( 1921 – 2012 )
بقلم/ ماجد كامل
يعتبر المثقف الموسوعي الكبير الدكتور ثروت عكاشة وبحق هو مهندس الثقافة المصرية سواء من ناحية التأليف والابداع أو من ناحية الإدارة ؛ أما عن ثروت عكاشة نفسه فلقد ولد يوم 18 فبراير 1921 بمدينة القاهرة ؛تدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي حصل علي بكالوريوس الكلية الحربية عام 1939 ؛ وعمل ضابطا بسلاح الفرسان ؛ كما واصل دراسته العليا في كلية أركان الحرب خلال المدة من ( 1945 - 1948 )؛ ثم حصل علي دبلوم الصحافة من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول عام 1951 ؛ ثم سافر إلي باريس لإستكمال دراساته العليا فحصل علي درجة الدكتوراة في الآداب من جامعة السوربون عام 1960 ؛ وعمل رئيسا لتحرير مجلة "التحرير" خلال الفترة من (1952- 1953 ) ؛كما عمل ملحقا عسكريا بالسفارة المصرية خلال المدة من (1953- 1956 ) في بلاد المانيا ثم قرنسا ثم أسبانيا ؛ وعمل أيضا سفيرا لمصر في إيطاليا خلال الفترة من (1957- 1958 ) ؛تولي وزارة الثقافة المصرية مرتين ؛المرة الأولي تحت أسم وزارة الثقافة والإرشاد القومي خلال الفترة من (1958- 1962 ) ؛ ثم وزيرا للثقافة خلال الفترة من ( 1966 - 1970 ) . وخلال فترة عمله في وزارة الثقافة أرسي دعائم العديد من المؤسسات الثقافية ؛ فهو مؤسس الثقافة الجماهرية ( الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا ) ؛وذلك عندما فكر في تحويل قصور الباشوات والأقطاعيين التي صادرتها الثورة إلي قصور للثقافة أضاءت أرجاء مصر بالثقافة الجادة ؛ كما أنشأ أكاديمية الفنون التي تحولت إلي جامعة للفن الراقي الجميل ؛وشملت معاهد للسينما والفنون التشكيلية والموسيقي والباليه والفنون الشعبية .... الخ ؛ كما أسس السيرك القومي بالعجوزة وقاعة سيد درويش بالهرم ؛ وأسس أيضا عروض الصوت والضؤ بمنطقة الهرم ؛ وبفضل علاقاته الواسعة تمكن من الاتصال باليونسكو التي تولت انقاذ معبدي فيلة وأبو سنبل وآثار النوبة من الغرق وتم نقلهم إلي مكان آخر . وهو صاحب فكرة نقل مبني الدار الكتب بباب الخلق إلي موقعه الحالي بكورنيش النيل ؛ وذلك بعد أن ضاقت مخازن وقاعات مبني باب الخلق من إستيعاب المزيد من الكتب ( ولنا عودة تفصيلية إلي قصة نقل دار الكتب بعد قليل ) . أما علي المستوي الفكري فهو صاحب العديد من الموسوعات العلمية والفنية الرائعة ؛والتي لو ذكرت تفصيليا لأحتاجت العناوين فقط إلي مقال مستقل لوحده ؛ ولكننا سنذكر عينات منها فقط . نذكر منها موسوعة "العين تسمع والأذن تري " والتي أخرج منها العديد من الكنوز الخالدة مثل موسوعة الفن المصري القديم ؛الفن الإسلامي ؛ عصر النهضة ؛عصر الروكوكو ؛ عصر الباروك ؛ الفن الصيني ؛ الفن الهندي ؛الفن الفارسي ؛ الفن الياباني ..... ألخ . وكتب أيضا "التصوير المغولي الإسلامي في الهند " و"القيم الجمالية في العمارة الإسلامية "و"موسوعة التصوير الإسلامي " وفي مجال الموسيقي كتب "مولع حذر بفاجنر" وكتب أيضا "الزمن ونسيج النغم . من نشيد أبوللو إلي توارنجاليا " وهي موسوعة ضخمة غطت تاريخ الموسيقي منذ زمن الأغريق والرومان والموسيقي البيزنطية والعصور الوسطي وعصر النهضة وعصر الباروك والموسيقي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين . وأصدر موسوعة "مصر في عيون الغرباء من الرحالة والفنانين والأدباء (1800-1900 ) رصد فيها كل ما كتبه الاجانب عن مصر خلال هذه الفترة ؛ والمعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية } إنجليزي – فرنسي – عربي { .
وفي مجال الترجمات ترجم جميع أعمال الشاعر المهجري الكبير جبران خليل جبران ( 1883- 1931 ) كما ترجم كتاب فن الهوي للشاعر الروماني أوفيد( 43ق.م – 17 م تقريبا ) ؛ وترجم أيضا كتاب المسرح المصري القديم لعالم الآثار الفرنسي إيتين دريتون ( 1889 – 1961 ) ؛ وكتاب "العودة إلي الإيمان " لهنري لنك ... الخ .
وبصفة عامة جاء الحصر المبدئي لقائمة أعمال العالم الكبير ؛ 46 كتابا باللغة العربية ؛ كتاب واحد باللغة الفرنسية ؛ أربعة كتب باللغة الإنجليزية . كما يوجد له سلسلة محاضرات ألقيت في الكوليج دي فرانس بباريس خلال شهري يناير وفبراير 1973 ؛ أما عن الأبحاث والمقالات المختلفة فهي حوالي أثني عشر محاضرة وبحث ألقيت ما بين فرنسا وعمان وروما وأبو ظبي والدوحة ودبي وتونس والأردن والقاهرة .
كما حصل العالم الكبير علي العديد من الجوائز والأوسمة نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل إليه :-
1- الجائزة الأولي في مسابقة فاروق الأول العسكرية .
2- وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 1965 .
3- وسام اللجيون دونير ( وسام جوقة الشرف ) الفرنسي بدرجة كوماندز عام 1968 .
4- الميدالية الفضية لليونسكو تتويجا لجهوده من أجل إنقاذ معابد فيلة وآثار النوبة عام 1970 .
5- جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلي للثقافة عام 1987 .
6- دكتوراة فخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1995 .
7- جائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلي للثقافة عام 2002 .
ولقد أستمر العالم الكبير في العطاء والإبداع حتي توفي في 27 فبراير 2012 عن عمر يناهز 91 عاما .
ولسيادته – كما ذكرنا في المقدمة - فضل كبير في بناء وتأسيس مبني دار الكتب الحالي بكورنيش النيل برملة بولاق ؛ ولقد ذكر سيادته القصة بالتفصيل في كتابة الهام "مذكراتي في السياسة والثقافة – الجزء الثاني " حيث قال "عندما شاهدت أن مبني دار الكتب بباب الخلق قد ضاق عن استيعاب المزيد من الكتب ؛فضلا عن ضبق مساحات القاعات وعجزها عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الجمهور المتردد عليها ؛ لم اجد مفرا من النظر إلي المستقبل القريب فنشأت عندي فكرة إقامة مبني جديد لدار الكتب علي أحدث طراز يوفر الخدمة المكتبية السليمة ويحقق أفضل الظروف للمحافظة علي التراث الفكري الذي تضمه آلاف المطبوعات والمخطوطات النادرة . وقد استعنت بمنظمة اليونسكو في اختيار البيوت الهندسية ذات المكانة العالمية والخبرة الطويلة في مجال تصميم مباني دور الكتب ؛فوقع اختيار الخبراء المصريون من بين من رشحتهم المنظمة علي مجموعة من المهندسين الإسبان هم بدرو لويز وجيليرمو جيرالدز وزافييه سوبياس الذين شيدوا مكتبة كلية حقوق برشلونة ؛وأشركنا معهم المهندسين المصريين أنطوان نحاس الاستاذ بكلية هندسة جامعة القاهرة وأحمد شرمي كبير مهندسي شركة التعمير والمساكن الشعبية إلي ان لحق يهما المعماري د . علي رأفت .وقد اختاروا لإقامة الدار الجديدة رقعة من الأرض الفضاء علي كورنيش النيل برملة بولاق المواجهة للزمالك تبلغ مساحتها خمسة عشر الف متر مربع .
وجاء تصميم المبني محققا للمطالب والمواصفات التي وضعتها اللجان المتخصصة . وعندما حملت الرسوم التفصيلية للتصميم لأعرضها علي الرئيس جمال عبد الناصر اجتذب انتباهه وقوع غرف الإدارة علي النيل وتمني لو كان ممكنا ان تكون قاعات المطالعة هي المطلة علي النيل . وقد عدل التصميم علي ضؤ لفتة عبد الناصر الذي وافق لتوه بتخصيص مليون جنيه لإقامة هذا المبني في الخطة الخمسية الأولي ؛فأرسيت حجر الأساس للمبني في 23 يولية 1961 غير أن العقبات الماكرة المفتعلة ما لبثت ان تكاثفت منذ مستهل عام 1963 حتي خريف 1966 لتبطيء إجراءات نزع الملكية وترخي العنان لعمليات الهدم والحفر .بل حتي بعد أن كان عطاء إقامة المبني قد رسا منذ أغسطس 1962 علي شركة رولان للمقاولات فإن الجهاز الإداري للوزارة لم يتحرك للتعاقد مع الشركة إلا في شهر فبراير من العام التالي ؛ويبدو أن الشركة قد فطنت إلي فتور الحماسة لهذا المشروع فلم تتردد في إنفاق المبالغ التي كانت قد تسلمتها لحساب مبني دار الكتب علي مشروع آخر لمؤسسة السياحة ! التي كانت ملحقة وقتذاك بوزارة الثقافة والإعلام ؛ علي أن تسدده أعمالا اتسمت بالبطء والتراخي علي سنوات .
وظل هذا الحال حتي عدت إلي الوزارة في خريف 1966 فجهدت جهدي في أن أذلل العقبات حتي دبت الحركة في البناء وأرتفعت طوابق القسم الرئيسي في نوفمبر 1970 إلي الطابق الرابع ؛وقسم المخازن إلي السادس ؛ وقسم المباني إلي طابقين .وكانت الاعتمادات المدرجة لهذا المبني حتي ذلك التاريخ 1,377500 جنيه أنفق منها 1,033493 جنيه .وكان نقل الكتب والمخطوطات من باب الخلق إلي الدار الجديدة قد بدأ بالفعل منذ عام 1969 ؛ وأذكر أني عقدت في قاعة الاجتماعات بالمبني الجديد دورة المجلس الأعلي للفنون والآداب التي كنت أتشرف برئاسته في ربيع 1970 في الجلسة التي فاز فيها المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري بجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية . ( الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات من 436-438 ) .
وأسس ايضا ما يعرف اليوم ب"الهيئة المصرية العامة للكتاب " وكانت البداية خلال عام 1966 عندما أدمج كافة شركات النشر بالوزارة تحت أسم "دار الكاتب العربي " وعهد برئاستها إلي الكاتب الكبير الأستاذ محمود أمين العالم ؛ وبعد أن عين رئيسا لمجلس أدارة أخبار اليوم حمل الراية من بعده الدكتور عبد العظيم أنيس ؛ ومضت العجلة تدور في يسر وسهولة متأثرة بالمنهج العلمي الذي مارسه د .أنيس إلي أن تقدم بالاستقالة لترشيحه لمنصب علمي كبير في الخارج ؛ ثم تغير أسمها إلي "مؤسسة التأليف والنشر" وعهد بها إلي الأستاذة الدكتورة سهير القلماوي ( 1911- 1997 ) .
وسوف نعرض لبعض محتويات كتاب " مذكراتي في السياسة والثقافة " كنموذج لفكره وكتاباته ؛ فلقد صدرت طبعته الأولي عن دار الشروق عام 1988 ؛الطبعة الثانية منه صدرت عام 1990 ؛ أما الطبعة الثالثة منه فلقد صدرت عام 2000 ؛ كما صدرت منه طبعة خاصة عن مكتبة الأسرة عام 2004 ضمن سلسلة "أدب السيرة الذاتية " وجاءت محتويات الكتاب في حوالي 1089 صفحة ؛ ويحتوي علي خمسة عشر فصلا بيانهم كالتالي ( تجربتي ضابطا في سلاح الفرسان – تجربتي ملحقا حربيا – تجربتي سفيرا – تجربتي الأولي وزيرا للثقافة – تجربتي عضوا بالمجلس التنفيذي لمنظمة الونسكو – بين الرئيس عبد الناصر وبيني – تأمين لا تأميم – ما بين وزارتين – تجربتي الثانية وزيرا للثقافة – خواطر حول التجربة – أجواء الهزيمة – صحوة التغيير – مسيرة التغيير – سنوات التفرغ ) . ولقد شهد عن الكتاب وأهميته العديد والعديد من رموز الفكر والثقافة في مصر والعالم نذكر منهم علي سبيل العينة فقط وليس الحصر ( دكتور لويس عوض – دكتور مجدي وهبة – الكاتب يوسف جوهر – دكتور جمال مختار رئيس هيئة الآثار الأسبق – الدكتور عبد العظيم أنيس – الكاتب الراحل رجاء النقاش – الكاتب الراحل صلاح عيسي – العالم الفرنسي جاك بيرك المستشرق وعالم الاجتماع والأستاذ بالكوليج دي فرانس – الكاتب الرحل سامي خشبة – الدكتور رفعت السعيد – الدكتور غالي شكري ........ الخ ) .
ويبقي لنا في النهاية حلم وأمل ورجاء ؛ هو العمل علي إصدار بعض من هذه الكتب في طبعات شعبية رخيصة ؛ خصوصا أن أغلبها صدر في طبعات فاخرة بورق ملون وأسعار خيالية ؛ وذلك حتي يستفيد الجميع منها .
بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-آرثر جولد شميث ( الأبن ) :- قاموس تراجم مصر الحديثة ؛ ترجمة وتحقيق عبد الوهاب بكر ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 251 ) ؛ الصفحات من ( 499- 500 ) .
2-ثروت عكاشة :- مذكراتي في السياسة والثقافة ؛ الطبعة الثالثة 2000 م ؛ دار الشروق .
3- درية شرف الدين :- د . ثروت عكاشة ؛ مقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ يوم الأربعاء 10 فبراير 2021 .
4- محمود جميل مراسل التلفزيون المصري :- نشرة التاسعة :- وزارة الثقافة تحتفل بمئوية ثروت عكاشة ؛ نشرة الساعة التاسعة من يوم السبت 20 فبراير 2021 .