص أهله وعشيرته دون غيرهم بالخطاب أمام قصر الإتحادية، معلنا بذلك أنه رئيسا للإخوان وليس لكل المصريين، فخرجت ملايين المصريين المصدومة والمهانة من جديد إلى الشوارع والميادين، لتخير الرئيس بين سحب إعلانه أو الرحيل.
وإذا كان إسقاط الإعلان الدستوري هو السبب المباشر في الخروج، فإن سقف المطالب لم يلبث أن ارتفع ليتضمن كل ما كانت الناس تكظمه بداخلها رغبة منها في إعطاء الرئيس فسحة من الوقت لتلبيته، فأصبح الرئيس مطالبا اليوم بسحب الإعلان، وحل التأسيسية، وإلغاء قرار تعيين النائب العام الجديد، وتشكيل هيئة العدالة الإنتقالية، وإعلان الحد الأقصى والأدنى للأجور ... إلخ، وكلما تأخر الرئيس في الإستجابة لمطالب الناس فإن السقف سيواصل الإرتفاع يوما بعد يوم إلى أن تفقد الجماهير الثقة في قدرة الرئيس على تلبية مطالبها ويصبح الرحيل هو المطلب الوحيد، تماما كما حدث مع مبارك.
وإذا كان غرور القوة الزائفة قد دفع الإخوان إلى الإستخفاف بالشعب والوطن طيلة الشهور الماضية، فإن جلال مشهد الملايين الهادرة في ميادين التحرير قد أعاد الجماعة إلى صوابها، حيث بدا الإهتزاز واضحا في ردود أفعال مؤسسة الرئاسة بفرعيها في مكتب الإرشاد والإتحادية، واختفت العنجهية من ألسنة المتحدثين باسم الرئيس والجماعة، وحل محلها التواضع الذي وصل إلى حد استجداء الحوار للخروج من الأزمة، وهو ما رفضته جميع القوى السياسية الفاعلة قبل سحب الإعلان الدستوري المنعدم.
إننا نرى أن الموقف لم يعد يحتمل أنصاف الحلول، فقد حنث الرئيس المنتخب بيمينه الدستوري واعتدى على الدستور والقانون، وهذا جرم ثابت يستحق المساءلة والعزل، ويمكن أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام الرئاسة بصفة مؤقتة لحين وضع الدستور، وعلى القوى الوطنية أن ترفض المساومة على حق الوطن في هذا الشأن، وأن تنأى بنفسها عن الإستدراج لحلول وسط تعيد الإنقسام إلى صفوفها.
نقول ذلك لأن البدائل الأخرى أشد مرارة، فسحب الإعلان يؤدي إلى كسر عين الرئيس أمام شعبه ويجعله كارها له، والتمسك به لن يجدي مع صمود الشباب الحر في الميادين ويفتح المجال أمام إراقة الدماء.