أحمد الجمال
لم أبذل فى هذا المقال جهدًا سوى جهد النابش والناقل، إذ كنت أنبش فى «ربطات» كتب نُقلت من دار قديمة إلى أخرى نعيش فيها، ولطول فترة أسر الكتب فى خيوط «الدوبارة»- الخيط القديم المصنوع من الكتان، وهو شديد التحمل والمتانة، وحل محله الآن خيوط من منتجات المشتقات البترولية تتآكل بفعل الطقس- قررت أن أفك أسرها.
وأقلبها لأتردد بين ما يتعين الاحتفاظ به، وما يستحب الإبقاء عليه، وما يجب التخلص منه، ووجدت أن مصر كانت تقرأ فى الخمسينيات، وتحديدًا عام 1957، حين كان الأستاذ الكبير فتحى رضوان وزيرًا للإرشاد القومى «الإعلام الآن»، كتبًا يتراوح سعرها بين قرشين وخمسة قروش وعشرة قروش، أى أنك بجنيه واحد يمكن أن تقتنى خمسين كتابًا أو عشرين أو عشرة!!
وكانت تصدر مجلة شهرية للثقافة الرفيعة اسمها «المجلة»، تصدر فى اليوم السادس من كل شهر، ويرأس تحريرها الدكتور حسين فوزى، وقيمة الاشتراك السنوى فيها 100 قرش صاغ فى مصر والسودان، أى جنيهًا فى السنة، ومائة وخمسين قرشًا فى الخارج، وترسل قيمة الاشتراك مقدمًا إلى دار أخبار اليوم، وهى حسب تعريفها لنفسها مجلة لا يستغنى عنها قارئ مثقف.
فهى تصله بتيارات الفكر المعاصر، وتطلعه على خير ما تجود به قرائح العلماء فى الشرق والغرب فى ميادين الأدب والعلم والفن، ويكتب فيها صفوة الباحثين والكتاب، وتطبع طبعًا أنيقًا فاخرًا، وتحرص على أن تقدم للقارى آيات الفن فى صور جيدة جميلة، وتُعرض- أى تُباع- فى معظم المكتبات ومع باعة الصحف.. وبالصدفة فإن أعدادًا كثيرة منها كانت أسيرة الدوبارة!
ثم وجدت من مطبوعات الإدارة العامة للشؤون الثقافية بوزارة الإرشاد القومى عام 1957 ضمن ما سمى «السلسلة الثقافية» كتبًا عديدة كان ناشروها لحساب الوزارة مكتبة الأنجلو المصرية ودار الفكر العربى ومكتبة النهضة المصرية ودار الهلال ودار نهضة مصر، ومن بين العناوين كتاب من جزءين عن السياسى الفرنسى تاليران، والمؤلف هو «د. ف. كوبر»، ويقع الجزء الأول فى 235 صفحة، والجزء الثانى فى 246 صفحة.
ويصف الإعلان عن الكتاب، الذى ترجمه الدكتور محمد أبوطائلة تاليران بأنه «شخصية رجل سياسى من طراز عجيب.. كان قسيسًا فاجرًا وعربيدًا مقامرًا ووزيرًا مرتشيًا ولكنه أوتى من الدهاء ما رفعه على جميع معاصريه.. وقد عارض نابليون عقب انتصاراته ونادى بحفظ السلم فى فرنسا وأوروبا.. ثم كتاب عن الثورة الأيرلندية يحوى قصة صراع أمة للتحرر من النير البريطانى، يرويها الدكتور على الراعى ناقدًا ومحللًا ومقارنًا.
وكتاب عن ألوان رائعة من الكفاح الشعبى بين الحاكمين العابثين والشعوب التى تضطرم قلوبها بنار الحرية وعنوانه «ثورات وعروش»، تأليف الأستاذ حسن الشريف، وكتاب عن «نهرو» يترجم حياة الرئيس جواهر لال نهرو بقلمه نفسه، تناول فيه أصول أسرته وتعليمه المدرسى وتلقينه المبادئ الوطنية، ووصف الحياة الاجتماعية والسياسية فى الهند ومقاومتها للاستعمار البريطانى.. وعن دور غاندى ومن سبقه من الزعماء والمذاهب فى الهند وعن العادات وغيرها.. وقد ترجمه للعربية الأستاذ محمد بدران، وقدّم له الأستاذ فتحى رضوان.
ثم كتاب عن الجزائر الثائرة ألّفه الكاتبان الفرنسيان «كوليت» و«فرانسيس جانسون»، وتولّت الإدارة الثقافية بوزارة الإرشاد المصرية ترجمته، وفيه ظهر حرص المؤلفين على تأييد ما يذهبان إليه بأسانيد ووثائق رسمية، تُبيّن ما أصاب الشعب الجزائرى المكافح من ضيم فى كافة المجالات على يد الاستعمار الفرنسى.
ثم كتاب للأستاذ سيد أحمد عثمان عنوانه «دراسات فى الشرق الأوسط»، يتناول جغرافيته وبتروله والأهمية الاستراتيجية له والتزاحم على مناطق النفوذ فيه.. ثم كتاب موسوعى فى 416 صفحة عنوانه «كفاحنا ضد الغزاة»، يتناول تاريخ الشعب المصرى وكفاحه ضد الغزاة فى جميع العصور، وكتب فيه عن مصر القديمة الدكتور عبدالمنعم أبوبكر.
وعن عصر البطالمة الدكتور محمد عواد حسين، وعن عصر الدولة الرومانية الدكتور عبداللطيف أحمد على، وعن العصور الوسطى الدكتور محمد مصطفى زيادة، أما عن العصر الحديث وبإسهاب فهو بقلم أستاذى وصديقى العالم المؤرخ الفذ أحمد عبدالرحيم مصطفى، ثم خُتم الكتاب بتعقيب من الأستاذ فتحى رضوان، وزير الإرشاد القومى، عنوانه «هذا الشعب» تناول فيه شخصية الشعب المصرى بتحليل دقيق ووصف صادق يميز سماته ويوضح معالمه.
ثم كتاب عن «بوليفار» يتناول سيرة أعظم قائد أنجبته أمريكا الجنوبية حمل علم التحرير بها عشرين عامًا، وقاد فيها عدة حروب مظفرة، وأُطلق عليه لقب المحرر الأعظم لأمريكا، وتناول فيه مؤلفه، الأستاذ وديع الضبع، تاريخ بوليفار بإسهاب، وأوضاع قادة أمريكا الجنوبية وعلاقاتها المختلفة بالدول الأوروبية، خاصة إسبانيا، والأوضاع الاجتماعية والسياسية فيها، وتطور الحركات الاستقلالية.
وأخيرًا كتاب عن «سيرة ماتزينى»، الزعيم الإيطالى البارز الذى كافح كفاحًا متواصلًا طيلة حياته فى سبيل وحدة إيطاليا واستقلالها، وهو من تأليف بولتن كنج، وترجمه من الإنجليزية للعربية الأستاذ عبدالوهاب الحناوى.
هذا بعضٌ مما كانت مصر تقرؤه فى الخمسينيات، فسلام على روح فتحى رضوان، وسلام على دور النشر العظيمة، وسلام على المؤلفين والمترجمين، وسلام على روح من اختار فتحى رضوان للإرشاد القومى.. جمال عبدالناصر.
نقلا عن المصرى اليوم