ياسر أيوب
فى مدينة أوليمبيا، فى شبه جزيرة بيلوبونيسى، جنوب اليونان، حيث أقيمت أول دورة أوليمبية فى التاريخ منذ 2800 عام.. وأمام مئات الحاضرين، تتقدمهم كاترينا ساكيلاوروبولو، رئيسة اليونان، وتوماس باخ، رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، ووزيرة الرياضة الفرنسية، أميلى كاستيرا، وعمدة باريس آن هيدالجو.. قامت الممثلة اليونانية مارى مينا، منذ يومين، بإيقاد شعلة دورة باريس الأوليمبية المقبلة.
وكان الأمر يتطلب ممثلة لتجسيد شخصية الكاهنة الكبرى فى معبد هيرا وهى التى تشعل النار الأوليمبية، تقديرًا لزيوس الذى سرق النار وأهداها للبشر.. وحول الكاهنة الكبرى تتراقص كاهنات المعبد الصغيرات احتفالًا بإيقاد الشعلة التى بجوارها غصن زيتون ليلعب الجميع فى سلام وأمان.. وستظل هذه الشعلة التى أوقدتها مارى فى معبد هيرا بمدينة أوليمبيا تطوف كل أرجاء اليونان طيلة 11 يومًا، حيث سيتناوب على حملها 600 يونانية ويونانى، سيجرون بها 5000 كيلو متر.
ويطوفون بها 41 مدينة ومقاطعة يونانية.. وبالتأكيد يستحق اليونانيون الاحترام لمحافظتهم على تقاليدهم الأوليمبية، منذ بدأوا أول دورة أوليمبية فى التاريخ 776 قبل الميلاد، وأول دورة فى العصر الحديث 1896.. لكنه احترام قد لا يستحقه بعض ممن يتاجرون بالتاريخ والطقوس والشعارات الأوليمبية ويزعمون تقديرهم واعتزازهم بها.
ولا أزال أذكر ما جرى فى 18 سبتمبر 1989 حين جرى اختيار مدينة أتلانتا الأمريكية لاستضافة الدورة الأوليمبية 1996.. دورة كانت تريد أثينا تنظيمها احتفالًا بمرور مئة سنة على تنظيم أول دورة أوليمبية فى العصر الحديث.. وانحاز كثيرون جدًا فى العالم لمدينة أثينا، وأنه من حقها استضافة هذه الدورة، تكريمًا للمدينة الأوليمبية.
ولم يكن هذا بالضرورة رأى ورؤية معظم أعضاء اللجنة الأوليمبية الدولية الذين منحوا أصواتهم لأتلانتا وليس أثينا.. وكان ذلك نقطة فاصلة فى المسار الأوليمبى الذى لم يعد بعد ذلك يحترم تاريخًا وحقوقًا ومكانة، إنما تحكمه السياسة وحساباتها والمال وإغراءاته.. ولم تكن أثينا هى التى سقطت يومها، إنما هم هؤلاء الذين على استعداد لإزعاج العالم كله، دفاعًا عن الميثاق والقواعد والتاريخ الأوليمبى، بينما يبقون على استعداد لبيع كل ذلك، إما خوفًا ومجاملة، أو طمعًا فى مال ومكافأة.
وكان الأكثر إزعاجًا أن شعلة أتلانتا بدأت أيضًا فى أوليمبيا وأثينا احترامًا لتاريخ اليونان الأوليمبى الذى لم يتذكره أحد حين جرى الاختيار والتصويت.. أما شعلة باريس 2024 فسيتم تسليمها للفرنسيين فى أثينا 26 إبريل، لتنتقل بالبحر على سطح السفينة الفرنسية التاريخية بيليم، التى هى أقدم سفينة فرنسية لا تزال قابلة للإبحار.. وفى 8 مايو.. سينتظر الفرنسيون وصول السفينة بيليم إلى مارسيليا لتبدأ الشعلة الأوليمبية رحلة 12 ألف كيلو متر فى 400 مدينة وإقليم حتى تصل إلى باريس.
نقلا عن المصري اليوم