كتب - محرر الاقباط متحدون
رد نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر، على سؤال يقول " لماذا رتبت الكنيسة الاحتفال بالقديس غريغوريوس بالاماس في الأحد الثاني من الصوم الأربعيني المقدس" .
وقال نيافته عبر حسابه الرسمي على فيسبوك :" هدف الكنيسة في جميع الاحتفالات بالقديسيين (أعياد القديسون) التي رتبتها هو أن تقود أبنائها إلى القداسة، وخاصة في أحاد الصوم الأربعيني المقدس.
لذا رتبت الكنيسة أن يكون الأحد الذي يلي أحد لتكريم أيقونات القديسين، الثاني من الصوم الأربعيني المقدس، لتكريم القديس غريغوريوس بالاماس. ذلك أن القديس غريغوريوس يوضح لنا النهج الذي اتبعه القديسون في حياتهم لينالوا القداسة. التي هي هدف المسيحية، أن يتقدس كل مؤمن مسيحي.
هذه القداسة التي علينا أن نحققها كما حققها القديسون في حياتهم هي معاينة الله. ذلك كما تكلم القديس غريغوريوس بالاماس عن مثلث يقود إلى معاينة الله، بأن مسيرة الإنسان لمعاينة الله هي مسيرة ثلاثية، الأولى: حفظ وصايا الإنجيل، عن الصلاة والصوم. الثانية: نقاوة القلب، فعندما يتكلم الإنجيل عن القلب ونقاوة القلب، يتكلم عن القلب الروحي الذي يزرعه الله في القلب الجسدي. الثالثة: الثاوريا (أي معينة الله)، ونعمة الروح القدس نفسها تؤهلنا لمعاينة الله. معاينة الله لا تكون معاينة لجوهره إنما لنوره، أي قواه ومجده. هذا هو النور غير مخلوق الذي عاينه الرسل عندما تجلى الرب أمامهم.
عن الصلاة، يقول القديس غريغوريوس بالاماس: "علينا أن ننكب على الصلاة الدائمة المتيسرة لنا في أي وقت، بأعمالنا وأفكارنا، إلى أن ننال العطية"، هذه العطية هي النعمة، عطية الروح القدس. كما يقول: "لا بد من التواضع، لأن الله لا يُسر بصلاة المتكبرين والذين يدينون الآخرين". يقول آباء الكنيسة إن الإنسان المتكبر يماثل الشياطين، فالشيطان كان ملاكًا لكنه سقط بسبب التكبر. التكبر هو أساس كل سقوط وابتعاد عن الله. أما التواضع يجعل الإنسان قادرًا على ترك كل ما هو دنيوي، وأن يعود إلى نفسه ويدين نفسه، وأن ينظر إلى خطاياه بدلًا من النظر إلى خطايا الآخرين.
عن الصوم، يقول القديس غريغوريوس بالاماس: "النسك لا بد منه في مسيرتنا والألم الجسدي وحده يُميت قابليّة الجسد للخطيئة، ويُخفف الأفكار التي تُثير الأهواء العنيفة". تاليًا لا بد من تطبيق جدي للصوم والصلاة والممارسات الأخرى التي تكلم عنها الإنجيل، لأننا لا نستطيع أن نتخلص من أهوائنا دون ألم. وهذا الألم يضبط الأهواء.
عن نقاوة القلب، يتكلّم القديس غريغوريوس بالاماس قائلًا: "كل وصية إلهية وكل شرعة مقدسة تنتهي حسب الآباء بنقاوة القلب". نقاوة القلب هذه هي ثمرة الصلاة النقية، ثمرة جهادنا وثمرة سكنى الروح القدس فينا. وكل ما نحققه في هذا الجهاد يتم بنعمة الروح القدس.
نعمة الروح القدس نفسها تؤهلنا لمعاينة الله. كما نردّد في صلواتنا "وبنورك نعاين النّور"، أي بنور الله نعاين الله. هو يعطينا هذه النعمة، إننا مخلوقون ومحدودون، لكننا نستطيع أن نرتفع فوق هذه الطبيعة المخلوقة لنعاين الله. الله هو النقاء، ومعاينته تتوجب أن نصل إلى هذه الحالة، النقاوة.
كما جاهد القديس غريغوريوس ليحافظ على التعليم القائل بالتمييز بين الجوهر والقوى الإلهية والنعمة الإلهية غير المخلوقة (قوى الإله المثلّث الأقانيم)، وذلك في إطار اللاهوت الآبائي. يصف بالاماس هذا التمييز أنه "مُماثِل لله وسري"، أنه شرط بديهي لِتَأْلِيه البشرية، أي الإتحاد بالله الذي هو "التَأَلُّه". عملية التأله تبدأ بالمعمودية لكنها سوف تكتمل بكل بهاءها فقط في ملكوت الله أي في السماء.
مفهوم التأله [كلمة "تأله" مُعرَّبة عن الكلمة اليونانية "θέωσις" (Theosis)]، "تأله الإنسان"، "الشركة الإلهية"، "المساهمة في حياة غير المخلوق"، و"الاتحاد بالطبيعة الإلهية". هذا المفهوم "تأله الإنسان" عند آباء الكنيسة لا يعني أبدًا أن الإنسان سيصبح غير محدود وعالِمًا بكل شيء، ولا يلغي طبيعة الإنسان المخلوقة أو يغير جوهره؛ لأن هذا معناه انتهاء الشركة نفسها التي بين الإنسان والله. لكنه يعني تحقيق غاية خلقة الإنسان بالشركة مع الله والاتحاد به ونوال نعمة الحياة الأبدية. والله سيظل على الدوام "آخَر" بالنسبة للإنسان، وسيظل الإنسان المخلوق "مُتلقيًا" من الله الخالق؛ لأن التأله بالنسبة للإنسان يكون بالنعمة الإلهية.
إن المشاركة في الله هي، بالمسيح يسوع، مشاركة كاملة. لا يمكننا في الواقع أن نشارك في جزء من الله؛ لأن الكائن الإلهي بسيط، غير متجزئ، والفعل الإلهي هو الله، غير مُنقص ولكن ظاهر بحرية.
لهذا رتبت الكنيسة أن يكون الأحد الثاني من الصوم الأربعيني المقدس لتكريم القديس غريغوريوس بالاماس بعد أحد تكريم أيقونات القديسين التي بتكريمنا لها نُكرم القديسيون المرسومة صورتهم فيها. ذلك لكي نتمَثَل بهم في قداستهم. هذه القداسة أوضح لنا القديس غريغوريوس كيفية تحقيقها فينا.