سمير مرقص
(1) «إعادة اختراع الشرق الأوسط»؛
اقتصاد الممرات هو حلقة من حلقات السيطرة الغربية/ الأطلسية الكلية على المنطقة: اقتصاديا، وسياسيا، وعسكريا، نظرا للأهمية الجيوسياسية التى يمثلها النطاق الجغرافى الممتد بين الشرقين: الأقصى والأدنى؛ والذى أطلق عليه الاستعمار التاريخى ــ البريطانى ــ اسم الشرق الأوسط. وظلت الولايات المتحدة الأمريكية لا تستخدمه فقط ــ بعد أن ورثت دور المملكة التى لا تغرب عنها الشمس بعد تأميم قناة السويس عام 1956ــ وإنما تعيد هندسته بين حين وآخر وفق مصالحها.
إنها الهندسة التى جعلت من إقليم الشرق الوسط مصطلحا «محض سياسى» من حيث التعريف.
ومن ثم يكتسب «مطاطية جغرافية»، بحسب وصفنا المقترح، للمنطقة حيث تتبدل مكونات نطاقه الجغرافى ــ فيما عدا إسرائيل هى الثابت الوحيد فى المنطقةــ فى ضوء ما يستجد من تطورات.
لذا دأبت الولايات المتحدة الأمريكية منذ حرب العراق ــ الكويت بالتوازى مع انطلاق العملية السلامية على: «إعادة اختراع الشرق الوسط» ــ إذا ما استعرنا مع قدر من التصرف عنوان الكتاب المعتبر لأستاذ العلاقات الدولية الفرنسى «برتران بادى»: «عندما يعيد الجنوب اختراع العالم» ــ فتارة الشرق الأوسط «الجديد»، وتارة أخرى «الكبير»، وتارة ثالثة «المختلف» (أو المغاير تاريخيا) وهو الذى يتم تشكيله ــ أو اختراعه ــ على نار هادئة على مدى عقدين.. كيف؟.
(2) «تقاسم دولى يحل محل التعاظم الأمريكى/ الإسرائيلى»؛
مع مرور الوقت، لم يعد الشرق الأوسط ساحة نفوذ مغلقة على الغرب الأطلسى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ورأس حربته فى المنطقة الكيان الإسرائيلى المحتل والغاصب. فلقد صار الإقليم ساحة مفتوحة للتمدد: الصينى، والروسى، والتركى، والإيرانى فى عمق الإقليم، والهندى عن بعد. فلقد أصبح لكل منهم نفوذ ومشروعات «ميجا» وطموحات بممرات اقتصادية وقواعد عملاقة.
وترجع المزاحمة الدولية الجديدة فى المنطقة إلى عدة أسباب منها: إخفاق الخرائط الأمريكية (البيريزية/ البوشية/ التشينية...) لإعادة هندسة الشرق الأوسط والانتهاء من القضية الفلسطينية عبر سلام هش على حساب البشر والأرض وفرض استقرار وهمى لصالح النخبة الثروية. ما أدى إلى فرض القوى المتمددة الجديدة واقعا جديدا يتمثل فى «تقاسم» الإقليم على حساب «التعاظم» الأمريكى/ الإسرائيلى التاريخى فى الشرق الأوسط. فى هذا الإطار طل: ممر الهند ـ المنطقة ـ أوروبا الذى يجدد الذكرى بطريق التجارة ــ التاريخى ـ من الهند إلى المملكة المتحدة، وطريق الحرير الصينى بشبكاته المرورية المعقدة،...، إلخ.
(3) «اقتصاد الممرات Economic Corridors: دلالات وتداعيات وتساؤلات»؛
يقوم اقتصاد الممرات على إنشاء ممرات مائية وبرية جديدة ومستعادة، بعضها طويل وممتد عابر للقارات، وبعضها الآخر أقل طولا بين دولتين أو أكثر. يدار ــ بالأساس ــ من النادى الأوليجاركى الذى يدير العالم اليوم: الولايات المتحدة الأمريكية (متى ذكرنا أمريكا فهذا يعنى إسرائيل) ومن خلفها دول الغرب الأطلسى وظهراء هذا الحلف فى الإقليم، والصين، وروسيا، والهند،...، إلخ.
عن طريق كبريات الكيانات الاحتكارية فى العالم؛ أو «كارتلات» النفط والغاز والسلاح والمعادن، والأدوية، والأحجار الكريمة، والأسمدة، وسلاسل التوريد، والأغذية، والطاقة المتجددة والهيدروكربونات،...، إلخ،...وتكمن خطورة الاقتصاد القائم على «الممرات الاقتصادية» إلى إحلال الاقتصادات القومية باقتصادات أقرب إلى نمط التجارة العالمية فى العصور الوسطى.
تكون خارج سيطرة الاقتصادات القومية/ الوطنية، ورهينة «النادى الأوليجاركى» الجديد ــ القديم. نعم قد يحدث اقتصاد «الممرات» انتعاشا ماليا، ولكن هل من شأنه أن يجعل من دول المنطقة نموذجا تنمويا حقيقيا، وأن يضمن توزيعا عادلا للعوائد على المستوى القاعدى للجسم الاجتماعى للإقليم حيث غالبية سكانه ينتمون لهذا المستوى. أخذا فى الاعتبار أن اقتصاد تديره «الكارتلات» إنما يعنى ــ فى ضوء الخبرة التاريخية ــ أن النخب الثروية الإقليمية هى المستفيد الأول لهكذا اقتصاد.
وأيضا ما أثر الممرات الجديدة والمستعادة/ الطويلة والقصيرة/ البينية والعابرة للقارات على تلك الممرات التاريخية القائمة بالفعل. وألا يعنى القبول باقتصاد الممرات وفقا للتحالفات الإقليمية الراهنة أن إقليم الشرق الأوسط الذى تتم هندسته وفقا للمطاطية الجغرافية قد بات مقسما لعدة أقاليم متنافسة.
ما يعنى صراعات مركبة من نوع جديد متشابكة ومتقاطعة: دولية، وإقليمية، وبين الدول وداخلها... وهل يضمن ذلك تسوية عادلة وشاملة ومستدامة للقضية الفلسطينية.. أسئلة كثيرة وكبيرة وهناك أخرى غيرها تحتاج إلى إجابات.
نقلا عن المصرى اليوم