بقلم: سعيد السنى
الساهرون بمجلس الشورى أعضاء الجمعية التأسيسية نجحوا مع إشراقة شمس يوم الجمعة ( 30 نوفمبر) فى الإنتهاء من إقرار المسودة النهائية ل"الدستور" , المكون من الديباجة و234 مادة , وكانت جلسات التأسيسية قد بدات صباح الخميس .. أى أن أعضاء التأسيسية ظلوا طوال 20 ساعة تقريبا فى حالة إنعقاد دائم , مقسمة على أربع جلسات , تتخللها الإستراحة من وقت لآخر , وأى إنسان مهما كانت قدراته الذهنية والجسدية , لابد وأن يفقد قدرا كبيرا من التركيز , عندما يظل نحو 24 ساعة متيقظاً ,ومرتدياً للملابس الرسمية , إذا اخذنا فى الإعتبار أن العضو بالتأسيسية , لابد له أن يستهلك ساعتين أو أكثر , قبل بدء الجلسات , للحضور من منزله أو الفندق المقيم به أو للقدوم من المحافظة التى يسكن بها..أى أننا أمام جمع من الأشخاص الذين نكبت بهم مصر , يصرون برئاسة كبيرهم أو رئيسهم المستشار حسام الغريانى , على مواصلة إقرار مواد الدستور طوال هذه الساعات وهم "نيام" تقريباً , كأنهم سكارى , يمررون دستور "الليل وآخره"..
هؤلاء الموافقين نياماً على مسودة الدستور , أرتكبو جريمة بحق الوطن , بتمرير هذا الدستور الطائفى الذى يغتال الحريات والحقوق وإستقلال القضاء ,ويسمح لمزدوجى الجنسية بالترشح لرئاسة مصر, إرضاء لحازم أبو إسماعيل , ويجعل البلد كلها إلعوبة بيد "الرئيس" أو المرشد إن صح التعبير , وينتقل بمصر إلى عصر الدولة الدينية , تأسيساً للكثير من الفتن والمشكلات والحروب داخل الوطن سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم والمسيحيين , وإستهانة بالرفض الشعبى لهذه الجمعية غير الشرعية , من هؤلاء السكارى بحكم إفتقارهم للراحة والنوم, وهذا ليس إرضاءً منهم للرئيس الدكتور محمد مرسى , فالرجل يبدو كما لو أن كل نشاطاته وأحاديثه وحركته , هى من أجل إرضاء جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها , وتمكينا ً تاماً لها من عصب الدولة ومفاصلها ودستورها وأدوات الحكم بها ,وإنما سعياً من التأسيسية ورئيسها الغريانى , ومعهم مرسى , لمرضاة "مرشد" جماعة الإخوان المسلمين الذى هو رئيس الرئيس مرسى وإمامه وشيخه .
على كل حال .. فإن هذه العجلة فى تمرير الدستور الإخوانى السلفى , والمستفاد من حوار التلفزيون المصرى مساء أمس مع الرئيس مرسى , يؤكد بما لايدع مجالاً للشك , ان المعركة الآن لم تعد هى ذلك "القرار" المسمى تجاوزاً ب"الإعلان الدستورى" الذى أصدره مرسى , ورفع نفسه به إلى مرتبة أل "نصف إله",على أساس أن المرتبة الأعلى من ذلك محجوزة حصرياً لمرشد الجماعة .. إذ أن الغريانى رئيس التأسيسية سوف يقوم بتسليم مسودة الدستور إلى "مرسى" اليوم أو صباح غداً السبت ,ثم يصدر الرئيس قراراً من المؤكد أنه مُعد وجاهز بدعوة الناخبين للإستفتاء على الدستور فى موعد يتحدد فى القرار نفسه ,وكل ذلك من سرعة فى تمرير الدستور,و طرحه للإستفتاء,إنما ياتى إستباقاً للجلسة المحدد لها سلفاً يوم الأحد المقبل (2 ديسمبر2012) , أمام المحكمة الدستورية العليا المتهمة من الرئيس و إخوانه , بانها تهدم مؤسسات الدولة المنتخبة ..المثير للإستغراب هنا ,
أن الرئيس فى إعلانه الدستورى, كان قد منح الجمعية التأسيسة عمراً إضافياً مدته 60 يوماً , وبموجب الإعلان ذاته , فإن المحكمة الدستورية العليا , لا تستطيع أن تمس بأحكامها التأسيسية أو قانون تشكيلها , فلماذا يسارع مرسى وجماعتة والتأسيسية بتمرير الدستور وطرحه للإستفتاء , إلا أن يكون الرئيس وجماعته خائفين من شئ ما , وعلى قناعة بأن هذا الإعلان فاقد للمشروعية , ولن يصمد أمام الدستورية العليا , إذ أن المحكمة لابد ان تنظر الدعوى حتى تقرر إذا ما كانت ينطبق عليها قرار مرسى أم لا؟ وهنا لابد وأن تبحث المحكمة فى هذا "الإعلان" ,وعما إذا كان مجرد "قرار إدارى" أم أنه بالفعل "إعلان دستورى" صحيح ؟..
فإذا توصلت المحكمة إلى انه مجرد قرار , فإنها ستلفت عنه , وتمضى فى نظر الدعوى بشأن التأسيسية , والحكم فيها , وهذا الإحتمال هو الأرجح , إذ أنه وبحسب الفقية الدستورى الدكتور رأفت فودة ,وآخرين , فإن تقييم مثل هذه الامور وتكييفها لا يتوقف على العنوان أو المسمى الذى صدرت به , بل على المضمون , فليس معنى أن يسميه الرئيس إعلانا دستوريا , أن تسلم المحكمة بذلك , إذ أن الرئيس لايملك أصلا سلطة إصدار إعلانات دستورية , وعليه تنحيه المحكمة جانباً , و كأنه لم يكن , وهنا يكون الإعلان الدستورى قد سقط , ومعه التأسيسية , وضاع معهما دستور قندهار,وخسر الرئيس مرسى كثيراً ,
ولذلك كان لابد أن يتم إقرار الدستور حتى لو أستغرق الامر طوال الليل وآخره , ومع صدور الدعوة للإستفتاء غدا السبت , سوف يتوالى ظهور المشايخ إياهم على شاشات الفضائيات ومنابر المساجد , ويصفون الرافضين للدستور والمصوتين عليه ب"لا" أنهم كفرة وملحدين وعلمانيين وغيره , ويتوعدونهم بعذاب الآخرة وبئس المصير , ويمنون الموافقين والمصوتين ب"نعم" بالجنه ونعيم الآخرة .. أو هكذا السيناريو المُعد من "الجماعة" وحلفائهم السلفيين .. لكن هل تسير الأمور كما يريدون ويخططون لها ؟ .. لا أظن وإن ..غدا لناظره لقريب.