اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة قداسة البابا متاؤس الثالث الـ١٠٠ (٢٥ برمهات) ٣ ابريل ٢٠٢٤
فى مثل هذا اليوم من سنة 1362 ش. (31 مارس 1646 م.)، في يوم سبت لعازر، تنيح قداسة البابا متاوس الثالث البطريرك المائة وهو يعرف باسم متى الطوخى. وهو ابن أبوين مسحيين من ناحية طوخ النصارى بإقليم المنوفية. وكانا خائفين من (الله محبين للغرباء، محسنين للفقراء والمحتاجين. فرزقهم الله بالابن تادرس فأحسنا تربيته وأدباه بكل أدب روحاني وعلماه كتب البيعة المقدسة وحلت نعمة الله علي هذا الابن المبارك فانكب على الدرس والتعليم المسيحى إلى أن حركته نعمة الله إلى السيرة الملائكية والحياة النسكية فخرج من بلده وترك أهله وأقاربه وتبع قول المسيح له المجد ومضى إلى برية شيهيت ميزان القلوب وترهب بكنيسة القديس العظيم أبى مقار فجاهد في النسك والعبادة جهادا بليغا. فرسموه قسا، فتزايد في التقشف، ونما في الفضيلة فأقاموه قمصا ورئيسا علي الدير المذكور.
وبعد قليل تنيح قداسة البابا يؤانس الخامس عشر البطريرك التاسع والتسعون، فاجتمع الآباء الأساقفة وجماعة الكهنة والاراخنة لاختيار من يصلح لاعتلاء الكرسى المرقسى الإسكندري وواظبوا علي الصلاة طالبين من السيد المسيح له المجد أن يقيم لهم راعيا صالحا لكي يحرس شعبه وبإرادة السيد المسيح، راعى الرعاة، اتفق رأى الجميع على تقديم الأب تادرس قمص دير أبى مقار بطريركا. فتوجهوا إلى الدير وامسكوه قهرا وكرسوه بطريركا باسم متاوس فئ يوم 4 النسيء سنة 1347 ش. (7 سبتمبر سنة 1631 م.). وكان المتقدم في تكريسه الأنبا يؤنس مطران السريان
فلما جلس هذا البابا علي الكرسى الرسولى رعى رعية المسيح أحسن رعاية، وكان هدوء وسلام على المؤمنين في أيامه، وارتاحت البيع من الشدة التى كانت فيها فحسده إبليس عدو الخير وحرك عليه أعوان السوء فذهبوا إلى الوالي بمصر وأعلموه أن الذي يعتلى كرسى البطريركية كان يدفع للوالى مالا كثيرا.
وأستمع الوالى لوشايتهم، واستدعى البابا إليه لهذأ الغرض. فقام جماعة الاراخنة وقابلوا الوالى، فلم يسألهم عن عدم حضور البابا، بل تكلم معهم في شأن الرسوم التى يدفعها البطريرك وألزمهم بإحضار أربعة آلاف قرش فنزلوا من عنده وهم في غم من جراء فداحة الغرامة ولكن الله عز وجل شأنه الذي لا يشاء هلاك أحد وضع الحنان في قلب رجل إسرائيلي فقام بدفع المبلغ المطلوب إلى الوالى، وتعهد له الاراخنة برده ووزعوه عليهم ثم سددوه للاسرإئيلى. وجعلوا على البابا شيئا يسيرا من هذه الغرامة الفادحة. فنزل إلى الوجه القبلي لجمع المطلوب منه، ولشدة أيمانه وقوة يقينه في معونة الله تحنن قلب الشعب عليه وأعطوه المطلوب عن طيب خاطر وبعد قليل حضر إلى الوجه البحري لكي يفتقد رعيته، فنزل بناحية برما. وأتى إليه هناك أهالي مدينة طوخ بلده، ودعوه لزيارة الناحية ليتباركوا منه، فأجاب الطلب.
وفي زمن هذا البطريرك وقع غلاء عظيم في كل أرض مصر، لم يصل مثله قط، حتى وصل ثمن إردب القمح إلى خمسة دنانير ولم يتمكنوا من شرائه. ولم يتيسر الحصول عليه إلا عند القليل من الناس، حتى أكل الأهالي الميتة، ومنهم من أكلوا لحم الدواب فتورموا وماتوا، ومنهم من دقوا العظم وأكلوه، ومنهم من كانوا يبحثون عن الحب في الكيمان ليلتقطه فتسقط عليهم ويموتون ومات خلق كثير لا يحصى عدده، وذلك في سنة 1347 ش.(1631 م.) ثم استمر الغلاء سنتين، وكان والى الصعيد وقتئذ حيدر بك. وفي سنة 1350 ش. (1634 م.) أتى النيل بفيضان عال غمر كل ألاراضى وتولى الصعيد في ذاك الحين الأمير على بك الدفتردارى وحضر إليه في شهر بابه سنة 1350 ش.، وزرعت البلاد واطمأن الناس، وزال كابوس الغلاء، وانخفضت الأسعار
. وفي تلك السنة أرسل السلطان مراد الرابع مراكب موسوقة نحاس أقراص مختومة بصورة خاتم سليمان، وذكروا أنهم عثروا عليها في خزانة قسطنطين الملك، وبلغ وزنها 12 ألف قنطار. وأمر الوالى بسكها نقدية وإرسال عوضها ثلاثمائة ألف درهم، فقام الوالى بتوزيع هذا النحاس بالقوة على أهالي مصر والصعيد بسعر كل قنطار ثمانين قرشا. ووقع بسبب ذلك ضرر عظيم على الأهالي،كما حصل ضيق عظيم في البلد، وخسارة كبيرة في ثروة البلاد، مما لم يكن له مثيل حتى أضطر أغلب الناس إلى بيع ممتلكاتهم. وحصل الوالى من النحاس المذكور على أموال طائلة أرسلت إلى الآستانة
ولما بلغ السلطان أن الباشا الوالى استعمل الظلم والقسوة في توزيع النحاس المذكور غضب عليه واستدعاه من مصر. ولما حضر أمر بضرب عنقه وولى غيره على مصر.
وفى تلك السنة أرسل ملك أثيوبيا يطلب مطرانا. فرسم له البابا متاوس مطرانا من أهالي أسيوط وأرسله إليه. وقد حلت بهذا المطران أحزان وشدائد كثيرة أثناء وجوده هناك، حتى عزلوه ورسموا بدلا منه..
وبعد إتمام البابا زيارته الرعوية لشعب الوجه البحري، وقبوله دعوة أهالي طوخ لزيارة بلدهم، قام معهم من برما ميمما شطر طوخ النصارى. وعندما اقترب من الناحية استقبله جماعة الكهنة وكافة الشعب المسيحى، وتلقوه بالإكرام والتبجيل والتراتيل الروحية التى تليق بكرامته، وأدخلوه إلى البيعة بمجد وكرامة. وأقام عندهم سنة كاملة وهو يعظ الشعب ويعلمهم
ولما كان يوم السبت المبارك ذكرى اليوم الذي أقام فيه الرب لعازر من بين الأموات اجتمع بالكهنة والشعب بعد إقامة القداس، وأكل معهم وودعهم قائلا بالهام الروح القدس ان قبره سيكون في بيعة هذه البلدة وانه لا يبرح طوخ وصرف الشعب وقام ليستريح في منزل أحد الشمامسة. فلما حضر الشماس ودخل حجرة البابا وجده راقدا علي فراشه، وهو متجه ناحية المشرق ويداه على صدره مثال الصليب المقدس، وقد أسلم روحه بيد الرب. فاعلموا جماعة الكهنة والشعب، فحضروا مسرعين ووجدوه قد تنيح ولم يتغير منظره بل كان وجهه يتلألأ كالشمس فأحضروا جسده المبارك إلى البيعة وصلوا عليه بما يليق بالأباء البطاركة ودفنوه
بالبيعة بناحية طوخ بلده.. وقد أقام على الكرسى الرسولى مدة 14 سنة و6 أشهر و23 يوما لم يذق فيها لحما، ولم يشرب خمرا. وتتيح بشيخوخة صالحة حسنة وكاملة.
بركه صلواته وبركاته تكون معنا امين...
ولربنا المجد دائما أبديا آمين...