الأنبا إرميا
احتفل أقباط «مِصر» أمس بتَذكار تجليات «السيدة العذراء» على قِباب كنيستها بحى الزيتون فى الثانى من إبريل سنة ١٩٦٨م، فى عهد القديس «البابا كيرلس السادس»، السادس عشر بعد المائة فى بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وقد شهِد تلك التجليات آلاف من المِصريين؛ وحظوا ببركات لم ينَلها أى شعب آخر؛ فعلى الرغم من ظهورات «السيدة العذراء» فى عدد من بقاع العالم، فقد كانت لأعداد محدودة من الشخصيات من أجل رسالة ما أو شفاء أو بركة، أما تجلياتها فى «مِصر» فقد استمرت طويلا إذ تجاوزت السنتين وبضعة أشهر، وامتد بعضها ساعات!!.
وقد باتت تلك التجليات حدثًا مِصريًّا عالميًّا. وذكر البيان البابوى الصادر من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى 4/5/ 1968م «منذ مساء يوم الثلاثاء الثانى من إبريل ١٩٦٨م الموافق ٢٤ برمهات ١٦٨٤ش، توالى ظهور «السيدة العذراء» «أم النور» فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التى بِاسمها بشارع طومانباى بحى الزيتون بالقاهرة. وكان هذا الظهور فى ليالٍ مختلفة كثيرة لم تنتهِ بعد … وكان الظهور يستمر مدة زمنية طويلة وصلت أحيانًا إلى ساعتين وربع الساعة، كما حدث فى فجر الثلاثاء ٣٠ إبريل سنة ١٩٦٨م الموافق ٢٢ برمودة سنة ١٦٨٤ش.
حين استمر شكلها الكامل المتلألئ من الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والأربعين إلى الساعة الخامسة صباحًا، وشاهد هذا الظهور آلاف عديدة من المواطنين من مختلف الأديان والمذاهب ومن الأجانب، ومن طوائف رجال الدين والعلم والمهن وسائر الفئات، الذين قرروا بكل يقين رؤيتهم لها. وكانت الأعداد الغفيرة تتفق فى وصف المنظر الواحد بشكله وموقعه وزمانه، بشهادات جماعية تجعل ظهور «السيدة العذراء» «أم النور» فى هٰذه المنطقة ظهورًا متميزًا فى طابعه، مرتقيًا فى مستواه عن الحاجة إلى بيان وتأكيد».
وقد شهِد الرئيس «جمال عبد الناصر»، يرافقه «حسين الشافعى» سكرِتير المجلس الإسلامى الأعلى، تجلى «السيدة العذراء»، إذ قصد منزل «أحمد زيدان» كبير تجار الفاكهة، الذى كان مواجهًا للكنيسة، وقد ظهرت «السيدة العذراء» فى تلك الليلة من منتصفها حتى الخامسة صباحًا بشكل واضح صريح.
ومما ذُكر عن ذلك الحدث الفريد أن أجانب من شتى بقاع العالم حضروا على وجه الخصوص إلى «مِصر» ليحظَوا برؤية «السيدة العذراء». وجاءت نتيجة تلك الزيارات أن صدر كتاب Our Lady Returns to Egypt، للراهب القَس الدومينيكانى Jerome Palmer، الذى جاء من ولاية «كاليفورنيا» الأمريكية إلى «مِصر» على وجه الخصوص ليعاين تلك الأحداث بنفسه ويسجلها: ففى يناير من سنة ١٩٦٩م، طلب الناشر السيد Culligan من الراهب الدومينيكانى أن يذهب إلى «مِصر» للقاء شهود عيان التجليات فى «القاهرة»، وقد قضَّى الراهب عدة ليالٍ عند كنيستها، وتحدث إلى كثير من الحاضرين، واستمع إلى معجزات الشفاء التى جرت آنذاك نتيجة الظهورات ليسجلها فى كتابه.
كذلك صدر كتاب آخر بعنوان Our Lord›s Mother visits Egypt in 1968، للسيدة Pearl Zaki، وهى أمريكية متزوجة من قبطى، تحدثت فيه عن تجليات «السيدة العذراء» بعد أن شاهدتها بنفسها، كما أصدرت كتابًا عنوانه Before Our Eyes: The Virgin Mary، Zeitun، Egypt 1968 and 1969. كذلك أصدر مثلث الرحمات «أنبا اغريغوريوس»، الأسقف العام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى، كتابًا باللغة الإنجليزية عن تجلى «السيدة العذراء» التى باركت «مِصر» فى مرحلة عصيبة مرت بالبلاد، فى تأكيد أن السماء ترعى وتهتم بالبلد الذى احتضن العائلة المقدسة على أرضه.
وفى لقاء جمع مثلث الرحمات «البابا شنوده الثالث» والأستاذ «محمود فوزى»، قال قداسته إن «مِصر» من الناحية السياسية كانت تحتاج إلى تعزية خاصة بعد حرب ١٩٦٧م، أما من الناحية الروحية فتلك الظهورات تمثل إعلانًا لحقيقة «خلود النفس» من أجل رفع المجتمع من النظرة المادية إلى النظرة الروحية.
إن الاحتفال بالقديسة «السيدة العذراء» هو احتفال مِصرى، فمحبتها وإكرامها وتبجيلها فى قلوب المِصريين جميعًا؛ إنها من قال فيها القرآن:
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ﴾، وهى من خوطبت فى الكتاب: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ».
ومن الجدير بالذكر أن حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى للولاية الثالثة كان بالأمس فى ذكرى تجليات السيدة الع ذراء، نطلب من الله أن يبارك بلادنا مصر ويحفظها من كل شر بشفاعات القديسة العذراء مريم.
و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم