الأقباط متحدون - هيكل: الإسلام السياسى لا يقبل مبدأ الاختلاف الفكرى
أخر تحديث ١٣:٣١ | الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٢ | ٢١ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٦٠ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

هيكل: الإسلام السياسى لا يقبل مبدأ الاختلاف الفكرى

حسنين هيكل
حسنين هيكل

 الإخوان لا يستطيعون تقديم مبدع كبير.. وأزمة تيارهم غياب «مجال الحوار»

قال  الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل إن تيار الإسلام السياسى فى
مصر لا يقبل مبدأ الاختلاف الفكرى.. وهذا ليس الآن فقط.. حيث إننى أختلف مع المقولة الأساسية للأستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين بأن الإسلام دين ودولة.. وذلك لأن هذه المقولة تحمل الكثير من التناقض فالدين ثابت والسياسة نسبية.. والدين يقين واعتقاد.. والسياسة حوار دائم ومستمر.. كما أن الدين له منطقه ومجاله وله فعله بمقدار ما هو ممكن ولكنه دوما فى القلب.. أما السياسة فقضية أخرى.. لأنها خيارات دنيوية.. وليست أخروية.. وأزمة سيطرة تيار الإسلام السياسى تكمن فى غياب (مجال الحوار) فالوعد والتبشير والجنة والنار كلها أشياء لا تمهد لاختيارات سياسية.. لأنها تعبر عن مقادير مكتوبة ومحسومة.

أضاف هيكل فى حوار مطول لمجلة الهلال الثقافية الشهرية تنشره فى عددها الذى يصدر  غدا السبت أول ديسمبر: من المؤكد أن الإخوان لا يستطيعون تقديم مبدع كبير.. وذلك لأن أى أدب أو فكر أو فن يعنى انطلاقة إلى شىء مختلف.. ويدعو إلى التجديد وإلى مخالفة الواقع.. فعندما تقول لى إن ما صلح به أول الأمة هو الذى سيصلح الأمة الآن.. فهذا يعنى أنك تدعو إلى التقليد والقولبة مما يعمل بالضرورة على تقييد الفكر والإبداع، فهل يستطيع الإخوان إخراج شاعر يقول ما قاله أبو العلاء المعرى فى قصيدته الشهيرة:

فى اللاذقية فتنة

 ما بين أحمد والمسيح

هذا بناقوس يدق

وذا بمئذنة يصيح

كل يعزز دينه

يا ليت شعرى بالصحيح؟

 هيكل تحدث فى حواره مع الكاتب والإعلامى محمد الشافعى رئيس تحرير مجلة الهلال عن جذوره الثقافية وقال: فى منزل جدى لوالدتى وهو من عائلة سلام المعروفة.. كان هناك تقليد صارم لكل أطفال العائلة.. وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم.. فأحفاد عبدالله سلام لا بد أن يحفظوا القرآن.. وكان فى بيت جدى «مندرة» مليئة بالكتب جمعها جدى وخالى من مكتبة صبيح بالأزهر.. وبيت جدى كان موجودا فى المنطقة التى بها مشيخة الأزهر الجديدة.. وكان بجوارنا بيت الرافعى وبيت الرزاز.. وهذه المنطقة كانت مقرا للتجارة الوطنية فى مصر.. وتمتد إلى ميدان الأوبرا.. والسكة الحديد حتى ميدان عابدين.. وهو الخط الفاصل بين قاهرة التجارة الوطنية.. وقاهرة التجارة الأجنبية.. كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة التى كان بها بيت جدى وهى المنطقة التى يطلقون عليها الآن السكة الجديدة والأزهر والغورية.. فالتجارة الوطنية كما ذكرت كانت فى هذه المنطقة.. وفى الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية.

وقد ساهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم دينى فى تشكيل ملامح شخصيتى الأولى.. حيث كنت أذهب يوم الجمعة مع جدى إلى مقصورة سيدنا الحسين فى وقت مبكر وأجلس لأستمع إلى القرآن الكريم بأصوات المقرئين العظام: الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى والشيخ محمد رفعت.. هذا إضافة إلى البيت الذى يحمل استعدادا ثقافيا كبيرا.. وفى هذا الإطار أؤكد على أننى ولدت بمنطقة الحسين وليس فى قرية باسوس فى القليوبية كما يكتب الكثيرون ــ وأذكر أن أول كتاب قرآته كان «أدب الدنيا والدين» ــ وعانيت كثيرا فى فهمه ــ وقرأت بعد ذلك فى دواوين الشعر وفى كتاب الأغانى للأصفهانى وفى كتاب ألف ليلة وليلة.. ثم جذبتنى كثيرا كتب السير الشعبية مثل ذات الهمة والظاهر بيبرس.. وهو واحد من الشخصيات التى تأثرت بها كثيرا؛ لأنى رأيت فيه صورة البطل.

هيكل صحفى فنى

وكشف الكاتب الكبير لأول مرة عن عمله بالصحافة الفنية لفترة قصيرة قائلا: كثير من مشاهير الصحافة والأدب فى العالم.. عملوا فى الصحافة المصرية الصادرة باللغات الأجنبية أو عملوا كمراسلين لكبريات الصحف العالمية فى مصر وقت أحداث الحرب العالمية الثانية.. ومنهم على سبيل المثال جورج أوريل الذى عمل فى الإيجيبشن جازيت..

وبعضهم كان يقضى فترة خدمته العسكرية كمراسل عسكرى مرافقا للجيوش التى تعمل فى مصر.. وأحد هؤلاء وكان يعمل مراسلا للجارديان فى القاهرة كانت لديه نظرية للعمل الصحفى.. تكمن فى ضرورة أن يعمل الصحفى فى بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث ليتعرف على خبايا النفس البشرية.. وعليه أن يعمل أيضا مراسلا عسكريا ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولا لمشاكلها.. وفيما بعد كان للدكتور محمود عزمى ومعه الأستاذ محمد التابعى نظرية أخرى للعمل الصحفى.. تؤكد أن الصحفى فى بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن ليتعرف على تفاصيل «الحياة» ولكن بصورة مصغرة.. ثم عليه أن يعمل فى قسم البرلمان.. ليتعرف على أسرار وخبايا الحياة السياسية.. وعندما ذهبت إلى آخر ساعة عملت فعلا بقسم الفن.. وربما لا يعرف الكثيرون أننى ارتبطت بعلاقة صداقة قوية مع الفنان نجيب الريحانى.. وكنت أجلس معه فى الكواليس.. وبعد نهاية العرض كنت أركب معه الحنطور ونذهب لنجلس على المقهى.. وذات ليلة وبعد مناقشات طويلة قال لى ماذا تفعل فى هذا الوسط «مكانك مش هنا».. وأعتقد أن الدكتور عزمى لم يكن يقصد بالفن مجرد المسرح فقط.. ولكن الأدب والفكر والثقافة بشكل عام، ومن حسن حظى أنى طبقت النظريتين فقد عملت مراسلا حربيا كما عملت بالفن.

وحول رؤيته لاهمية الثقافة ودورها الفاعل فى الواقع قال: أعتقد أنه لا توجد سياسة بدون ثقافة.. وإذا فصلت الثقافة من السياسة تحولت إلى سلطة حيث لا فرق بين رئيس الدولة وضابط البوليس.. لأن ما يفرق الاثنين هو البعد السياسى الذى يكمن خلف الفكرة السياسية.. والشىء الأهم والحاكم هو موقع مصر.. فأمامك أوروبا على الشاطئ الآخر.. وأنت بين إفريقيا وآسيا.. وأمريكا اللاتينية قادم جديد.. هذا الموقع الحاكم جعلنى دوما أؤمن بأن الثقافة ليست بعيدة أبدا عن السياسة.. وأنه لا ظهير للسياسة إلا الثقافة.

سر الدور السادس

الكاتب الصحفى الأشهر اضاف كاشفا سر الدور السادس فى الاهرام والذى ضم عمالقة الأدب والفكر فى مصر: سألنى توفيق الحكيم عندما عرضت عليه الانضمام للأهرام: لماذا تريدنى فى الأهرام؟ وكان متشككا باستمرار.. فقلت له لا أريد منك شيئا أبدا.. فسوف تحصل على راتب يساوى خمسة آلاف جنيه فى السنة ــ وهو نفس الراتب الذى كنت أتقاضاه فى الأهرام ــ وذلك لمجرد أن تتناول «الغداء» فى مطعم الأهرام يوميا.. فسألنى.. ومن سيدفع حساب الغداء؟

فقلت له: الأهرام سيدفع.. فقال متعجبا: وأحصل على راتبى مقابل ذلك فقط؟ فقلت له نعم بشرط أن يجلس معك كل يوم خمسة أو ستة من شباب الأهرام تدعوهم على «الغداء» وتتناقش معهم لكى ينهلوا من ثقافتك.. وكنت أهدف من وراء ذلك أن ننقل الثقافة للناس؛ لأن الثقافة مثل السياسة إذا لم تكن لصالح الجماهير فلا قيمة لها.

خلاف الحكيم وطه حسين

وكان الحكيم أول أديب كبير أستعين به فى الأهرام.. وذهبت بعد ذلك إلى طه حسين فى بيته «رامتان» بشارع الهرم.. وعرضت عليه الانضمام للأهرام.. ولكن خلافاته مع الحكيم جعلته يعتذر قائلا: «أنت يا سيدى لا تعرف غير صديقنا توفيق الحكيم.. وأدعو الله ألا يخدعك فيه كما خدعنا فيه».. وكان طه حسين يمتلك «اعتزاز المفكر» فاعتذر وقبلت اعتذاره.. وهذا لم يمنعنى من الإصرار على الإتيان بكبار الأدباء مثل نجيب محفوظ.

وكشف هيكل لأول مرة عن أن نشر رواية أولاد حارتنا على صفحات الأهرام لم يكن حادثا فريدا من نوعه قائلا: لم تكن أولاد حارتنا فقط هى التى أثارت الكثير من الجدل والهجوم على الأهرام.. ولكن رواية «بنك القلق» للحكيم أثارت جدلا أكبر حيث احتج عبدالحكيم عامر بشدة ووصل الخلاف بيننا إلى نقاش حاد أمام عبدالناصر.. حيث أكد عامر أن الحكيم يقصد نقد المخابرات.. ولكن عبدالناصر كعادته حسم الموضوع بهدوء حيث قال لعامر.. إذا كان توفيق الحكيم كتب فى العصر الإقطاعى السابق «يوميات نائب فى الأرياف» وقال رأيه فى الأحوال الاجتماعية المصرية فى ذلك الوقت.. ولم يتصد له أحد.. فهل يعقل أنه عندما ينتقد بعض الأوضاع بعد الثورة أن نتصدى له. المهم أن الأهرام حرص على وجود كبار الأدباء والمفكرين مثل: زكى نجيب محمود ــ يوسف إدريس ــ لويس عوض ــ عبدالرحمن الشرقاوى.. والدكتورة بنت الشاطئ.

وشدد هيكل على ضرورة التوازن بين التيارات الفكرية والثقافية قائلا: إذا كنت تتكلم عن ثقافة شعب فلا بد أن تكون جميع تياراته موجودة.. فالبعد الإسلامى كانت تمثله الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ».. وتوفيق الحكيم كان يمثل فكرا آخر هو الوسطية.. ويوسف إدريس متأثر جدا بالأدب الإسبانى.. وعبدالرحمن الشرقاوى يمثل اليسار وهكذا فإن هذه المجموعة من كبار المفكرين والأدباء تمثل «تكامل الثقافة المصرية» وأيضا تمثل الانفتاح والاحتكاك بكل ثقافات العالم الأخرى.. من خلال التواصل مع كل المدارس الأدبية والفكرية.. وهذا التواصل مع الآخر هو ما كنا ومازلنا فى أشد الاحتياج إليه.

 حكاية نجيب محفوظ

ووصف هيكل الحكاية المتداولة عن دوره فى حماية نجيب محفوظ من الاعتقال فى عهد الزعيم عبدالناصر بأنها خرافة قائلا: هذه خرافة رددها الكثيرون.. والحقيقة أنه لم يفكر أحد فى اعتقال نجيب فى أى وقت من الأوقات.. أولا لأن جمال عبدالناصر كان يعرف قيمة وقدر نجيب محفوظ.. ويعلم أنه يستطيع أن يعاتبنى على بعض الأشياء التى يكتبها نجيب محفوظ وغيره من كتاب الأهرام.

 وثانيا: لأننى كرئيس تحرير لم أكن أسمح بذلك أبدا.. لأننى أرى دور رئيس يتخطى مجرد قدرته على تجنيد الكتاب المهمين وإدارة الجريدة.. لأن دوره الأهم هو حماية الجريدة وكل كتابها.. ولم أقبل أبدا أن يتحدث أحد أو يؤذى محررا فى الأهرام.. وكان الجميع يعلمون أن من يريد التحدث إلى أى شخص فى الأهرام بخصوص أى أخطاء أو مشكلات فعليه أن يتحدث مع رئيس التحرير فقط.. وأذكر أننى فى اجتماعى الأول مع أسرة تحرير الأهرام ــ أتمنى لو استطعت الحصول على محاضر هذا الاجتماع ــ قلت لهم بوضوح إننى أعلم أن بعض الجالسين معنا إما على اتصال بالاتحاد القومى أو بالمباحث أو بالمخابرات.. وأنا أريد مندوبين للأهرام فى هذه الجهات وليس العكس.. ولذلك فأمام هؤلاء مهلة لمدة شهر لقطع صلاتهم بهذه الجهات.. وإلا فعليهم قطع صلتهم بالأهرام.. وأذكر أيضا أن محافظ القاهرة القوى سعد زايد أهان محرر الأهرام فؤاد سعد فى اجتماع عام.. فقررت مقاطعة أخبار المحافظ حتى يعتذر للمحرر فى نفس الاجتماع.. ورغم شكوى سعد زايد للجهات العليا فإننى صممت على موقفى.. وفى النهاية اعتذر محافظ القاهرة لمحرر الأهرام.

المبدع جاهين

وكشف هيكل فى حواره عن كواليس انتقال الفنان صلاح جاهين إلى الاهرام قائلا:

 صلاح جاهين فنان لا يتكرر.. فهو شاعر.. وممثل.. وكاتب سينمائى.. ورسام كاريكاتير عبقرى.. ومثل هذا الفنان كان لا بد أن يكون موجودا فى الأهرام.. ويكفى أنه رسام الكاريكاتير الوحيد الذى لم يكن يذهب إلى رئيس تحريره للبحث عن أفكار لرسوماته.. فقد كان متدفق الأفكار وقادرا على تنفيذ أفكاره بحرفية عالية.. وقد هاجمونى كثيرا فى روزاليوسف لأنى أخذت منهم صلاح جاهين.

 كما كشف هيكل فى الحوار عن ارتباطه بعدد من رموز الفكر والثقافة فى العالم أمثال سارتر واندريه مالرو قائلا: ربطتنى صداقة قوية بهؤلاء الكبار.. وأذكر عندما دعونا سارتر إلى مصر طلبت من توفيق الحكيم أن يكون مضيفه باسم الأهرام ورفيقة طوال فترة وجوده فى مصر.. وافق الحكيم ولكنه جاءنى فى اليوم التالى غاضبا وقائلا أنا لست أقل من سارتر حتى أكون مرافقا له فى رحلته إلى مصر.. فقلت له أنت لست مرافقا ولكنك المضيف باسم الأهرام.. وتناقشنا طويلا حتى اقتنع.. واكتشفت فيما بعد أن الحكيم كان خائفا من أن تخونه لغته الفرنسية أمام سارتر.. وهذا الموقف يجعلنى أتوقف أمام المصريين الذين يسافرون إلى الخارج لأجد أن أغلبهم يسافر إلى الخارج ولكنه يظل طوال الوقت داخل الأطر المصرية فلا يحدث الاحتكاك الثقافى المطلوب.. المهم جاء سارتر وحضرت المقابلة الأولى بينه وبين الحكيم.. وظل الحكيم متشككا فى بداية اللقاء من لغته الفرنسية ولكنه انطلق بعد ذلك يتحدث بطلاقة.. ونجحت زيارة سارتر إلى مصر كثيرا.. وقد اكتشفت أن الرئيس عبدالناصر أرسل إلى بيروت للإتيان بكتب سارتر ليقرأها قبل أن يقابله.. وهكذا كان عبدالناصر يعد نفسه لكل المواقف.

أما عن أندريه مالرو فقد كان يرى بشكل أو بآخر أن موقفى من عبدالناصر يشبه إلى حد كبير موقفه من ديجول.. وهذا الاعتقاد قرب ما بيننا أكثر.. وقد تقابلنا لأول مرة فى أحد مطاعم باريس وكانت معى زوجتى والتى قامت بدور كبير فى عملية الترجمة.. ثم توطدت علاقتى به.. وعندما جاء إلى مصر دعوته إلى الأهرام وأقمنا له ندوة كبيرة حضرها مجموعة كتاب الأهرام من بينهم لويس عوض ويوسف إدريس.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.